خلال العقدين الماضيين ازداد حجم نفوذ محطة «فوكس» الإخبارية (فوكس نيوز تشانيل) لتصبح المنتج الأكثر ربحا في إمبراطورية روبرت مردوخ الإخبارية والترفيهية في الولايات المتحدة. إلا أنه وخلال الشهور القليلة الماضية اضطر هذا القطب الإعلام الثمانيني الأسترالي الأصل إلى مواجهة تداعيات فضيحة التحرشات الجنسية التي أثبتت حاليا، وقد تثبت مستقبلا، الثمن الباهظ، التي قد يدفعه نتيجة تفشي هذه الثقافة، كما تبين خلال الأيام الماضية، من خلال اتهامات التحرش الجنسي التي تواجهها قناة «فوكس» الإخبارية، التي قد تكلفه للمرة الثانية صفقة الاستحواذ على «سكاي» كما حصل قبل 6 سنوات في فضيحة القرصنة التلفونية.
الفضيحة الجديدة التي تعصف بمؤسسة أخرى من مؤسسات مردوخ، على الجهة الغربية من الأطلسي، جاءت على خلفية فضيحة التنصت (القرصنة التلفونية) في بريطانيا التي أثارت اشمئزازا على الصعيدين الشعبي والرسمي عام 2011، وأدت إلى تحقيق عام قام به اللورد ليفيسون تناول فيه على مدى 18 شهرا أخلاقيات العمل الصحافي وعلاقتها بالسلطات التنفيذية. التحقيق بالقرصنة أجبرت مردوخ على فقدانه واحدة من أقدم الجرائد البريطانية الأسبوعية «نيوز أوف ذي وورلد»، المتهمة بممارسة القرصنة، وكانت النتيجة أن أغلقت الصحيفة أبوابها بعد أكثر من 170 سنة من النشر في صحافة الأحد الشعبية الشهيرة، وأجبرته على التخلي طواعية عن صفقة الاستحواذ على «بي سكاي بي» (بريتيش سكاي برودكاستينغ).
«نيوز كوربوريشن»، التي تملك نسبة 39 في المائة من أسهم «بي سكاي بي»، كانت تطمح في شراء النسبة الباقية من أسهم الشركة، أي 61 في المائة، لتستكمل استيلاءها على المؤسسة الإعلامية. لكن ذلك أثار مخاوف من تنامي سيطرة مردوخ على الإعلام وتأثيره على الرأي العام. وعرضت 700 جنيه إسترليني للسهم الواحد (عام 2011)؛ مما يعني أن القيمة الاسمية للشركة قد تبلغ 12 مليار دولار.
وانتقدت المؤسسات الإعلامية المنافسة في بريطانيا، («بي بي سي» وبعض الصحف مثل «الغارديان» و«الديلي تلغراف»)، آنذاك على عرض «نيوز كورب» وقالت إنها «ستعترض بقوة» على الصفقة. وأحيل عطاء الاستحواذ على «بي سكاي بي» إلى مكتب الاتصالات، أو «أوفكوم» كما يرمز إليها. «أوفكوم» هي الوكالة المخولة من قبل الحكومة البريطانية لتنظيم المنافسة بين مؤسسات البث والاتصال البريطانية بعيدا عن الاحتكار الإعلامي. وكالة «أوفكوم» مطالبة تحت قانون الاتصالات لعام 2003 وقانون البث لعام 1996 أن ترسم المعايير لمحطات الراديو والتلفزيون فيما يخص مستوى البرامج وهوية الرعاة والخصوصية والإنصاف، التي تنضوي معاييرها مجتمعة تحت اسم «الرمز» (ذي كود).
من الذين عملوا في لجنة «ليفيسونن» التي حققت بالقرصنة كان المحامي توم واتسون، الذي يعمل حاليا نائبا لزعيم حزب العمال، والذي أصبح نجما خلال مداولات اللجنة الشهيرة.
وقبل أيام طالب واتسون من وزيرة الثقافة الجديدة كارن برادلي أن تحيل عطاء الاستحواذ على «سكاي» إلى «أوفكوم»، على خلفية فضيحة القرصنة سابقا، والأوضاع الحالية التي تمر بها «فوكس نيوز»، المملوكة من قبل «تونتي فيرست سينتري»، والاتهامات التي تواجهها في فضيحة التحرش الجنسي، مضيفا أن «اسم الشركة ربما تغير عما كان عليه عام 2011 (عطاء الاستحواذ الجديد قدم من قبل «تونتي فيرست سنتري» وليس كما حصل سابقا من خلال «نيوز كوربوريشن»)، لكننا ما زلنا نتعامل مع تعدد الملكية لوسائل الإعلام وإمبراطورية مردوخ. عطاء الاستحواذ سيضع المزيد من السلطة الإعلامية في أيدي عائلة مردوخ. يجب على «أوفكوم» النظر إلى مجمل ما يسيطر عليه مردوخ من شركات إعلامية».
برادلي ردت على واتسون قائلة إن «أوفكوم» ستمارس بما لديها من قوة لفحص كل جوانب العطاء والتأكد من استيفاء جميع الشروط. «أؤكد لك أن (أوفكوم) لن تقوم بعملها بيد واحدة، ويدها الأخرى ملوية خلف ظهرها».
ثقافة التحرشات الجنسية في محطة «فوكس نيوز» الأميركية، تذكّر الناس بفضيحة القرصنة والتنصت التي منيت بها إمبراطورية مردوخ الإعلامية قبل ستة أعوام. روبرت مردوخ، الذي تسلم الرئاسة من روجر إيلز، الذي استقال من منصب رئاسة «فوكس نيوز» بسبب الاتهامات بالتحرش الجنسي، بات يتعامل بهذه القضية بشكل يومي. والآن وللمرة الثانية يواجه مردوخ إمكانية أن يخسر عطاء الاستحواذ.
أصبح واضحا أن سيطرة مردوخ على جميع أسهم «بي سكاي بي» لن يكون مقبولا لدى الرأي العام، وأن «أوفكوم» لن تعطي الضوء الأخضر لهذا النوع من الاحتكار، وأن أي خطوة من هذا النوع كان قد تسبب إحراجا لحكومة ديفيد كاميرون آنذاك، وخصوصا وزير الثقافة السابق جيرمي هانت، الذي كان متحمسا جدا للصفقة. قررت عائلة مردوخ التخلي عن الصفقة.
شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية قررت قطع علاقاتها مع أحد أشهر مقدمي البرامج الحوارية في الولايات المتحدة، بيل أوريلي؛ وذلك في أعقاب تقارير تفيد بأنه قدم أموالا لسيدات مقابل التكتم على مزاعم تورطه في تحرش جنسي. وقالت الشبكة إن المقدم والناقد المحافظ لن يعود لتقديم برنامج «أوريلي فاكتور»، أحد أكثر البرامج شعبية في التلفزيون الأميركي. وقالت شركة «توينتي فرست سينشري فوكس» الشركة الأم لـ«فوكس نيوز» في بيان لها «بعد مراجعة دقيقة للادعاءات، اتفقت الشركة وبيل أوريلي على عدم عودة بيل أوريلي إلى قناة (فوكس نيوز)». وصدرت نداءات تدعو إلى طرد أوريلي بعد أن نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع الشهر الحالي تقارير تشير إلى التوصل إلى اتفاق بملايين الدولارات للتكم على وقائع تحرش جنسي. وتحظى شبكة «فوكس نيوز» بشعبية كبيرة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي وصف أوريلي بـ«شخص جيد» بعد وقت قصير من نشر الادعاءات. ونفى اوريلى هذه الادعاءات وقال محاموه أنه وقع ضحية «حملة تشويه».
وقال الرؤساء التنفيذيون، كما جاء في صحيفة «الفاينانشيال تايمز» إن «قرار الاستغناء عن خدمات أوريلي جاء لاعتبارات تجارية بحتة»، مع أن عائلة مردوخ كانت على معرفة بسلوك أوريلي منذ 2004 عندما قدمت منتجة البرامج أندريا مكاريس شكوى ضد أوريلي، إلا أن «فوكس نيوز» استبقت الأمور وقررت مقاضاتها. وكان هناك عدد من التسويات القضائية بخصوص تحرشات جنسية أخرى، التي أصبحت «تونتي فيرست سنتري فوكس»، على علم بها خصوصا بعد الاستغناء عن خدمات رئيس المحطة روجر إيلز، قبل عام تقريبا، من قبل مردوخ نفسه، بسبب الاتهامات بالتحرش من قبل غرتشين كارلسون، التي قادت إلى تسويات أخرى تخصص التحرشات الجنسية.
وقالت «الفاينانشيال تايمز»، كما نقلت عن مصادر خاصة في «فوكس نيوز» إن الإبقاء على أوريلي أصبح صعبا جدا عندما قررت هذا الشهر أكثر من 50 شركة كبرى في الولايات المتحدة عدم شراء الإعلانات خلال بث برامجه، بعد أن كشفت «نيويورك تايمز» عن شكاوى بتحرشات جنسية تعود إلى 10 سنوات. وقرر مردوخ يوم الاثنين الماضي طرد أوريلي من العمل. وبهذا تأمل الشركة أن يعود المعلنون إليها. الاتهامات بتحرشات الجنسية تم وضعها أمام «أوفكوم» للتأكد من أن الشركة تستوفي شروط المطلوبة قبل أن توافق على صفقة الاستحواذ على مجموعة «سكاي». وهذا ما تحاول مجموعات ضغط القيام به، أي جلب انتباه «أوفكوم» إلى ممارسات «فوكس» المملوكة من «21 فيرست سينتشري فوكس»، صاحبة عرض الاستحواذ.
وكتبت الأسبوع الماضي «مجموعة أفاز» بالتعاون مع بعض شركات المحاماة التي تمثل بعض النساء في قضايا التحرش الجنسي إلى «أوفكوم» تقارن بين ما تم من ممارسات في «فوكس» وبين ما حصل قبل ست سنوات في قضية القرصنة التلفونية التي على إثرها فشلت صفقة الاستحواذ على باقي أسهم «سكاي».
صفقة «سكاي» بين القرصنة والتحرش الجنسي
للمرة الثانية... امبراطور الإعلام مردوخ يواجه احتمال خسارة عطاء الاستحواذ عليها
صفقة «سكاي» بين القرصنة والتحرش الجنسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة