صفقة بين «داعش» ودمشق... آخر فصول «نكبة» مخيم اليرموك

النظام توقف عن قصف «عاصمة الشتات» بعد سيطرة التنظيم

TT

صفقة بين «داعش» ودمشق... آخر فصول «نكبة» مخيم اليرموك

عاد الحديث عن قرب انتهاء «نكبة» مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وأحياء جنوب دمشق المجاورة وسط تكتم شدد من النظام السوري على التفاصيل وموعد تنفيذ «اتفاق المصالحة»، في وقت أفيد بأن تنظيم داعش سيقوم بتسليم المنطقة للنظام بعد قيامه بتصفية «العصاة» فيها على غرار ما فعله في عدد من المناطق.
وانتشرت في صفحات على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قبل أيام صور لإعلان أصدره «داعش»، طلب فيه من الراغبين من المدنيين بالخروج مع مسلحيه من جنوب دمشق إلى مناطق سيطرته في شمال وشرق سوريا، تسجيل أسمائهم في مراكز تم افتتاحها في أماكن سيطرته جنوب العاصمة. وقالت مصادر أهلية لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» وزع صورا للإعلان في مناطق سيطرته هناك (مخيم اليرموك، الحجر الأسود، التضامن والعسالي)، ذلك بالترافق مع خروج عدة دفعات من جرحى «هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل بينها «فتح الشام» (النصرة سابقا) من اليرموك خلال الشهرين الماضي والحالي في إطار «اتفاق البلدات الأربع» (كفريا الفوعة – الزبداني مضايا).
وإذ بدت المصادر المهتمة بملف اليرموك متأكدة من أن «العمل يجري بشكل فعال لإنهاء ملف جنوب العاصمة»، رجح بعضها أن تبدأ عملية الخروج في أي لحظة. وما عزز ذلك تأكيد مصادر أهلية من المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن قيادات «(داعش) وعناصره يقومون ببيع ممتلكاتهم تمهيدا لخروجهم».
وبعدما انتشرت أخبار عن اتفاق بين النظام و«داعش» ينهي ملف جنوب العاصمة في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام مقربة من النظام وعلى مدار عدة أيام، انقطعت تلك الأخبار فجأة وسيطر التكتم والتعتيم على مجريات الملف، سوى تصريح لوزير المصالحة علي حيدر، قال فيها إن العمل على إنهاء الوجود المسلح في المخيم «قطع شوطاً مهما في إحياء اتفاق تم التوصل إليه سابقا لإخراج المسلحين من المخيم حيث تعمل الدولة لتسهيل خروجهم بكل الوسائل الممكنة وإعادة أهالي المخيم مجدداً إلى منازلهم».
* «عاصمة الشتات»
ويقع مخيم اليرموك على بعد سبعة كيلومترات جنوب العاصمة وتبلغ مساحته كيلومترين مربعين. وتم وضع اللبنات الأولى لإقامته عام 1957 عندما كان بقعة صغيرة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح المخيم جزءا أساسيا من مكوناتها الجغرافية والديمغرافية وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن ورمزاً لحق العودة. كما غدا يُعرف بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني» كونه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والبالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ، علما بأنه يوجد في سوريا وحدها خمسة عشر مخيما تتوزع على ست مدن.
وإن كان المخيم بدا هادئا في السنة الأولى للأحداث عندما كان المظاهرات المناهضة للنظام السوري تعم المناطق المجاورة له في الجنوب مدينة الحجر الأسود وشرق حي التضامن والجنوب الشرقي لبلدتي يلدا وببيلا، وفي الغرب في حيي القدم والعسالي، فإن الحراك الثوري فيه كان كالنار المتقدة تحت الهشيم، الأمر الذي شعر به النظام ما دفعه حينها إلى تحذير الأهالي هناك عبر قيادي فلسطيني من على أحد منابر العاصمة بالقول: «اليرموك لن يكون أغلى من حمص وحماة...»، في إشارة إلى أن النظام يمكن أن يدمر المخيم على رؤوس سكانه.
اليرموك الذي هدده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون ذات مرة بأن له يوما بسبب ما حمله من رمزية لحق العودة، لم يحل البلاء به بسبب تنفيذ إسرائيل لتهديداتها، وإنما بفعل ثلاثة صواريخ أطلقتها طائرات النظام الذي طالما تشدق بمناصرته للشعب الفلسطيني في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2012، وكانت كفيلة بإحداث نكبة لسكانه تجاوزت في مآسيها نكبة عام 1948 ونكسة 1967 حيث قتل وأصيب عشرات المدنيين، ونزح أكثر من 90 في المائة من سكانه الذين كان يبلغ عددهم حينها ما بين 500 إلى 600 ألف نسمة من بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني.
جاء ذلك، بعد نجاح فصائل من «الجيش الحر» في السيطرة على المخيم، عقب دخولها إليه من جهة حي الحجر الأسود إلى الجنوب، وحي التضامن إلى الشرق، وحيي القدم والعسالي من الغرب، حيث كانت تنشط مجموعات من «الجيش الحر» منذ شهور، مع وجود مجموعات مسلحة فلسطينية نائمة في المخيم اختارت أن تقف إلى جانب الشعب السوري ضد الظلم الذي طاله من جانب النظام الذي فرض بعد ذلك وقوات من الفصائل الفلسطينية المؤيدة له حصاراً جزئياً على أكثر من 20 ألف مواطن فضلوا البقاء في منازلهم على رحلة نزوح من غير المعروف متى ستنتهي، وسرعان ما تحول هذا الحصار إلى حصار خانق في عام 2013. قضى خلاله بسبب الجوع ونقص الأدوية 199 فلسطينيا. وبحسب أحد المواطنين الذين خرجوا مؤخرا من اليرموك، فإن المدنيين هناك باتوا يعيشون على أمل «الكرتونة» بعد أن أصبحوا لا يرون رغيف الخبز حتى في المنام، في إشارة منه إلى السلة الغذائية التي أصبحت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها تدخلها إلى الأهالي بين الحين والآخر خلال الحصار.
* تلاشي «الحر»... وطغيان للسواد
بعد ذلك شهد اليرموك فوضى عسكرية عارمة بسبب وجود مجموعات مسلحة مختلفة وتحت أجندات ومسميات متباينة، وطغى حضور الفصائل الإسلامية المتشددة على حساب «الجيش الحر» الذي انتهى وجود مجموعاته مثل «أبابيل حوران» و«صقور الجولان» و«أنباء الحجر الأسود» إما بالتفكك أو الاندماج مع «جبهة النصرة» أو تنظيم داعش الذي ظهر بشكل مريب في منطقة الحجر الأسود وتشكل من أبناء المنطقة العائدين في أصولهم إلى هضبة الجولان التي نزحوا منها عام 1967. مع ظهور مجموعات فلسطينية قوية من قبيل «كتائب أكناف بيت المقدس» التي تردد أنها تتبع لحركة حماس الفلسطينية وتزعمها المدعو أبو أحمد المشير مسؤول فريق المرافقة الخاص لرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل أثناء وجوده في سوريا، وكذلك «كتيبة ابن تيمية» و«القراعين» و«السراحين».
وشكلت «النصرة» و«الأكناف» أقوى فصيلين في اليرموك، وتمكنا من إنهاء وجود كثير من الفصائل الأخرى، وسيطرتا بشكل تام على المخيم طوال عام 2014 من دون أي منازع، ليدور لاحقا الصراع الدامي على النفوذ بين الجانبين وشبه حينها بأنه صراع «كسر عظم» من دون أن يتمكن أي من الفصيلين من إنهاء الآخر، لتشتعل بعد ذلك حرب الاغتيالات بين الجانبين.
وفي بداية أبريل (نيسان) 2015 كانت المفاجأة، تدخل «داعش» القابع في معقله الحجر الأسود جنوب اليرموك في المعارك الدائرة في المخيم إلى جانب «النصرة» وتمكنا من إنهاء وجود «الأكناف» التي كانت تعد نحو 250 عنصراً، حيث انسحب خلال المعارك بحسب مصادر أهلية نحو مائة مقاتل من «الأكناف» إلى بلدتي يلدا وببيلا، أماكن وجود «الجيش الحر»، بينما انضم نحو 70 آخرين إلى الفصائل الفلسطينية المقاتلة إلى جانب النظام، على حين تمت تصفية من تبقى على أيدي «داعش» و«النصرة».
وبذلك بات تنظيم داعش، إضافة إلى سيطرته على كامل مدينة الحجر الأسود، يتقاسم مع «النصرة» السيطرة على اليرموك، بينما تسيطر الفصائل الفلسطينية المقاتلة مع النظام على المنطقة الشمالية من المخيم وتقدر مساحتها بـ30 في المائة من مساحته وتمتد من ساحة الريجة حتى مدخل المخيم الشمالي المقابل لمنطقة الزاهرة.
وعلى حين غرة شن «داعش» أبريل العام الماضي هجوما عنيفا على «النصرة» في أماكن وجودها في اليرموك، وسيطر على نحو 80 في المائة من المساحة التي كان يتقاسم السيطرة عليها معها، وحشرها في مساحة صغيرة بوسط المخيم تمتد من جامع الوسيم جنوباً حتى ساحة الريجة شمالاً، وسط إجراءات مشددة للغاية منع من خلالها إدخال أي مواد غذائية إلى الأهالي في تلك المنطقة، وسط تقديرات تشير إلى أن عدد عناصر «النصرة» لا يتجاوز أكثر من 180 مقاتلا ومع أفراد عوائلهم نحو 800. وأن أكثر من نصفهم من أنباء اليرموك، بينما الآخرون كانوا قدموا من مناطق مجاورة، علما بأنه خرج أكثر من 40 جريجا من أصل 180 إلى شمال البلاد في إطار تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق «البلدات الأربع» على أن يخرج المسلحون في دفعات لاحقة قريبا.
ومع سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، تراجع عدد المدنيين القاطنين في اليرموك بنسبة 75 في المائة، حيث نزح الغالبية إلى بلدات يلدا ببيلا بيت سحم، وقالت مصادر أهلية لـ«الشرق الأوسط» إن عدد عناصر «داعش» في الحجر الأسود واليرموك وحيي العسالي والتضامن لم يتجاوز ألفي عنصر.
وإذ يبدي مراقبون استغرابهم من استمرار نشاط «داعش» جنوب دمشق في ظل الحصار المفروض عليه من قبل النظام، أفادت مصادر أهلية تخرج بين الحين والآخر إلى مناطق سيطرة النظام بأن مستوى معيشة عناصر التنظيم وعوائلهم ليس أفضل بكثير من بقية الأهالي في تلك الأحياء، وإنما أفضل من مستوى معيشة الأهالي القاطنين في مناطق سيطرة النظام، علما بأن علاقة التنظيم متوترة للغاية مع الفصائل التي تسيطر على بلدتي يلدا وببيلا المجاورتين لليرموك والحجر الأسود من الجهة الجنوبية الشرقية والتي وقعت منذ زمن بعيد اتفاق «مصالحة» مع النظام وبموجب ذلك بات الأخير يدخل إليها قوافل مساعدات إنسانية.
* وقف القصف بعد سيطرة «داعش»
وأشارت المصادر إلى أن التفسير الوحيد للوضع، أن «الجهة الشمالية التي يسيطر عليها النظام هي مصدر إمداد التنظيم». وتشكك بما يتم الحديث عنه في الأوساط العامة حول العداء بين تنظيم داعش والنظام بقولها: «منذ سيطرة (داعش) قبل نحو عام على اليرموك لم يستهدف مناطق سيطرة النظام القريبة (الميدان، القاعة، الزاهرة) ولا بقذيفة واحدة وركز كل جهده على تصفية (النصرة) التي شكلت وعلى الدوام العثرة الكبيرة أمام أي محاولة لإبرام اتفاق تسوية مع النظام في المنطقة». وأضافت: «أيضا قبل ذلك أسهم (داعش) وبشكل كبير بإنهاء وجود أكناف بيت المقدس في اليرموك وهو فصيل كان يرفض بشكل مطلق التسوية مع النظام».
مصادر عليمة بتفاصيل ملف أحياء دمشق الجنوبية، أبلغت «الشرق الأوسط»، أن «كل ما جرى من تصفيات للمجموعات المقاتلة الرافضة للتسوية جاء على يد (داعش)، ولمصلحة النظام». وزادت: «اليوم يعلن (داعش) أنه يريد أن يغادر المنطقة والنظام وأعوانه يتحدثون عن أن قسما كبيرا من عناصره يريد تسوية وضعه بعد أن ألغوا بيعتهم للبغدادي» في إشارة إلى أبو بكر البغدادي زعيم «داعش». وأشارت المصادر إلى أن «كل ذلك يأتي بعد ما أشيع في أواخر عام 2015 عن تعثر تنفيذ اتفاق إخراج نحو أربعة آلاف من عناصر (داعش) و(النصرة) من المنطقة الجنوبية بعد اغتيال قائد (جيش الإسلام) زهران علوش»، موضحة أن تنفيذ الاتفاق حينها لم يتعثر بل تم تنفيذه، لكنه لم يكن ينص على إخراج أربعة آلاف وإنما إخراج «الدواعش» الأجانب وهذا ما تم بالفعل حينها ولم يبق في الحجر الأسود سوى «الدواعش» المحليين الذي هم في الأساس «عملاء جندهم النظام» لصالحه من أمثال قائد «لواء الحجر الأسود» بيان مزعل الذي سلم الكثير من مناطق ريف دمشق الجنوبي للنظام في عام 2013 مثل «السبينة» و«البويضة» و«حجيرة» و«الذيابية». وتختم المصادر بالقول: «ما سيجري وقريبا هو عملية تسليم المنطقة للنظام من قبل عملاء».
وكانت «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا» أفادت في تقرير لها بمقتل 3 آلاف و506 لاجئين فلسطينيين في سوريا، بينهم 462 امرأة، جراء الحرب الدائرة منذ عام 2011. كما يتحدث نشطاء عن هجرة ما يقارب المائة لاجئ فلسطيني من سوريا إلى دول أوروبية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.