مدارس النمسا تطلق «يوم البنات» للتنوير الوظيفي

محاولة للحد من التفرقة الجنسية في سوق العمل

مدارس النمسا تطلق «يوم البنات» للتنوير الوظيفي
TT

مدارس النمسا تطلق «يوم البنات» للتنوير الوظيفي

مدارس النمسا تطلق «يوم البنات» للتنوير الوظيفي

«يوم البنات» أو «Girl›s Day»، هو يوم في السنة، تنظّمه للمرة الـ16 مدارس في النمسا بهدف تنوير وتثقيف المجتمع، وتوفير معلومات عن فرص العمل المثمرة في مجالات ومهن مختلفة، تخرج عن تلك النمطية والتقليدية التي تلتصق بالمرأة، وكأنّها مجالات العمل الوحيدة المناسبة لها.
«يوم البنات» هي فكرة مقتبسة من «يوم الفتيات» الذي بدأ تنظيمه في الولايات المتحدة منذ عام 1993، بهدف فتح الآفاق أمام المرأة وإعطائها فرصة اختيار مهن تقنية وفنية جديدة، بعيدا عن النمط الوظيفي الذي يسود غالبية دول العالم، وفقا لاختلاف الجنس بين أنثى وذكر.
وفي أواخر الشهر الماضي، احتفلت النمسا بيوم الفتيات، فنشطت المؤسسات التعليمية في تقديم برامج ودروس ومحاضرات حتى في دور الحضانة والمدارس المتوسطة والثانوية والعليا، موضحة أهمية التعليم المهني والتقني والحرفي والتأهيل والتدريب لنيل وظائف ظلت أكثر استقطابا للذكور، أو بمعنى آخر حكرا عليهم، وكأنها لا تتناسب والإناث، مثل العمل في مجال الإلكترونيات وتقنيات الري والهندسة النباتية والبستنة، وكثير من الصناعات الثقيلة كصيانة وقيادة القطارات والطيارات والصناعات المعدنية والبناء والعمارة.
في هذا السياق بادرت دور حضانة ومدارس صغرى لترتيب زيارات لمواقع عمل آباء وأقارب، ونظّمت مدارس ثانوية بمختلف الأقاليم النمساوية التسعة، زيارات ميدانية وتجريبية لمؤسسات ومعاهد وشركات معروفة، ومصانع وورش بعضها خاص وبعضها عام، شارك مدراؤها وكبار موظفيها وعمالها في استقبال ضيوفهم وتنويرهم على برامج ومقررات دراسية، كما طاف الزوار وغالبيتهم طالبات مدارس، على كثير من الورش ووقفن على أهمية العمل الحرفي ودوره المستقبلي في توسعة سوق العمل، بعيدا عن المخاصصات والفروقات الجنسية بين الذكر والأنثى، والنظرة التقليدية للقدرات الجسدية المبنية على أفكار عتيقة وبالية.
كان هناك تركيز واضح على أهمية الرغبة والقدرات، وتقييم واحترام التعليم التقني بمختلف مجالاته وفرصه وإمكانات التدريب، تحفيزا للفتيات حسب خيارات حرة، للتفكير الواسع في مختلف الدراسات والوظائف والأعمال، وفقا لقدراتهن وميولهن، وليس الانزواء باختيار وظائف تقليدية ظلت تؤطرهن، خصوصا لأولئك اللواتي لم يستطعن مواصلة التعليم الجامعي والأكاديمي، فبقين داخل قواقع ضيقة كالعمل في صالونات التجميل ومجالات أخرى كالتمريض والسكرتارية والعلاقات العامة. وهذه المجالات على الرغم من ضرورتها فإنّها ليست المجالات الوحيدة أمامهن، سيما وأنّ النمسا تضمّ أعدادا كبيرة ومهمة من معاهد التعليم التقني والفني في مختلف المجالات.
من جانب آخر شهد «يوم البنات» كثيرا من البرامج التثقيفية واللقاءات الموسعة التي جرت مع أمهات وآباء فتيات لتعزيز دور الأسرة منذ الصغر، في فتح الآفاق أمام بناتهم لطرق أبواب مختلف الوظائف، بما في ذلك، تلك الحرفية التي تعتمد على قوة الجسد كالنجارة والسباكة وأعمال الكهرباء وتركيب قطع الغيار بعيدا عن النظرة الدونية للعمل الحرفي والعمل اليدوي، وبعيدا عن الصور النمطية التي ترتبط بمهن معينة للفتيات، وتأكيداً على أهمية احترامهن للتدريب المهني تماما كتقديرهن وأسرهن والمجتمع كافة، للتعليم الأكاديمي، وذلك باعتبار أنّ المجتمعات على قدر حاجتها لطبيبات وقاضيات ومعلمات، فهي أيضاً تحتاج لخبيرات في الإلكترونيات وماهرات يعملن في تغيير قطع غيار القطارات والسيارات وشرطيات وضابطات في الجيش، وغيرها كثير من الوظائف التي لا يزال الجنس الذكوري يستحوذ عليها.
وتطبيقا للنظرية فقد نُظّمت حملة للتعرف على الأعمال التي تُعرّف وكأنّها ذكورية فقط، فاختارت حسب أرقام نشرتها إدارة التوجيه المعنوي، 3400 فتاة، زيارة مواقع تابعة للجيش هذا العام، مقارنة بزيارة 1400 خلال العام الماضي. وعلى الرغم مما نشر عن زيادة حماس الفتيات واختيارهن زيارة معسكرات وسكنات فتحت أبوابها لاستقبالهن فإنّ استنكاراً واسعاً لا يزال يلاحق حملات دعائية أطلقتها وحدات في الجيش بمناسبة «يوم البنات» تحت عنوان «مستقبل مع حمالة الصدر»، لاعتبارها تمييزا واضحا يعكس جهل العسكر وافتقاره للخبرة في فن التعامل والدعاية لاستقطاب فتيات صغيرات في العمر، من خلال دعاية أو تدخل يتعلّق بشؤونهن الخاصة ويشير لملابسهن الداخلية، ما استدعى الجيش للاعتذار والتبرير بحجة أنّ الأمر لم يكن مقصودا على هذا النحو. كما وردت إشادة بالبرامج التي أعدت لمن يرغبن في الوقوف على المهن والوظائف والفرص التي توفرها القوات المسلحة بكل وحداتها ومصالحها.
من جانبها أشادت الدكتورة ريناتا شوستر، من غرفة التجارة، بالمجهودات التي بذلت لإنجاح اليوم وأهمية استمراريته للعام المقبل، مؤكدة الحاجة لعمالة نسائية مؤهلة وماهرة، مشيرة إلى أنّ 50 في المائة من الفتيات في بعض الأقاليم ممن لم يُكملن تعليمهن الأكاديمي، يلجأن للعمل في مجال تجارة التجزئة وتصفيف الشعر، فيما كثير من المؤسسات والشركات تبحث عن عمالة فنية في مجالات كالهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية، منوهة بالمحاولات المبذولة لاجتثاث ما يوصف بـ«التنميط» الوظيفي، وفقا للنوع والجنس الذي يعوق تعزيز مشاركة المرأة في مختلف مجالات العمل، سيما في ظل ازدياد نسبة الشيخوخة في المجتمع النمساوي بمعدلات متسارعة، مما يزيد الحاجة لكل أفراد مجتمعه الشاب بمختلف أجناسه القادرة على العمل وفي مختلف المجالات.
في سياق مواز أشارت ناطقة باسم حزب الخضر، إلى حتمية الإسراع لتضييق الهوة الكبيرة بين أجور النساء والرجال في جميع الوظائف، حتى في الحلاقة وتصفيف الشعر، مما يتطلب تغييرا سريعا وجذريا في القوانين لإزالة كل أنواع التمييز الجنسي المتفاوت المتعلق بالأجر للعمل نفسه، بالإضافة إلى إزالة التشوهات التي تميّز بين الجنسين والتي تسود سوق العمل العالمية، وتهيئة ظروف متكافئة ومتوازنة، تساعد على زيادة الطلب على العمالة النسائية جنبا إلى جنب مع تعليم الفتيات وتثقيفهن وتنمية الوعي الذاتي لديهن بقدراتهن المهنية في ظل توفر الفرص التعليمية المتكافئة.
من جانب آخر، لا يزال الجدل محتدما بشأن حيادية دعوة وجهها سابستيان كورتز وزير الخارجية ووزير الاندماج عن حزب الشعب المحافظ، للطالبات، للمشاركة في فعاليات تُنظّم في كل عام في يوم العمال العالمي، يمكن تسميتها بـ«يوم التعليم السياسي»، تحفيزا للفتيات على الاهتمام بالأنشطة السياسية. ويحتدم الجدل خشية أن تكون الفعاليات التي دعا إليها كورتز، سنوية، ومجرد دعايات حزبية على الرغم من الاهتمام الواسع بأهمية زيادة دور المرأة السياسي وحتمية ترقيتها في مناصب سياسية وسيادية.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.