بين كتابين

بين كتابين
TT

بين كتابين

بين كتابين

مر زمن كان فيه الكتاب السينمائي من بين تلك الأكثر رواجاً بين ما تصدره دور النشر العربية ومهرجانات السينما المتعددة. حينها كان هناك القراء المعتادون الذين يهوون السينما ويريدون المزيد من إنتاجاتها أفلاماً وكتباً ومقالات، بالإضافة إلى متابعي الحركة الثقافية العامـة وراصدي الكتب المرجعية التي كانت تنضم إلى مقتني الموسوعات الشاملة لأنواع الفنون والثقافات.
> ما يحدث اليوم هو أمر مختلف. الإصدارات السينمائية يقوم بها نقاد قليلون أصابهم العناد وواصلوا العمل على ما يعتبرونه إثراء لتقليد سابق، والناشرون، في الغالب، هم المهرجانات السينمائية العربية. ليس جميعها لأن هناك من يعتبر أن شغل المهرجانات الدولية (كما هو ممارس في معظم مهرجانات الصف الأول) ليس إصدار الكتب فينأى بنفسه عن هذا الفعل.
> لكن بانتظار أن يجد الكتاب السينمائي المحفل الجيد الذي يستحقه، تواصل بعض المهرجانات العربية إصداره وبين يدينا كتابان جديدان من هذه الإصدارات. أولهما وصولاً إلينا هو «مغامرة السينما الوثائقية: تجارب ودروس» لصلاح هاشم والثاني «يسري نصر الله: محاورات أحمد شوقي» لأحمد شوقي.
> الزميل صلاح هاشم من المتيمين بحب السينما، يمارس منذ عقود طويلة عمله بصبر وأناة، وله نظرات ثاقبة فيما يتناوله من اتجاهات وتيارات وأسلوب سرد يأتي على الكثير في سرعة وإيجاز. كتابه الجديد، الصادر عن مهرجان الإسماعيلية، يجمع دراسات (بعضها منشور سابقاً) تلقي الضوء على أكثر من وجه وجانب من وجوه السينما التسجيلية. وهو منهج كتابه على نحو تاريخي يبدأ من سينما لوميير وصولاً إلى بعض الإنتاجات العربية الحديثة.
> كتاب أحمد شوقي عن المخرج يسري نصر الله بالغ الأهمية لناحية تفسير المخرج لأسلوبه السينمائي. كان هذا التفسير والكشف عن رغبات ظهرت أو لم تظهر جلياً على أفلامه في حاجة إلى من يطلبه، والناقد أحمد شوقي يفعل ذلك بمهارة المحاور وبثقافة الناقد الذي يعرف الكثير مما يتحدث فيه، وهي ميزة غير منتشرة على نحو متساو بين نقاد السينما العرب. الكتاب (إصدار مهرجان السينما الأفريقية) يضع كل ما يبغي القارئ معرفته عن سينما هذا المخرج الذي عرض بعض أفلامه في «كان» و«فينيسيا» و«تورونتو» من بين مهرجانات عالمية أخرى.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.