من يريد مشاهدة سيارة كهربائية في شوارع المدن الألمانية، فعليه البحث طويلاً. مع أن هدف المستشارة انغيلا ميركل الذي تتمسك به وأعلنته في مايو (أيار) 2013 هو الوصول بعدد هذا النوع من السيارات في ألمانيا إلى المليون حتى عام 2020. وأكد فيليب روسلر وزير الاقتصاد يومها أن الأمر لا يحتاج إلى تشجيع، فنسبة عالية من الألمان تحب اعتماد هذا النوع لأنه صديق للبيئة، بل أنه رفض منح جوائز مالية تشجيعية لمن يريد تبديل سيارته العادية بأخرى كهربائية.
وتواصل المستشارة تمسكها بهدفها رغم تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية بشكل لا يتماشي وطموحاتها، رغم طرح المصانع لموديلات جديدة ومغرية في الأسواق وعرضها في المعارض الدولية، إلا أن حركة البيع ظلت ضعيفة جداً.
وقررت ميركل التمسك بالمشروع خلال مؤتمر دولي عام 2014، عُقد في برلين وناقش قضية السيارات الكهربائية، وأشارت هذه المرة إلى أن الأمر يتطلب التعاون الكامل من المصانع وخارج الحدود الألمانية، وتعني بذلك البلدان الصناعية الأخرى، فالهدف ليس فقط التنقل الكهربائي بل توفير وسائل نقل صديقة للبيئة.
ولم يقلل وزير النقل السابق بيتر رامساور، من أهمية المشروع وثقته به، إلا أنه وبعكس المستشارة لم يذكر الكمية التي ستنتج، بل اكتفى بالقول انه "عندما يزداد الطلب على السيارة الكهربائية يمكن رفع سقف إنتاجها". في الوقت نفسه، اعترف بأن الصعوبات التي واجهت المصانع في السنوات الماضية أكبر من المتوقع، مع تأكيده على أهمية إنتاج سيارة كهربائية تكون في متناول الجميع.
وأشار رئيس المنظمة الوطنية للنقل الكهربائي هانيغ كاغرمان إلى أن تحقيق المشروع مرتبط بعوامل مهمة عدة، منها وضعية أسعار النفط لأن ارتفاعها سيكون حافزاً على شراء السيارة الكهربائية، هذا من جانب، ومن جانب أخر أسعار الطاقة الكهربائية وكم سيكون ثمن البطارية التي تعمل بها السيارة، فالأسعار المنخفضة ستؤدي إلى خفض سعرها ورفع الطاقات الإنتاجية إلى حوالي 250 ألف سيارة سنوياً.
ومقابل هذا الموقف الرسمي، علت يومها أصوات مسؤولين تحذر من التفاؤل الكبير بإنتاج مليون سيارة كهربائية حتى عام 2020، من بينهم ديتر تساتشي رئيس شركة "دايملر بنز" الذي قال إن تحقيق اختراق للسوق من قبل السيارة الكهربائية غير ممكن خلال بضع سنوات، فالسنوات الطويلة من البحوث والاختبارات المكلفة لإنتاج سيارة المستقبل لم تصل إلى نتائج واعدة، ومؤسسات البحوث اعترفت بمحدودية القدرة العلمية على تطوير بطارية تمكن السيارة من قطع مئات الكيلومترات قبل شحنها من جديد، ولا تتجاوز القدرة الحالية 150 كلم لسيارات صغيرة الحجم.
في الوقت نفسه، تتهم شركات السيارات حكومة برلين بالاكتفاء بالتحدث عن وجوب اعتماد سيارات صديقة للبيئة، إلا أنها لم تفعل حتى الآن إلا القليل من أجل تشجيع المواطنين على شرائها، وبالأخص تأمين محطات التعبئة وورش التصليح، أي كامل البنية التحتية لها.
فمع أن الشركات أنتجت ما بين عامي 2015 و2016 طرازات عدة من السيارات الكهربائية أو ذات المحركين (بنزين وبطارية)، لكن الطلب عليها قليل جداً، ليس فقط للأسباب المذكورة بل أيضاً لأسعارها المرتفعة.
الحديث اليوم عن عزم الحكومة الاتحادية على اعتماد قانون لتأمين أفضلية ضريبية لمن يقتني سيارة كهربائية بهدف فتح شهية الألمان على التحول، شجع بعض المصانع على إنتاج وطرح عدد محدود وقليل منها في الأسواق منها سيارة "أب" لشركة "فولكس فاغن"، كما طرحت شركة "أودي" سيارة "إي ترون" بينما بدأت "دايملر بنز"، منذ مطلع عام 2014، في إنتاج سيارة "سمارت" الصغيرة ببطارية كهربائية وقررت "مرسيدس" إنتاج سيارة "إي إل إس" الكهربائية. هذا يعني أن تحقيق حلم المستشارة حتى عام 2020 ليس فقط أمراً صعباً بل ربما يكون مستحيلاً، حسب تقدير اقتصاديين كثيرين في ظل التباطؤ الشديد للمصانع وعدم الترويج لهذه السيارة بشكل يبرز للمواطن حسناتها، خصوصاً في حماية البيئة، وبالدرجة الأولى خفض أسعارها. فعدد السيارات الكهربائية المنتجة ارتفع من 7114 عام 2013 الى 25502 عام 2016 ومتوقع وصول العدد المنتج عام 2017 إلى 34 ألفاً، أي أننا مازلنا بعيدين جداً عن حلم المليون.
وتوقعت نقابة مصانع السيارات الألمانية عام 2014 إنتاج 100 ألف سيارة، ومن أجل تشجيع امتلاك سيارة كهربائية طالبت الحكومة بمنح من يشتري واحدة حافزاً مالياً قدره 5 آلاف يورو. لكن ما فائدة هذه الوعود كلها، والمستهلك ما زال لا يثق بسيارة لا يمكنه شحنها في أي مكان؟ فعدد محطات (أعمدة) الشحن لا يتجاوز 3700 في كل ألمانيا، وهي غير متواجدة في القرى والمناطق البعيدة. وإن تواجدت فإن التعبئة تحتاج إلى ساعات طويلة، فماذا سيحدث لأسرة على الطريق السريع ليلاً نفدت الطاقة من سيارتها؟ سؤال لم يجب عليه أحد.
وكطرف مبادر قررت الحكومة اعتماد مؤسساتها السيارات الصديقة للبيئة في تنقل المسؤولين، لكن عليها تخصيص 2.5 مليار يورو لهذا الغرض، ولتمويل إنشاء شبكة محطات التعبئة الكهربائية في مختلف المناطق، حتى النائية منها.
الكل يريد حماية البيئة عبر السيارات الكهربائية أو الهجينة، لكن القليلون يفكرون بمشاكل مصيرية أخرى، مثل مصير آلاف العمال الذين ينتجون السيارات التقليدية. وكيف يمكن التخلص من السيارات العاملة بالوقود بعد ذلك، خصوصاً أن أجزاء منها غير قابلة للتدوير وتهدد بإلحاق الضرر بالبيئة، ومن المتوقع بيعها للبلدان الفقيرة. أي أن ألمانيا ستنظف بيتها على حساب الآخرين.
في هذا الصدد تحدث تقرير لمارتين براغر، رئيس "الرابطة العمالية لحماية حقوق المستخدمين" في ألمانيا، عن أن اعتماد السيارة الكهربائية لن يتسبب بموجة تسريحات فقط، بل وبإفلاس مصانع وشركات تزود مصانع السيارات بقطع الغيار والإمدادات الأخرى، وهذا بدوره سيؤدي إلى إلغاء الآلاف من أماكن العمل. فالمكبس وأجزاء من المحرك الذي يعمل على الوقود أو العوادم ستصبح قطعاً غير ضرورية للسيارة الكهربائية، وهذا سيشكل تحدياً مصيرياً لشركات متوسطة وكبيرة، فكل واحدة من تسع لن تكون قادرة على التكيف مع الوضع الجديد بالسرعة الكافية، حتى ولو بدأت خطة التحول اليوم، إذ تلزمها طواقم عمل مؤهلة تقنياً، ما سيجعلها تواجه أزمة استراتيجية إنتاجية ستنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في ألمانيا. أضف إلى ذلك أن إعادة تأهيل العمال الشبان ستكلف الملايين. وتخشى شخصيات نقابية من زيادة معدل انتقال المصانع المتوسطة إلى خارج البلاد، حيث تدريب اليد العاملة وتأهيلها رخيص، بغض النظر عن تراجع نوعية الإنتاج.
إنتاج مليون سيارة كهربائية حلم ألماني مازال بعيداً
يواجه معوقات بينها ندرة العمالة المؤهلة وارتفاع تكلفة التطوير
إنتاج مليون سيارة كهربائية حلم ألماني مازال بعيداً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة