الاقتتال الداخلي في الغوطة الشرقية يزيد مخاوف المدنيين من التهجير

اتهام «جيش الإسلام» بالسيطرة على الفصائل... و«الجيش» يؤكد أن الهدف تصفية «النصرة»

أعمدة الدخان تتصاعد من ابنية استهدفها الطيران الحربي في حي جوبر بالغوطة الشرقية لدمشق، اول من امس (إ ف ب)
أعمدة الدخان تتصاعد من ابنية استهدفها الطيران الحربي في حي جوبر بالغوطة الشرقية لدمشق، اول من امس (إ ف ب)
TT

الاقتتال الداخلي في الغوطة الشرقية يزيد مخاوف المدنيين من التهجير

أعمدة الدخان تتصاعد من ابنية استهدفها الطيران الحربي في حي جوبر بالغوطة الشرقية لدمشق، اول من امس (إ ف ب)
أعمدة الدخان تتصاعد من ابنية استهدفها الطيران الحربي في حي جوبر بالغوطة الشرقية لدمشق، اول من امس (إ ف ب)

تصاعدت مخاوف المدنيين في الغوطة الشرقية لدمشق من أن يتسبب الاقتتال الداخلي في تمكين النظام من السيطرة على مناطق واسعة، تدفعهم في نهاية الأمر للخروج من المنطقة، وسط مساعٍ من النظام السوري لنقل المدنيين بـ«الباصات الخضراء»، كما حصل في مناطق جنوب العاصمة وشمالها.
واتخذ الاقتتال أمس منحى مغايراً بتوسعه من قتال «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً)، وهو ما عُرف بقتال المعتدلين ضد المتشددين، إلى قتال بين الفصائل المعتدلة نفسها، حيث شن تنظيم «جيش الإسلام» هجوماً واسعاً على عربين، وسيطر على مقار عائدة لتنظيم «فيلق الرحمن»، بعدما كان القتال محصوراً منذ يوم الجمعة الماضي بـ«جبهة النصرة».
وفيما تضاربت الأسباب التي تقف وراء الاقتتال بين الطرفين، قالت مصادر بارزة في الغوطة إن ما يحدث «هو صراع على النفوذ بين الفصائل»، و«محاولة من قبل (جيش الإسلام) للسيطرة على قرارها»، في وقت أكدت مصادر مقربة من «جيش الإسلام» أن المعارك تهدف إلى «إقصاء المتشددين وتفكيك (جبهة النصرة) في الغوطة وملاحقة فلولها»، نافية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن يكون الهدف «إقصاء أي من المعتدلين».
وأكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «جيش الإسلام» تمكن من التقدم في مزارع الأفتريس التي كانت خاضعة لسيطرة «فيلق الرحمن» بغوطة دمشق الشرقية، حيث تمكن مقاتلو «جيش الإسلام» من السيطرة على المقرات التابعة للفيلق المتواجدة في المنطقة، فيما تواصلت الاشتباكات بين الطرفين عند أطراف مدينة سقبا وبلدة جسرين. وأشار المرصد إلى أن الطرفين استخدما الأسلحة الثقيلة في الاقتتال العنيف المستمر في يومه الثالث على التوالي، بالتزامن مع استخدام الرشاشات الثقيلة، وجرت عمليات استهداف متبادل، ومعلومات عن وقوع مزيد من الخسائر البشرية في صفوف طرفي القتال بلغت 95 مدنياً ومقاتلاً على الأقل.
ولم تنفع المظاهرات في مدينتي سقبا وحمورية بغوطة دمشق الشرقية، وضمت نحو 5 آلاف مواطن من قاطني وأبناء الغوطة الشرقية، في إنهاء الاقتتال، رغم أنها نددت بالاقتتال الدامي بين كبرى فصائل الغوطة الشرقية. وأكدت مصادر أهلية للمرصد أن المظاهرة اتجهت نحو خطوط الاقتتال في بلدة حزة، وعند اقترابها من محاور الاشتباك، تعرضت لإطلاق نار مباشر على المظاهرة، ما تسبب بإصابة 5 متظاهرين بجراح متفاوتة الخطورة.
ويعم الاستياء سكان الغوطة، وسط مخاوف من أن يؤدي إلى ترحيلهم من بيوتهم، مع استمرار النظام في معركة السيطرة على مواقع المعارضة في القابون. وقال عضو مجلس قيادة الثورة بريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط»، إن الأهالي «باتوا يتخوفون من اقتراب الباصات الخضراء من الغوطة»، موضحاً: «المدنيون يقولون إن هذا الاقتتال هو أهم مبرر للنظام ليحضر باصاته الخضراء، بعد مقتل 20 مدنياً برصاص القنص، وانتشار جثث في الشوارع، في وقت يستمر النظام في معاركه في القابون للسيطرة عليها، وتشديد الخناق أكثر على سكان الغوطة». وقال إن المعركة المباغتة التي أطلقها «جيش الإسلام» «أربكت معارك الدفاع عن الغوطة»، لافتاً إلى أن جيش الإسلام «حشد 6 آلاف مقاتل بغرض القتال في القابون، قبل أن تتوقف الحشود في عربين وسقبا، حيث هاجمت مقرات (جبهة النصرة)، وانتشرت وفق مخطط سابق مكنها من السيطرة على مساحات واسعة في ليلة واحدة».
وتعد مدينة دوما، معقل «جيش الإسلام» في الغوطة، بينما يسيطر «فيلق الرحمن» على سقبا والقابون وجوبر، ويتشاركان في السيطرة على عدرا العمالية. ويبلغ عدد مقاتلي «جيش الإسلام» نحو 20 ألف مقاتل، بينما يقدر مقاتلو «فيلق الرحمن» بنحو 10 آلاف، ومقاتلو «النصرة» بنحو ألفين. وخسر «جيش الإسلام» نحو 16 قرية وبلدة في الغوطة خلال 3 سنوات في معارك مع النظام، بينما خسر «فيلق الرحمن» نحو 8 قرى في وقت سابق.
وعلم المرصد السوري لحقوق الإنسان من مصادر متقاطعة، أن زوجة أبو عاصم العبداني «أمير» هيئة تحرير الشام في الغوطة الشرقية، تعرضت للإصابة خلال اقتحام مقاتلي جيش الإسلام لمنزل أبو عاصم في مدينة عربين، حيث أكدت المصادر أن مقاتلي جيش الإسلام اقتحموا المنزل لمحاولة اعتقال أبو عاصم، فقامت زوجته بإطلاق النار على مقاتلي جيش الإسلام، عقبه تبادل لإطلاق النار، مما أسفر عن إصابتها بجراح بليغة.
وبدأ «جيش الإسلام» هجوماً على مواقع «النصرة» يوم الجمعة الماضي، قبل أن ينتقل أمس إلى صراع على النفوذ، استخدم فيه «جيش الإسلام» «قوة مفرطة»، لناحية استخدام المدفعية الثقيلة وطائرات الاستطلاع بحسب ما يقول ناشطون، بينما يتحدث أنصار «جيش الإسلام» عن أنها معركة بأوامر خارجية «للقضاء على التشدد في الغوطة، بموازاة الحرب على (داعش) و(النصرة) في الشمال، تسبق التوصل إلى اتفاق سياسي للأزمة السورية».
وينفي «فيلق الرحمن»، أن يكون فصيلاً متشدداً. وقال المتحدث باسمه وائل علون لـ«الشرق الأوسط»، إن «الذريعة هي (جبهة النصرة)، لكننا معتدلون وفصيل من الجيش الحر، وعلاقتنا بـ(النصرة) سيئة للغاية؛ كونهم يعتبروننا كفاراً وعلمانيين»، مضيفاً أن أفق المعركة «خطير ويصب في صالح النظام الذي يعد المستفيد الوحيد من الاقتتال». وقال إن الحاضنة الشعبية «غير قادرة على استيعاب أي اقتتال داخلي، وهم يصرون على عدم الرحيل من الغوطة»، لافتاً إلى وجود «استياء واسع من الفصائل الإسلامية التي تمارس الاعتداءات بحجج دينية».
وفي المقابل، يرى الناشط في الغوطة وائل عبد العزيز أن المعركة تهدف لـ«اجتثاث جبهة النصرة»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المعركة «قضت على وجود (النصرة) كتنظيم، بعد السيطرة على مقراته وتفكيكه، بينما تتواصل العملية لملاحقة فلوله التي لجأ جزء منها إلى مقار (فيلق الرحمن)».
وقال عبد العزيز إن المشكلة في الغوطة أن مقار التنظيمات متقاربة «مما أتاح لعناصر (النصرة) اللجوء إلى مقار (فيلق الرحمن) كون الفصيلين كانا متحالفين في معارك اندلعت العام الماضي»، نافياً في الوقت نفسه أن تكون المعركة على نفوذ أو موجهة مع «فيلق الرحمن». وقال: «يجري العمل الآن على تحييد (فيلق الرحمن) من الواجهة كي لا تحتمي به (النصرة)، وبدأت الاتصالات بين قيادات (جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن) ليلتزم الأخير بالحياد، بينما يعطي الأول تطمينات للثاني، بموازاة استمراره في استئصال (النصرة)»، لافتاً إلى أن «جيش الإسلام» «قدم وعوداً بإعادة المقرات التي سيطر عليها للفيلق».
وجاءت تلك المساعي بعد أن أصدر «فيلق الرحمن» بياناً أكد فيه أن «جيش الإسلام» اتخذ من القضاء على «هيئة تحرير الشام» ذريعة للهجوم على مقرات ومستودعات «فيلق الرحمن» والاعتداء على عناصره، كما قطَع «جيش الإسلام» الطرق وخطوط الإمداد إلى جبهات «فيلق الرحمن» في المحمدية والقابون، لافتاً إلى أن الوضع على الجبهات محرج.
وقال إن «ما يُروِج له جيش الإسلام إعلامياً عن مظاهر التآخي والمودَة والحياد ادعاءات خادعة ومضلِلة»، لافتاً إلى أن «كل ما يدعيه (جيش الإسلام) من تواصل أو إيواء لعناصر هيئة تحرير الشام عارٍ عن الصحة، وما هو إلا ذريعة لاستمرار العدوان الغادر، الذي لن يصب إلا في صالح النظام المجرم والمزيد من استنزاف الغوطة الشرقية المحاصرة»، بحسب البيان.
وأكد «فيلق الرحمن» أنه ملتزم فقط بالدفاع عن النفس، داعياً «جيش الإسلام» لـ«إيقاف عدوانه وبشكل فوري والانسحاب من جميع المقرات والنقاط التي اقتحمها وسيطر عليها، ونحن جاهزون بعدها لإعادة العلاقات كما كانت ضد نظام الأسد المجرم».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.