حماس تتجه للتخلي عن حكم غزة.. وتستلهم تجربة حزب الله في لبنان

الحركة تسعى لأن تكون شريكا سياسيا معترفا به ومقبولا إقليميا ودوليا

إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة المقالة يطالع صحيفة «القدس»، المقربة من السلطة والتي عاودت الصدور في غزة، أمس، لأول مرة منذ حجبها في القطاع عام 2007 (رويترز)
إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة المقالة يطالع صحيفة «القدس»، المقربة من السلطة والتي عاودت الصدور في غزة، أمس، لأول مرة منذ حجبها في القطاع عام 2007 (رويترز)
TT

حماس تتجه للتخلي عن حكم غزة.. وتستلهم تجربة حزب الله في لبنان

إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة المقالة يطالع صحيفة «القدس»، المقربة من السلطة والتي عاودت الصدور في غزة، أمس، لأول مرة منذ حجبها في القطاع عام 2007 (رويترز)
إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة المقالة يطالع صحيفة «القدس»، المقربة من السلطة والتي عاودت الصدور في غزة، أمس، لأول مرة منذ حجبها في القطاع عام 2007 (رويترز)

تتجه حركة حماس الفلسطينية بـ«براغماتية» للتخلي عن حكمها لقطاع غزة في سبيل شراكة فاعلة في النظام السياسي الفلسطيني تمهيدا لقبولها دوليا إثر سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر ومع استمرار إغلاق معبر رفح والحصار الإسرائيلي على القطاع.
وقال أحمد يوسف، القيادي في حماس، إن الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ منتصف 2007، «أجرت مراجعات للمواقف السياسية إثر التضييق والتطورات الإقليمية، وكانت هناك داخل الحركة إشارات واضحة بضرورة الخروج من الحكومة في غزة، وقد شجعت تجربة الحركة الإسلامية في تونس على اتخاذ خطوات جريئة».
وأضاف أن حماس «أصبحت الآن معنية جدا باتخاذ خطوات إلى الوراء لتتقدم في الشراكة السياسية»، مؤكدا في الوقت نفسه أن الحركة ليست لديها «أية مخاوف، فحماس لديها إمكانات القوة على الأرض بما فيها الأمنية والعسكرية ويمكنها الحفاظ على شرعيتها وقدرتها حتى في تحديد الرئيس المقبل وأعضاء البرلمان، مستفيدة من تجربة حزب الله بلبنان»، حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
وإثر اتفاق المصالحة في 23 أبريل (نيسان)، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، خلال لقائهما الاثنين الماضي، بالدوحة رغبتهما في فتح صفحة جديدة قائمة على «الشراكة الوطنية»، وفق حماس.
وخلافا لاتفاقات المصالحة السابقة، لم تعلن حماس عن تحفظها على تشكيلة حكومة المستقلين الانتقالية التي نص عليها الاتفاق ولا على إعلان عباس مواصلة سياسته. ووزعت صحيفة «القدس»، المقربة من السلطة الفلسطينية، والصادرة بالضفة الغربية والقدس الشرقية، في غزة، أمس، بعد حجبها عمليا منذ 2007.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب إن «جملة تراجعات الإخوان المسلمين في المنطقة، ومصر خصوصا، ساعد القادة الوسطيين بحماس مثل مشعل و(موسى) أبو مرزوق و(إسماعيل) هنية على دفع التيار المتشدد في الحركة إلى الموافقة على إحياء المصالحة، مما سيساعد في خطوات براغماتية أكبر». وأوضح أن «المراجعة الشاملة داخل الحركة أثبتت أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في نهجها وسياستها المتشددة، في ظل متغيرات متسارعة وهائلة. هذه المراجعة أكثر ميلا لتسليم الأمور لمنظمة التحرير والسلطة لتكون حماس شريكا سياسيا معترفا به ومقبولا إقليميا ودوليا دون أن تسجل على نفسها أي تراجعات سياسية مثل الاعتراف بدولة إسرائيل».
وحول هذه المسألة تحديدا، أكد موسى أبو مرزوق، نائب رئيس حماس، أن «لا مجال للاعتراف بالكيان الصهيوني»، مشددا على أن حماس «ستستمر في رفض شروط اللجنة الرباعية الدولية، وحكومة التوافق الوطني ليس لها برنامج سياسي».
بدوره، عد وليد المدلل، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، مضي حركة المقاومة الإسلامية نحو المصالحة «يقدم حماس على أنها حركة براغماتية وليست مدججة بالآيديولوجيا، وهذا سيفتح لها آفاقا واسعة».
وأشار إلى أن «حماس لم تجد جدوى من اشتراط رفض العملية السياسية والمفاوضات، فالبعض في حماس يقول لا تصدعوا رؤوسكم بالعملية السياسية لأن إسرائيل لن تقدم شيئا مما يعني أن الفشل محسوم، وعدم التشدد في تزامن الانتخابات التشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير في ظل تعقيدات الوضع الإقليمي».
من ناحيته، رأى ناجي شراب، أستاذ الفكر السياسي بجامعة الأزهر، أن «سقوط (الإخوان) في مصر وتداعياته على غزة بإغلاق الأنفاق والمعبر وصعوبة الوضع المالي لحماس - دفع حماس للبحث عن مخرج فتقدمت الحركة للمصالحة كخيار أفضل لتصبح مقبولة دوليا».
وأضاف أن حماس «تملك رؤية سياسية أكثر عمقا وأقرب للبراغماتية السياسية تمكنها من التعامل بمرونة مع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية دون تحمل تبعاتها».
بينما عد المدلل «حماس أدركت أنه لا يمكن الجمع بين كونها حركة تحرر ومقاومة والسياسة، وهذا ما أكدته التغيرات الإقليمية».
كذلك، عد يوسف تجربة الحكم في غزة «أثبتت أن الحكومة عبء وتستنزف الطاقات وتؤثر على الرصيد الشعبي لحماس»، مؤكدا أن «الخروج من الحكومة مكسب يضمن بقاء حماس بقوة في النظام السياسي المقبول دوليا».
من ناحيته، رأى مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، أن حماس «تستفيد من التجارب والأزمات بحنكة»، مضيفا: «يبدو أن الصوت القوي في حماس بات مع المصالحة وتحقيق شراكة في النظام السياسي الفلسطيني ومنظمة التحرير».
وتسعى الحركة التي تسيطر على قطاع غزة لمد جسور صداقة وعلاقة تعاون مع أوروبا والغرب، وفق يوسف الذي أكد أن حركته هي «حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية، تتمتع ببراغماتية ومرونة سياسية، وتقدم حسابات الوطن على التنظيم، والحركة تدرك أهمية تماسك الكل الفلسطيني لقيام دولة في سبيل نجاح المشروع الإسلامي». وأضاف أنه «عندما تسد الأبواب يتقدم العامل السياسي على الآيديولوجي، قد يتوجب إحراق الكثير من الشعارات الآيديولوجية لتكسب وتحقق الممكن سياسيا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.