قبل دخولك قاعة العروض في أي مهرجان هناك دائماً صف الانتظار. في تورنتو صفوف طويلة تمتد من مدخل الصالة إلى الشوارع الرئيسية أو الفرعية حسب موقع الصالة. في برلين، الصف داخل القصر رأفة بالعباد في ذلك الطقس البارد خلال فترة المهرجان.
في فينيسيا، تقف الطوابير في زقاقين طويلين يحيطان بأحد الصالات، أو داخل الكازينو الذي يتحول إلى قصر مهرجانات خلال الفترة. أما في «كان»، فهناك الشارع العام.
القادمون لمشاهدة أفلام المسابقة في صالة «ديبوسي» المخصصة للعروض الصحافية في المسابقة وقسم «نظرة ما» يسبقها درج طويل يبدأ من الرصيف ويبلغ ما يوازي، في مقاييس العمارة، الطابق الثاني. عريض. له سجادته الحمراء الخاصة، إذ تصعد عليه وتصل إلى البوابة الداخلية، هناك من يفحصك وما تحمله أمنياً، ثم تدخل الصالة ذاتها باحثاً عن مكانك المفضل. حال تختار مكانك المفضل فسوف تحاول الحفاظ عليه والعودة إليه في كل مرّة.
مدد الانتظار لدى بوابات الصالات في المهرجانات المختلفة تمتد من عشر دقائق إلى نصف ساعة. في «كان» يتجاوز نصف الساعة. يوم السبت، أول من أمس، تجاوز الساعتين.
ساعتان من الوقوف تحت شمس العصر التي تقلي وتشوي وأنت في مكانك. إذا تحركت قل وداعاً للمقعد الذي تحب أن تشغله. إن تحركت كثيراً، قل وداعاً ربما للصالة بأسرها لأن الحشود بالمئات.
هذا كان الوضع عليه في الساعة السادسة والنصف عندما اتخذت مكان الوقوف المعتاد عند البوابة الفاصلة. كان هناك نفر قليل وفيلم في البال هو «المهيب» لميشيل أزانفسيوس الذي يدور، على نحو أو آخر، حول سنوات الحب في حياة جان - لوك غودار. أزانفيسيس كان نال الأوسكار عن إخراجه «الفنان» قبل عدة أعوام ومن بعدها تراجع في قدراته ومكانته إلى أن كاد يتوارى كما بطل فيلمه ذاك. الآن لديه هذه الفرصة ليترك بصمة مهمّة في فيلم فرنسي بالكامل في مسابقة كثير من أفلامها فرنسية كاملاً أو جزئياً.
مر الوقت في أحاديث متنوعة بين هذا الناقد وزملاء أجانب له. واحد من الأرجنتين. آخر من بولندا. ثالث من كندا، واثنان لا أعرف من أين. نظرت إلى الساعة، فإذا بالزمن المعلن لبدء الفيلم (السابعة والنصف فرنسياً) لم يبقَ منه سوى ثلث ساعة، ونحن ما زلنا ننتظر كما لو أننا لاجئين عند باب الأونروا. كان هناك شيء خطأ لا نستطيع أن نعرفه ونحن على بعد أكثر من ثلاثين متراً من المدخل المغلق. أحدهم علّق قائلاً: «ربما احتج غودار على وجود فيلم عنه ويعقدون الآن اجتماعاً للبت في القضية». آخر قال: «هناك اجتماع سري»، وثالث توقع أن يكون العرض السابق (إعادة عرض لفيلم كلينت إيستوود «غير المسامَح») قد بدأ متأخراً ما نتج عنه التأخير.
في هذه الأثناء كان بلغ عدد المحتشدين من ثلاث جهات (تبعاً للتقسيم اللوني لبطاقات الدخول) أكثر من 800 شخص. وبدأ البعض بالصفير وإطلاق الأصوات. تم فتح باب المدخل العريض عند تلك الصالة وهبط الموظفون في سرعة. لم يكن هبوطهم منظماً كالعادة، وكان بعض النساء العاملات ينظرن خلفهن كما لو كن مهددات. بعد قليل بدا أن رجال الأمن يديرون عملاً ما. ونظرت إلى الملحقة الصحافية كرستين آميه التي اقتربت من حيث نقف بوجه منقبض. سألتها: «ما الحكاية؟ لماذا هذا التأخير؟»، قالت لي على مسمع من الواقفين قربي: «في البداية كان هناك فيلم إيستوود. بعده وجد الأمن حقيبة متروكة داخل الصالة ويُعتَقَد أنها قنبلة».
أخذ رئيس الأمن الخاص في قصر المهرجانات يعلن أسماء الموظفين والموظفات. وما إن انتهى حتى تحدث في سماعته ثم توجه إلى المحتشدين وصرخ بهم: «ابتعدوا… أخلوا المكان». تدافعت الموظفات نزولاً إلى حيث نقف، واستدرتُ بدوري - وسواي - لننفذ الأمر الصادر. الآن أصبحت أنا في مؤخرة الحشد بدلاً من أكون في مقدمته، لكن بينما كنت أصرخ بالمحتشدين عدم التدافع (شاهدتُ ما يكفي من أفلام الكوارث) كان هناك من يصرخ مسبباً التدافع: «هناك قنبلة…»، ثم بصوت أعلى «قنبلة».
وقفت بعيداً أرقب. لم يغادر كل الحشود المكان بل تراجعوا إلى حيث أقف. بعد نحو ربع ساعة عادوا فملأوا الرصيف والساحة القريبة وأصبحت أنا في الخلف. لا يهم لننتظر نتيجة ما يدور. هنا تقدم الموظفون من جديد وفتحوا البوّابة إيذاناً بأن الكلاب ثم البشر لم يجدوا في الحقيبة المتروكة أي خطر.
حين دخلتُ الصالة لم أجد مكاني المعتاد. جلس عليه من يبدو كما لو كان من أبطال المصارعة الحرة الذي امتهن النقد كبديل.
7:57 دقيقة
مغامرة في رحاب الدورة السبعين
https://aawsat.com/home/article/932496/%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86
مغامرة في رحاب الدورة السبعين
مغامرة في رحاب الدورة السبعين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة