فاجأ شفيق صرصار الساحة السياسية في تونس بإعلان استقالته من رئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (هيئة منتخبة تشرف على مختلف المحطات الانتخابية)، وذلك قبل نحو ثمانية أشهر من موعد الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 17 من ديسمبر (كانون الأول)، كما قدم عضوان من الهيئة نفسها استقالتهما، وهما مراد بن مولى ولمياء الزرقوني.
وقال صرصار في مؤتمر صحافي عقده أمس بأحد مقرات الهيئة وسط العاصمة بتأثر شديد إنه «اضطر للاستقالة بعد أن تأكد من أن الخلاف داخل مجلس الهيئة أصبح يمسّ القيم والمبادئ التي تأسست عليها الديمقراطية» مبرزا «أن الاستقالة سيتم تقديمها لاحقا وفق الإجراءات القانونية اللازمة».
ودعا صرصار البرلمان إلى تعويض الأعضاء المستقيلين من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في أقرب الآجال، وقبل العطلة البرلمانية، مؤكدا أن الأعضاء المستقيلين سوف يواصلون العمل على تأمين المسار الانتخابي إلى حين تعويضهم داخل الهيئة، على حد تعبيره.
وذكرت مصادر مقربة من هيئة الانتخابات أن أسباب الاستقالة تتمثل في مجموعة من الصعوبات، التي تواجهها الهيئة استعدادا للانتخابات البلدية، إضافة لوجود خلافات داخل مجلس الهيئة نفسها.
وتأتي هذه الاستقالة في وقت تواجه فيه حكومة يوسف الشاهد ضغوطا هائلة من الأحزاب المعارضة التي تطالبها بالاستقالة، وأيضا قبل يوم واحد من خطاب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وامتناع المعارضة عن حضوره.
ووسط هذه الأجواء المشحونة عبر أكثر من طرف سياسي وحقوقي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن إمكانية وجود خلاف عميق بين هيئة الانتخابات والبرلمان تسبب في تقديم هذه الاستقالات. وفي هذا السياق قال كمال مرجان رئيس حزب المبادرة الدستورية (غير ممثل في الحكومة) إن قرار الاستقالة «فاجأ الجميع لأنه لم يكن مـتوقعا، وهو يعد خسارة حقيقية بالنسبة للمشهد السياسي التونسي»، وتوقع أن تؤثر هذه الاستقالة على الانتخابات البلدية المقبلة، وأن تدفع إلى تأجيل موعدها إلى حين التوصل إلى توافق حول شخصية أخرى لرئاسة الهيئة.
ولم يستبعد مرجان وجود ضغوطات وتأثيرات مورست ضد رئيس الهيئة الانتخابية، ما دفع به إلى الاستقالة.
ومن جانبه، اعتبر خليل الزاوية، وزير الشؤون الاجتماعية السابق، استقالة صرصار من منصبه مؤشرا سلبيا بالنسبة لتونس، معتبرا الخبر شكل صاعقة على جميع متابعي الشأن السياسي في البلاد.
من جهته، قال سامي الطاهري المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) إن هذه الاستقالة سيكون من تأثيراتها المباشرة تعطيل المسار الانتخابي وخلط الأوراق من جديد.
وبشأن تأثير هذه الاستقالة على المسار الانتخابي، قالت سلسبيل القليب أستاذة القانون الدستوري إن مختلف الآجال السياسية المحددة، ومن بينها موعد الانتخابات البلدية، أصبحت تعتبر معلقة، ولذلك فإنه من الضروري أن يبوح صرصار بالأسباب الحقيقية التي دفعته إلى الاستقالة، واستبعدت عودة المياه إلى مجاريها، خاصة بعد أن اهتزت ثقة التونسيين في هيئة الانتخابات بسبب الغموض الذي رافق الاستقالة. وأشارت في المقابل إلى أن عملية انتخاب أعضاء جدد في الهيئة تتطلب نحو شهرين على الأقل لحسم الجدل الذي سيخلفه انتخاب رئيس هيئة جديد يحظى بثقة مختلف الأحزاب السياسية.
على صعيد متصل، أعلن نبيل بفون عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن الهيئة مستعدة وقادرة على إجراء استفتاء شعبي بشأن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، الذي يتواصل الجدل بشأنه في الأوساط السياسية والحقوقية، في حال ما تم تكليفها بذلك رسميا من قبل مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بعد موافقة رئيسي الجمهورية والحكومة.
ولم يطرح في السابق مقترح الاستفتاء الشعبي حول قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي تقدم به الرئيس التونسي إلى البرلمان منذ شهر يوليو (تموز) 2015، وقوبلت دعوة بفون بصمت رسمي من قبل رئاستي الجمهورية والحكومة الداعمتين للمقترح الرئاسي.
من جهة ثانية، قالت وسائل إعلام محلية وشركات مساء أول من أمس، إن احتجاجات على نقص الوظائف والتنمية في جنوب تونس تسببت في توقف الإنتاج، أو إغلاق حقول لشركتين أجنبيتين للطاقة، فيما يمثل تحديا جديدا لرئيس الوزراء يوسف الشاهد، خاصة أن هذه الاحتجاجات تأتي في وقت حساس تحاول فيه الحكومة تنفيذ إصلاحات صعبة في إطار برنامج للتقشف.
وقالت وزيرة الطاقة التونسية هالة شيخ روحو للصحافيين إن الاحتجاجات أوقفت الإنتاج في حقلي باقل وطرفة لشركة بيرنكو للطاقة، وهما وفقا للموقع الإلكتروني للشركة مشروعان مشتركان للغاز والمكثفات.
وفي حين امتنع المتحدث باسم «بيرنكو» عن التعقيب، قال متحدث باسم شركة «سيرينوس إنرجي» التي يوجد مقرها في كندا إن حقلها «شوش السيدة» في جنوب تونس مغلق منذ الثامن والعشرين من فبراير (شباط) بسبب اضطرابات عمالية واجتماعية. وتركزت الاحتجاجات في ولاية تطاوين بجنوب البلاد حيث توجد عمليات الغاز الرئيسية لشركتي إيني الإيطالية و(أو إم في) النمساوية، لكنها بدأت تظهر أيضا في ولاية قبلي.
ومنذ بضعة أسابيع تعتصم مجموعة من المتظاهرين في خيام في الصحراء بولاية تطاوين، مهددين بإغلاق الطرق التي تستخدمها شركات النفط والغاز، ما لم يحصلوا على مزيد من الوظائف، ونصيب من ثروة البلاد من الطاقة. وقالت شركة (أو إم في) الأسبوع الماضي إنها قامت بتسريح نحو 700 عامل ومتعاقد غير أساسي من عملياتها في جنوب تونس كإجراء احترازي. لكنها أضافت أن الإنتاج لم يتأثر. فيما قالت شركة «إيني» الإيطالية إن الاحتجاجات لم تؤثر على إنتاجها في تونس، لكنها تراقب الموقف.
وقالت الوزيرة هالة شيخ خلال مؤتمر أمس إن إجمالي إنتاج البلاد من النفط هبط إلى 44 ألف برميل يوميا، من مائة ألف برميل يوميا في 2010. وذلك بسبب استمرار الاحتجاجات وضعف الاستثمارات، موضحة أن الإيرادات النفطية هبطت من ثلاثة مليارات دينار تونسي (1.24 مليار دولار) في 2010 إلى مليار دينار (413.96 مليون دولار) في 2016.
استقالة رئيس هيئة الانتخابات في تونس تربك المشهد السياسي
احتجاجات تطاوين تتسبب بإغلاق حقول شركتين أجنبيتين للطاقة
استقالة رئيس هيئة الانتخابات في تونس تربك المشهد السياسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة