لم تعد خطوط الموضة التقليدية تستقطب جيل الشباب حالياً، مهما كانت أناقتها واسم مصممها. فالإطلالة التي ترتكز على بنطلون جينز ممزّق و«تي شيرت» بنقشات متضاربة وألوان صارخة، مع حذاء رياضي، أو حذاء مستوحى من التصاميم الرجالية، هي أكثر ما يثير هذه الشريحة. وهذا ما باتت مجلات الموضة تُطلق عليه موضة «ستريت ستايل» أو (أزياء الشوارع). وإذا كانت هذه الظاهرة قد انطلقت من شوارع نيويورك وأوروبا، فإنها انتقلت سريعاً إلى العالم العربي، فليس هناك يوم يمر من دون أن يستوقفنا مظهر غريب، أو يثير إعجابنا مظهر آخر، نظراً لابتكار ألوانه، وتمازج نقشاته، بشكل لم نكن نتخيل تناغمه.
هذه الموضة عندما انطلقت، لم تكون بتشجيع من بيوت الأزياء العالمية، بقدر ما ارتكزت على أسلوب خاص من ابتكار صاحبه. ومع الوقت، بدأت هذه الظاهرة تشد الانتباه، وتكاد تتفوّق في تغطياتها الصحافية، وانتشارها في وسائل التواصل الاجتماعية، على الأساليب المنمقة والقديمة. هذه الشعبية باتت تُلهم المصممين الشباب، وهو ما بتنا نلاحظه على منصات العرض خلال أسابيع الموضة العالمية.
فبعد أن كانت الموضة تستوحي خطوطها وروحها من الموسيقى، مثل موضة موسيقى فريق «البيتلز» وديفيد بووي، ثم «الهيب هوب» وغيرها، تستلهم اليوم من هذه الابتكارات الفردية لأشخاص أصبحوا يعرفوا بالـ«إنفلوونسرز»، يحقق بعضهم أموالاً طائلة من وراء مظهرهم المبتكر هذا. وهكذا، صار الوقوف في أحد الشوارع، والتقاط صورة فوتوغرافية على طريقة الـ«سيلفي»، تعرض تناسق أزياء ابتكرها شخص عادي لم نسمع باسمه من قبل، لكننا نريد أن نقلدها بشكل ما.
تقول ريتا لمع حنكش، وهي خبيرة أزياء لبنانية، إن «أزياء الشوارع» فاقت بنجاحها تلك التي تصدّرها لنا دور الأزياء العالمية، وتضيف: «انطلاقاً منها، غاب ذلك الإطار المحدّد الذي كان يفرضه علينا مصممو الأزياء بصورة غير مباشرة، بعد أن أصبح بإمكاننا اليوم أن نتبنى أية موضة تحلو لنا، تارة بتنسيق قطعة عصرية مع أخرى قديمة من الثمانينات أو التسعينات نضعها في قالب عصري جديد، وتارة بتنسيق المتناقضات مع بعضها، مثل الـ«سبور» مع الكلاسيكي، أو الأنثوي مع الرجالي، وهكذا. المهم أن تكون جديدة مطبوعة بلمسة تمرد على المتعارف عليه، الذي تفرضه إملاءات الموضة الكلاسيكية. ولا تختلف موضة «أزياء الشوارع» في اليابان، أو في باريس ولندن، عنها في بيروت وباقي الدول العربية. فهي هنا أيضاً خليط من ذوق شخصي، يتوخى الراحة من دون أن ننسى استعراض القدرات الإبداعية من ناحية التعامل مع الموضة. وطبعاً لا بأس من إثارة الانتباه بشكل إيجابي.
تقول ريتا لمع: «إن نجمات من مثيلات سيلينا غوميز وبيونسيه وجيجي حديد، وغيرهن، ظهرن في أزياء من هذا النوع، ولاقين شهرة واسعة زادت من حجم متابعتهن على وسائل التواصل الاجتماعي. في لبنان أيضاً، نلاحظ أن شخصيات معروفة بدأت تتبنى هذه الظاهرة، لما تتيحه لهم من حرية في اختيار ما يروق لهم، ويمنحهم راحة من دون خوف من أن يتعرضوا للانتقاد». فـ«هذا أولاً وأخيراً أسلوب شخصي علينا احترامه»، حسب قولها.
وتعلق ريتا لمع بأن التمرّد لم يعد السمة الغالبة على هذه الموضة كما كان سابقاً، بل أصبحت تحمل بين طياتها أناقة لا يمكن تحديدها في إطار معيّن، خصوصاً أن البعض بدأ يستغلها بذكاء لنيل تعاقدات مع بيوت أزياء عالمية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الموضة لا تقتصر على النساء فقط، فالرجال أيضاً انضموا إليها؛ بعضهم استغلها ليغذي حبه لموضة أيام الستينات والسبعينات، وبعضهم لمزج ثقافة «الهيب هوب» بأسلوب «سافيل رو»، وهكذا. في لبنان أيضاً، تلفت هذه الظاهرة الرجالية النظر، إلى حد أن رؤية شاب يرتدي بنطلون مفصل مع قميص قطني وحذاء «كونفيرس»، أصبحت جد عادية ومقبولة إلى حد كبير. وسواء تقبل البعض هذه الظاهرة أم لا، فإن المؤكد أنها حررت الشباب من إملاءات الموضة الكلاسيكية، وخلقت مناخاً يمكن للكل أن يكون فيه مُبدعاً ما دام لا يُروج لماركة معينة.
«ستريت ستايل» تجتاح شوارع الموضة العالمية من نيويورك إلى بيروت
تعبر عن ذوق شخصي وتمرد على إملاءات الموضة بشكلها التقليدي
«ستريت ستايل» تجتاح شوارع الموضة العالمية من نيويورك إلى بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة