تغيّرت شعارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب كثيرا بين فترتي الحملة الانتخابية ودخوله المكتب البيضاوي، كما تغيرت مواقفه من زعماء دول كالرئيس الصيني شي جينبينغ ومنظمات دولية كالحلف الأطلسي، إلا أن موقفه من قضيتين اثنتين ظل ثابتا رغم المتغيرات؛ هما كبح طموحات إيران في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة تنظيم داعش الإرهابي.
* كبح إيران وتعزيز التعاون الأميركي - الخليجي
نقلت شبكة «بلومبرغ» أمس، أن ترمب تدخل مباشرة لدى وزير خارجيته ريكس تيلرسون لتشديد لهجة رسالة وجهت، الأسبوع الماضي، للكونغرس تقيّم التزام إيران بالاتفاق النووي. وقالت الشبكة، نقلا عن مصدر مطلع لم تعرّفه، إن ترمب شدد على ضرورة تذكير أعضاء الكونغرس بدور إيران في دعم الإرهاب رغم التزامها ببنود الاتفاق. ويقدّم تقييم لمدى التزام طهران بالاتفاق الذي وقعته مع دول (5+1) للمشرعين الأميركيين كل 90 يوما.
وشملت الرسالة كذلك أن الإدارة تدرس إمكانية إعادة فرض عقوبات مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
وبعد يوم من تقديم الرسالة للكونغرس، ظهر تيلرسون في وزارة الخارجية لانتقاد الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس باراك أوباما، واصفا إياه «مثالا جديدا لشراء (صمت) قوة ذات طموحات نووية. نسكتهم لفترة قصيرة، ثم يضطر شخص آخر للتعامل معها في وقت لاحق».
ويعتبر الملف النووي من القضايا الخارجية القليلة التي يتفق فيها كل من البيت الأبيض، ووزارتي الدفاع والخارجية، وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة على الخطاب نفسه. ذلك أنه في أحيان كثيرة، تصدر من وزارة تيلرسون والسفيرة نيكي هايلي والمتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر تعليقات متضاربة حول بقاء الأسد في سوريا أو اقتراب حاملة الطائرات الأميركية «كارل فينسون» من شبه الجزيرة الكورية، أو غيرها من القضايا.
واتهم الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتليوني، إيران بأنها «لا تلتزم بروح الاتفاق النووي»، محذراً طهران من أن إدارته تدرس الانسحاب من «الاتفاق السيئ».
من جهتها، لمّحت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة المستفيدة من استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، متهمة إياها، دون ذكرها بالاسم، برعاية إرهاب الدولة.
وقالت هايلي إن الصراعات المتعددة في الشرق الأوسط خلفت مئات الآلاف من القتلى والملايين من النازحين. وقد أضاف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر الحدود تعقيدا إلى شبكة مبهمة من الجماعات الإرهابية، مع تحالفات متلاحقة تهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة والعالم.
وفي إشارة مبطنة إلى دور إيران في المنطقة، أشارت السفيرة هايلي إلى أن «مجلس الأمن يتناول عدداً من الصراعات على أساس منتظم، ولكنه كثيراً ما يغفل عن التفاعل بين الصراعات، ودور بعض الأطراف الفاعلة في إثارة الصراع، والاستفادة منه في جميع أنحاء المنطقة».
وفي هذا الإطار، كان عنوان زيارة وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس إلى السعودية تعزيز التعاون بين واشنطن وحلفائها التقليديين في المنطقة، الذي خفت نجمه خلال السنوات الماضية، وتأكيد توجه واشنطن الجديد الرامي إلى التضييق على تدخل إيران في الدول العربية.
وبهذا الصدد، يرى حسين إبيش، الباحث في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، أن زيارة وزير الدفاع الأميركي الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط «كانت مكللة بنجاح كبير من وجهة نظر العلاقات الأميركية - الخليجية، ومطمئنة إلى حد كبير لقيادات دول الخليج العربي». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» «أنها عززت كذلك، وإلى حد كبير، من بعض الأهداف الرئيسية لإدارة الرئيس دونالد ترمب، بما في ذلك تطوير علاقات مالية قوية، وتقاسم الأعباء الكبيرة مع الحلفاء، والتركيز الشديد على مواجهة إيران، وجهود مكافحة الإرهاب».
وتابع إبيش أن هناك تحوّلا واضحا وكبيرا في السياسة نحو اعتماد سياسات أكثر صراحة حيال طهران على كافة الجبهات تقريبا، والاستمرار في تنفيذ بنود الاتفاق النووي بدلا من إلغائه بالكلية. «ولكن في نفس الوقت، تحديد وضعية إيران باعتبارها المصدر الرئيسي لزعزعة الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. وهذا من الأمور التي تبعث على الارتياح الكبير بالنسبة للكثير من حلفاء واشنطن في الخليج العربي».
وأضاف إبيش: «بدأنا بالفعل في الانتقال من الطموح إلى العمل الحقيقي، من حيث زيادة مستويات التعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية، وهي من العمليات المعقدة بدرجة كبيرة. وبالنسبة إلى العلاقات الأميركية - السعودية، ستستند هذه العملية على أسس استراتيجية عامة، من حيث الجمع بين المبادرات الاقتصادية وإعادة التوجيه العام للسياسات الأميركية في المنطقة لصالح الجانب العربي».
* سياسة مرتبكة في سوريا
صدم الرئيس الأميركي العالم بقراراته المتعلقة بالملف السوري، إذ غيّر معظم مواقفه التي أدلى بها سابقا خاصة منها تلك المتعلقة برفضه رد عسكري على انتهاك نظام الأسد للقوانين الدولية باستخدام السلاح الكيماوي ضد مواطنيه.
وفي عام 2013 عندما رسم أوباما «خطه الأحمر» وهدد بالرد على استخدام الأسد للكيماوي ضد مدنيين، كان ترمب من أشد المعارضين لرد عسكري على الأسد، ونصح أوباما بضرورة الحصول على موافقة الكونغرس.
ومساء الخميس 6 أبريل، أمر الرئيس الأميركي من منتجعه بكاليفورنيا باستهداف قاعدة الشعيرات التابعة للنظام السوري بـ59 صاروخ توماهوك. وسارع حلفاء واشنطن في أوروبا بدعم الهجوم، مشددين على أنها كانت عملية محدودة، لا بداية تدخل عسكري ضد نظام الأسد. ولم تكف هذه التأكيدات لتطمين موسكو، التي نددت بـ«تجاوز السيادة السورية».
وفيما أفادت تسريبات نقلتها صحيفة «واشنطن بوست» أن البنتاغون قدم خطة من ثلاثة محاور للبيت الأبيض هي هزيمة «داعش» وتحقيق الاستقرار وتنظيم المرحلة الانتقالية، لا تزال خطة إدارة ترمب لحل الأزمة السورية يسودها الكثير من الغموض.
وما يزيد من ارتباك الوضع، هو تضارب مواقف نيكي هايلي من جهة، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون من جهة أخرى.
وفي مقابلة مع قناة «سي إن إن»، مطلع الشهر الحالي، قالت هيلي إنها ترى أن تغيير النظام في سوريا هو إحدى أولويات إدارة الرئيس دونالد ترمب. وتابعت أن أولويات واشنطن هي هزيمة تنظيم «داعش»، والتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا وإزاحة الرئيس بشار الأسد.
وأضافت هيلي «لا نرى سوريا سلمية مع وجود الأسد».
في المقابل، اتخذ تيلرسون موقفا أكثر حذرا في تصريحاته لقناة «فوكس نيوز» في اليوم نفسه، مؤكدا أن هزيمة «داعش» «ستمكننا من توجيه اهتمامنا مباشرة إلى تحقيق استقرار الوضع في سوريا». ثم عاد تيلرسون لتأكيد تصريحات هيلي السابقة خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، حيث قال إن «حكم عائلة الأسد قد وصل نهايته».
من جهته، نقل سفير روسيا لدى الأمم المتحدة في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية أمس عن ترمب قوله إن مصير الأسد لا يشكل «عقبة» أمام إنهاء النزاع. وقال بيتر أيليتشيف، عقب اجتماع لترمب مع سفراء مجلس الأمن الدولي، إنه بالنسبة لترمب «بقاء (الأسد) أو رحيله ليس مهما. المهم هو العملية السياسية ووقف إراقة الدماء والأعمال القتالية (....) وعندئذ الشعب سيقرر». ولم يعلق البيت الأبيض على هذه التصريحات حتى وقت كتابة هذه السطور.
وفي إطار الخيارات المطروحة أمام إدارة ترمب، ترى دراسة أصدرها المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتهام هاوس»، أن الخيار العسكري في سوريا لن يأتي وحده بنتيجة. وأن الخلافات بين البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون تسببت في السابق في فشل السياسات الأميركية؛ في الوقت الذي اقتصر الدور الأوروبي على المجال الإنساني والمساعدات التي لم تأت بثمار في ظل تفاقم العنف.
واعتبرت الدراسة أن واشنطن تستطيع الضغط على النظام السوري باستخدام ورقة العقوبات الاقتصادية ووعود إعادة الإعمار، خاصة في فترة ما بعد انتهاء النزاع، لضمان التزامه أمنيا وسياسيا وعلى مستوى حقوق الإنسان.
* نقل السفارة الأميركية إلى القدس
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي حول نقل السفارة الأميركية للقدس وتشجيعه دولا أخرى على نقل سفاراتها، حفيظة الفلسطينيين ومخاوف من اندلاع أعمال عنف بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في حال نقلها.
وبينما رجح مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، أخيرا أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وقال إن الرئيس دونالد ترمب يدرس الأمر «بجدية»، يبدو أن بحث المسألة تأجل منذ أن تولى ترمب السلطة.
ولم يوضح ترمب موقفه من دعم حل الدولتين كأساس لاتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ردا على سؤال أحد الصحافيين: «أدرس كلا من حل الدولتين، والحل الذي ينص على وجود دولة واحدة، وسيعجبني الاتفاق الذي سيعجب كلا الطرفين» الفلسطيني والإسرائيلي. وأضاف ترمب: «أستطيع أن أعيش مع كل منهما، كنت أعتقد سابقا أن الحل يجب أن يقوم على مبدأ الدولتين، واعتبرت أنه الأسهل، لكنني سأكون سعيدا في حال سعادة إسرائيل والفلسطينيين، وأدعم الحل الذي سيعجبهم بشكل أكبر». وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة «ستشجع اتفاق سلام عظيما» بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مضيفا: «سنعمل على ذلك بشكل دؤوب جدا». وشدد ترمب، في الوقت ذاته، على أنه «على أطراف النزاع التفاوض بشكل مباشر بشأن مثل هذا الاتفاق»، مؤكدا أن «كلا الجانبين سيكون عليهما تقديم تنازلات، كما هو حال كل مفاوضات ناجحة».
وفيما يعلق الإسرائيليون آمالهم على سياسات ترمب، إلا أنه انتقد، بشيء من الخجل، سياسة الاستيطان الإسرائيلية واقترح على نتنياهو «ضبط النفس قليلا» في مجال النشاط الاستيطاني.
من جهتها، اتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بمحاولة عرقلة زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى البيت الأبيض، في الثالث من الشهر المقبل، قائلة إن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقود برنامجا إسرائيليا لتخريب فرص تحقيق السلام». وجاء ذلك في حين وصل وفد فلسطيني إلى واشنطن لترتيب الزيارة التي يفترض أن تضع اللبنة الأولى لإطلاق عملية سلام جديدة.
ويريد عباس من الرئيس الأميركي رعاية مفاوضات على أساس حل الدولتين. وكان عباس أبلغ ذلك لترمب عندما اتصل به ودعاه إلى واشنطن، وقال له إنه ملتزم بصنع السلام. ويسعى عباس لكسب ترمب وإقناعه بعدالة مطالبه، وهي إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 إلى جانب إسرائيل.
* إخفاقات «حظر السفر»
شكل تعليق القضاء الأميركي لمرسومي حظر السفر أول نكسة حقيقية لإدارة ترمب، إذ علق قاض فدرالي مرسوم حظر السفر الأول الذي أصدره في 27 يناير (كانون الثاني) لحظر دخول مواطني 7 دول ذات غالبية إسلامي، هي العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال وإيران، وتعليق دخول اللاجئين لمدة 120 يوما واللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى. وتسبب القرار في غضب مواطنين أميركيين نظموا مظاهرات قرب برج ترمب بنيويورك وتوافدوا على المطارات للمطالبة بدخول مهاجرين حصلوا على تأشيرات دخول إلى الأراضي الأميركية. وسرعان ما علق القضاء مرسوم ترمب، معتبرا أنه لا يحترم بندا دستوريا يطالب بعدم التمييز على أساس الدين أو العرق.
وعمل ترمب وإدارته على تعديل المرسوم المثير للجدل، وأصدر نسخة منقحة منه استثنت العراق «لتشديدها معايير الفحص والتدقيق في المتوجهين من أراضيها إلى الولايات المتحدة»، بحسب مسؤولين في الإدارة.
إلا أن المرسوم المخفف اعتبر من طرف قضاة فيدراليين تلاعبا على الحكم الأول ومراوغة، وعلق تنفيذه. ووعد ترمب باستئناف الأحكام القضائية لدى المحكمة العليا.
أولويات ترمب في الشرق الأوسط... كبح إيران ومكافحة «داعش»
تضارب تصريحات إدارته يربك سياسة واشنطن لوقف الحرب في سوريا
أولويات ترمب في الشرق الأوسط... كبح إيران ومكافحة «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة