يراهن مسلسل «لأعلى سعر» الذي تلعب بطولته نيللي كريم وزينة وأحمد فهمي، وكتبه مدحت العدل، على الخلطة السحرية التي تجمع ما بين القصة الرومانسية وصراع «الزوجة الثانية» والخيانة، وهي مواضيع تجذب الجمهور لمعرفة مصير الزوج الخائن والزوجة الثانية. يعالج المسلسل عبر قصة زواج البطلة نيللي كريم «جميلة» راقصة البالية بالطبيب «هشام» الذي يلعب دوره أحمد فهمي، كثيرا من المشكلات والتناقضات والسلبيات التي يعاني منها المجتمع المصري تحديدا والمجتمع العربي عامة، منها: مشاكل الطلاق، وحقوق الزوجة، والتفكك الأسري، والزوجة الثانية، عالم البيزنس وصراعاته، التدين السطحي، غياب المبادئ والقيم، ويربطها جميعا في نسيج درامي متين، تتصارع فيه الشخصيات في خط متصاعد.
في البداية، يضعنا «تتر» المسلسل «الناس العزاز» الذي تغنيه المطربة الكبيرة نوال الزغبي، بكلمات مدحت العدل وألحان عمرو مصطفى في الحالة الدرامية للعمل.
تخرج بهذا العمل نيللي كريم من دائرة الدراما «السوداوية» قليلاً بعد أن قدمت لعدة سنوات أدوارا مركبة لشخصيات تمر بظروف قاسية في «سجن النسا»، و«ذات»، و«تحت السيطرة»، و«سقوط حر»، وتقدم هذا العام دور الزوجة التي تضحي بعملها وفنها كراقصة بالية شهيرة من أجل زوجها الذي أحبته وتقف إلى جانبه وتسانده حتى يصبح صاحب مستشفى كبير، بينما هي تهتم بابنتها «عائشة» وتنسى نفسها وتهمل مظهرها وتتجه إلى ارتداء النقاب. تنتمي لأسرة من الطبقة المتوسطة كانت تعيش مع والدتها «اعتماد» التي تلعب دورها الفنانة «سلوى محمد علي» التي انفصلت عن والدها «مخلوف» الفنان القدير «نبيل الحلفاوي». الأب ملحن وفنان مخلص للفن الأصيل، وهو عازف لآلة القانون، (هنا راعى المؤلف اختيار آلة القانون لتكون لها دلالة على تمسك شخصية الوالد بكل ما هو تراثي وأصيل). يعيش والدها في «عوامة» (بيت خشبي) على النيل، يقتات من بيع ألحانه للمطربات المبتدئات، وتقوم «جميلة» أو نيللي كريم بزيارته من آن لآخر للاطمئنان عليه بينما شقيقاها عاقان له يكنان له كرها شديدا زرعته فيهما والدتهما. ينجح السيناريو في جذب المشاهد لخلفية كل شخصية عبر بعض العبارات التي تشير إلى أن انفصال الأب والأم جاء كونه لا يتمتع بالطموح ويعيش على الحنين للماضي في عالمه الخاص كمبدع، وذلك يجعله يتدنى في مستواه الطبقي ولا يحقق لأسرته الرخاء المادي.
بالطبع الفنان القدير نبيل الحلفاوي يلعب الدور باحترافية شديدة فهو ممسك تماما بتفاصيل الشخصية ويعبر عن انفعالاتها بعينيه وحركاته، وتباريه في الأداء الفنانة نيللي كريم التي أيضا تتمكن من شخصية «جميلة» الزوجة التي يتخلى عنها زوجها وصديقتها وأسرتها في مقابل المصلحة المادية.
في بداية الحلقات كان هناك بعض الإطالة في مشاهد كان يمكن اختصارها حول العلاقات بين أفراد عائلة من حيث «جميلة» وبين شقيقها وزوجة شقيقها «سارة سلامة»، خاصة أن المخرج استعان في بعض الحلقات بتقنية «الفلاش باك» لكشف المكائد التي كانت تدبرها «ليلى» الصديقة التي تبدو مقربة منها، التي تلعب دورها باقتدار الفنانة «زينة». الصديقة تبدو من الخارج رقيقة وتحب صديقتها وتفعل كل شيء لصالحها بينما هي تضمر لها الشر وتقتلها الغيرة مما حققته من نجاح. ورغم أنها تنتمي لأسرة أرستقراطية فهي ابنة لسفير مصر في إيطاليا لكن يعز عليها النجاح الذي حققته صديقتها على المستوى العملي والعاطفي، فقد كانت «جميلة» الباليرينا الأولى في الأوبرا، بينما هي فشلت وسافرت إلى إيطاليا ثم عادت لتصبح مخرجة للعروض الفنية. ومن الناحية العاطفية فقد فشلت في زيجاتها المتعددة التي تقوم على المصلحة المادية.
سارت الحلقات من الثالثة وحتى التاسعة بتطور درامي يعكس التدهور الذي وصلت إليه الباليرينا والتقدم الذي يحققه الطبيب «هشام» الذي يلعب دوره المطرب أحمد فهمي، الذي يسير بخطوات هادئة في مسيرته الفنية عبر الشاشة الصغيرة، وإن كانت قوة انفعالات الفنانة نيللي كريم وأيضا قوة الحوار الخاص بشخصية «ليلى» التي تجسدها زينة تجعل أداء شخصية «هشام» باهتا أمام الشخصيتين، ربما تكون هي إرادة المخرج محمد العدل أن تكون شخصية «هشام» شخصية منقادة ليس لها تأثير على من حولها، لكن لو كانت ردود أفعال «هشام» على غضب زوجته الأولى منه وصفعه في مشهد متميز وكانت موازية لها في القوة؛ لكان السياق الدرامي أقوى وأكثر إثارة.
الجمهور منذ الحلقة العاشرة يتابع بشغف المكائد التي تدبرها كل من الزوجة الأولى والثانية بينما يبدو دور «هشام» غير فاعل في الأحداث، وتبدو شخصيته غامضة قليلا للجمهور؛ فلم يكشف السيناريو عن خلفياتها التربوية أو النفسية إلا أنها تبدو متناقضة فهو يريد الزوجة الناجحة المشهورة لكنه في الوقت نفسه لا يريدها أن تستكمل نجاحها بل يريدها ربة منزل. وحينما ينجح في تحويلها لـ«ربة منزل» يذهب ليبحث عن أخرى مناقضة لها تماما، بل ويحاول طعنها بأخواتها وتدمير كل ما بينهما من حب ويرفض تطليقها إمعانا في ذلها، وهي قصة واقعية تعاني منها آلاف السيدات المصريات مع اختلاف تفاصيلها.
بشكل عام، نجح المسلسل حتى الآن في معالجة قضية شائكة تمس ملايين الأسر المصرية التي تعاني من التفكك ومشاكل الطلاق والزواج الثاني، والخلل القيمي في تقدير دور المرأة من جانب الزوج وتجريدها من كل حقوقها، بعد أن أفنت حياتها من أجل تأسيس الأسرة والوقوف وراء الزوج ونجاحه. وهو الأمر الذي يشهد المجتمع المصري جدلا حوله بعد أن قدمت الداعية الشهيرة د. آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية والعميدة السابقة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، عن اعتزامها مشروع قانون للبرلمان المصري ينص على اقتسام ثروة الزوجين بينهما إذا ما حدث الطلاق. وهو أيضا ما يسعى إليه المجلس القومي للمرأة، فمصر أصبحت حسب تقرير حديث لمركز معلومات مجلس الوزراء المصري تحتل المرتبة الأولى عالمياً، بعد ارتفاع نسب الطلاق فيها من 7 في المائة إلى 40 في المائة خلال الخمسين عاماً الأخيرة.
من المتوقع خلال الحلقات المقبلة تصاعد أحداث المسلسل لتصبح أكثر سخونة بعد أن رفعت الزوجة الأولى نيللي كريم دعوى الخلع وإشعالها الحرب بينها وبين الزوجة الثانية.
«لأعلى سعر»... دراما واقعية تعري العلاقات الأسرية في المجتمع المصري
يعالج صراع الزوجة الثانية ومشاكل الطلاق والتدين الظاهري
«لأعلى سعر»... دراما واقعية تعري العلاقات الأسرية في المجتمع المصري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة