نجح مركز الملك فهد الثقافي التابع لوزارة الثقافة والإعلام السعودية ومقره الرياض في الجمع بين الثقافة والترفيه بإطلاقه حزمة من الفنون والعروض الشعبية تجسد التراث الفني الفلكلوري الوطني السعودي، معيداً إلى الأذهان أهمية هذا الموروث الثقافي في حياة السكان على مدى عقود ماضية، وإثراء الحاضر الاجتماعي بعدد من الفعاليات في جانب مهم من المكون الثقافي والهوية الثقافية للمجتمع السعودي.
وعلى مدى اليومين الماضيين استمتع الحضور الكبير من الرجال والنساء والأطفال الذين غصت بهم قاعات ومسارح المركز بالكثير من الفعاليات التي تنوعت ما بين أغان ومعارض وألعاب تراثية، وأناشيد وأهازيج للأطفال، إضافة إلى عروض للأزياء التراثية والحرفية، واستذكر الحضور لهذا الحدث الثقافي والترفيهي واقع المكون الثقافي للسعودية، كما استحضروا رموزاً من الفنانين السعوديين الشعبيين الذين خدموا الأغنية الشعبية على مدى عقود مستحضرين ملامح من الزمن الجميل، كما تم تكريم عدد من الراحلين الذين قدموا خلال مسيرتهم الفنية طوال عقود مضت أعمالاً فنية مميزة ولافته لا تزال حاضرة بقوة إلى اليوم، وأسهمت في تخليد ذكراهم في الأوساط المجتمعية والفنية، كما قدم فنانون شعبيون وصلات غنائية حية ومتنوعة من هذا اللون نالت استحسان الحضور.
وتم تكريم أربعة من رموز الفن السعودي الشعبي، حيث تم تكريم كل من الفنان سلامة العبدالله المتوفى عام 2007م، ويعد أبرز فنان شعبي على مدى أكثر من نصف قرن، ونجح في نقل الأغنية الشعبية السعودية من المحلية إلى العربية، بعد أن قدم نحو 1000 أغنية لا تزال في ذاكرة الكثيرين، وتكريم الفنان الراحل بشير حمد شنان الذي توفي 1974، وكان أحد أبرز المطربين الشعبيين، وما زال حاضراً في ذاكرة الأجيال الحالية، واشتهر بأغانيه التي تنطلق كلماتها من الواقع والحياة اليومية وتعبر عنهما، مما دفع بالكثير من الفنانين في العقود الأخيرة إلى إعادة أداء أغانيه وألحانه، واشتهر بلقب «ملك العود»، وقدم أعمالاً غنائية وصلت إلى 500 أغنية.
أما المكرم الثالث في احتفالية ليالي الفلكلور الشعبي التي اختتمت ليلة البارحة في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض فهو الفنان الشعبي فهد بن سعيد المتوفى في عام 2003، ويعد أشهر فنان، وحقق نجومية كبيرة، واشتهر باسم «وحيد الجزيرة»، وقد ترجل عن الفن برحيله بعد ضغوط من بعض رموز ما يسمى بسنوات الصحوة الذين قدموا له وعوداً بتأمين حياة كريمة له ولأسرته من سكن ومرتب مجز ليتوجه على أثرها من الرياض التي أقام فيها إلى بريدة بعد طلاقه للفن ليعمل مؤذناً وحارساً في إحدى مدارس البنات في منطقة القصيم.
كما كرم الاحتفال الفنان عيسى الأحسائي الذي توفي عام 1983، ويعد من أبرز الفنانين والملحنين الشعبيين، وظل عدة سنوات يعطي هذا الفن وقته وحقق شهرة واسعة على المستوى المحلي والخليجي ولقب بصاحب «الحنجرة الذهبية»، وبرز بتقديم أعمال غنائية غير مسبوقة في الثقافة الفنية استحق معها أن يتربع على هرم الفن الشعبي.
وكان العامل المشترك بين المكرمين من الفنانين الراحلين أنهم حققوا للغناء الشعبي حضوراً تجاوز المحلية والخليجية إلى العربية، ونجحوا في أن يقدموا هذا الفن ممثلاً صادقاً لغنائيات المجتمع في أحزانه وأفراحه.
وساهمت احتفالية ليالي الفلكلور الشعبي في التذكير بوسائل التسجيلات الصوتية القديمة التي كان الفنانون الأقدمون يستخدمونها في تسجيل أصواتهم الغنائية قبل ظهور التسجيلات الحديثة من خلال جهاز «الغرامافون» أو ما يسمى في السعودية «البكم»، الذي توضع فوقه أقراص ذات أخاديد حلزونية تسمى الأسطوانات مصنوعة من الشمع يتم تشغيلها بالضغط على الجهاز يدوياً أو عبر الشواحن الكهربائية (البطاريات)، وقد سجل الفنانون الأربعة المكرمون الكثير من إنتاجهم الغنائي عبر هذه الأسطوانات التي كانت تطبع في اليونان، ولعلها مصادفة أن أصل كلمتي «فونوغرف» يونانية الأصل، فكلمة فون تعني الصوت، وكلمة غراف تعني التسجيل، وكانت توزع في السعودية بشكل كبير في محلات بيع الآلات والأدوات الموسيقية والغنائية قبل ظهور أشرطة الكاسيت والتسجيلات الرقمية، بل إن كبار السن الذي عايشوا هذه التسجيلات يتذكرون جيداً الأسطوانات المصنوعة من الشمع، فقد كتب عليها تفاصيل الأغنية: اسمها، واسم المطرب، والملحن، مسبوقاً بتسجيلات «نجدي فون»، الوكيل الحصري لهذه الأسطوانات، وبعضها كتب عليها عبارة: ممنوع إذاعة هذه الأسطوانة بالراديو لأسباب تتعلق بمحتويات كلمات الأغنية التي قد تكون مخالفة لضوابط الرقيب في الإذاعة الرسمية أو الخاصة في ذلك الوقت، علماً بأن التلفاز لا وجود له في ذلك الزمن.
وتنوعت فقرات الاحتفال، حيث شاركت عدد من الفرق الشعبية من مختلف مناطق السعودية، بتأديتها جملة من الفنون والعروض الشعبية، تجسد التراث الفني والفلكلوري الوطني أحد أبرز موضوعات الفنون الشعبية في المملكة.
وشارك كل من الفنانين مزعل فرحان، وبدر الحبيش في تقديم وصلات غنائية شعبية نالت استحسان الحضور الكبير في المهرجان.
كما تضمن المهرجان مشاركة ما يقارب ستة عشر من الحرفيين، الذين يعملون بالمهن والحرف اليدوية التراثية، بجانب مشاركة الفرق الاستعراضية للأطفال، عبر لوحات إنشادية وأهازيج تراثية.
ونظم المهرجان محاضرة عن الفلكلور الشعبي قدمتها إحدى المتخصصات في هذا اللون من الفنون، فيما قدمت على المسرح النسائي مجموعة من الفقرات الفلكلورية المتخصصة.
وأكد المشرف العام على مركز الملك فهد الثقافي محمد السيف ضرورة الاحتفاء بالفنون الشعبية، بوصفها جانبا مهماً من جوانب المكون الثقافي والهوية الثقافية للبلاد، التي ينبغي إبرازها بشكلٍ يليق بحاضر البلاد الزاهر وماضيها وتراثها الأصيل والمشرف، مشيراً إلى خطة المركز في الفترة المقبلة، التي ستتضمن الاحتفاء بالموروث الثقافي، وإثراء الحاضر الاجتماعي بالثقافة والفنون، إلى جانب الكثير من الفعاليات التي ترتقي إلى ذوق الجماهير، منوهاً بدعم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي لبرامج المركز، معتبراً أن هذا الدعم منح المركز الفرصة للانطلاق في تنفيذ برامجه وخططه.
ليالي الفلكلور الشعبي تجمع الثقافة والترفيه في الرياض
الفن السعودي القديم يعود إلى الواجهة... من زمن «الأسطوانات» إلى «الرقميات»
ليالي الفلكلور الشعبي تجمع الثقافة والترفيه في الرياض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة