استضافت العاصمة القرغيزية بشكيك قمة خماسي الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وكان لافتاً في القمة مشاركة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي تغيب بسبب خلافات اقتصادية مع حليفته روسيا، عن قمة للاتحاد انعقدت في مدينة بطرسبرغ في روسيا نهاية العام الماضي، بمشاركة قادة 4 دول أعضاء فقط، هم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والكازاخي نور سلطان نزار بايف، والقرغيزي ألماز بيك أتانبايف، والأرميني سيرج ساركسيان، ووقعوا حينها القانون الجمركي للاتحاد الأوراسي.
وقال بوتين خلال تلك القمة إن نص القانون سيتم إرساله إلى الرئيس لوكاشينكو لتوقيعه، إلا أن الأخير رفض حينها تلك الوثيقة، ولمح إلى أنه تم اعتمادها دون استشارة الاقتصاديين البيلاروسيين، وقال إنه لا بد من إدخال تعديلات عليها.
ومع إقرار قادة دول الاتحاد الأوراسي ببقاء عقبات كثيرة أمام مسيرة التكامل الاقتصادي، فإن أياً من تلك العقبات لا تحمل تهديداً مصيرياً على المنظمة، على عكس الخلافات بين الدولتين العضوين، روسيا وبيلاروس، التي كانت تهدد استمرار الاتحاد الاقتصادي وكل خططه التكاملية، لو فشل الطرفان في تجاوز خلافاتهما.
وقبل قمة بشكيك بيوم واحد، جرت محادثات شاقة بين أركادي دفوركوفتيش النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية، وفلاديمير سيماشكو النائب الأول لرئيس الحكومة البيلاروسية، تمخض عنها توقيع الجانبين اتفاقية ساهمت في حل كل الخلافات بين البلدين، وتحول دون تكرارها مستقبلاً.
وجوهر الخلاف باختصار أن بيلاروس تطالب بسعر معين لصادرات الغاز الروسي، وهو ما رفضته موسكو، وقالت إن ديوناً عن الغاز الروسي تراكمت على مينسك، ومن ثم قامت بتقليص صادراتها النفطية إلى بيلاروس. وقد أثار هذا حفيظة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي ذهب في تصريحاته إلى التلويح بالخروج من المنظمات التكاملية التي يشارك فيها مع روسيا، ومن بينها الاتحاد الاقتصادي الجمركي.
وبموجب اتفاق حل الخلافات الذي تم توقيعه في 14 أبريل (نيسان) بين روسيا وحليفتها بيلاروس، قامت الأخيرة بتسديد أكثر من 726 مليون دولار لشركة «غاز بروم» ديوناً متراكمة عن صادرات الغاز الروسي، ومن جانبها وافقت الشركة الروسية المحتكرة لصادرات الغاز على أن يتم تحديد سعر صادراتها إلى بيلاروس عامي 2018 - 2019 انطلاقاً من أسعار الغاز في منطقة يامال الروسية، أي أن السعر سيكون أقرب إلى السعر في السوق الداخلية.
كما يتوقع بموجب الاتفاق ذاته أن ترفع روسيا قريباً صادراتها النفطية المعفاة من الرسوم الجمركية إلى بيلاروس، بعد أن قلصتها العام الماضي، وقالت إن مينسك تقوم بإعادة تصدير النفط الروسي الذي تحصل عليه بسعر مخفض.
ومع أن المحادثات بين الجانبين لم توضح كيف سيتم التعامل مع مسألة إعادة تصدير بيلاروس للنفط الروسي إلى الأسواق الخارجية، فإن ما توصل إليه الجانبان يشكل بصورة عامة بداية صفحة جديدة من علاقاتهما. وكانت أولى ثمار تجاوز الخلافات بين البلدين، أن وقع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو القانون الجمركي لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بعد 3 أشهر تقريباً على توقيعه من جانب قادة الدول الأخرى في الاتحاد. والقانون الذي يدور الحديث عنه عبارة عن وثيقة تنص على نقل جملة صلاحيات وطنية إلى اللجنة العليا للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتسهيل عمليات الجمركة لقطاع الأعمال في دول الاتحاد. وينتظر أن تبدأ عملية المصادقة على القانون الجمركي قريباً بعد استكمال توقيع قادة الدول الأعضاء عليه.
ضمن هذه الأجواء استعادت قمة قادة دول الاتحاد الجمركي نصابها، وتمكنت بحضور الجميع من التركيز على بحث العقبات التي تعطل تطوير عمليات التكامل الاقتصادي داخل الاتحاد. وتوافق قادة خماسي الاتحاد الأوراسي على أن تلك العقبات تحول دون استكمال الاتحاد. وأشار الرئيس الروسي خلال القمة إلى أن السوق المشتركة لعبت دور «وسادة أمن» خلال الأزمة الاقتصادية، لكنه أعرب في الوقت ذاته عن أسفه لبقاء عقبات أمام التعاون داخل الاتحاد.
وكانت اللجنة الاقتصادية للاتحاد قد أعدت في وقت سابق ما أطلق عليه «الكتاب الأبيض» تعرض فيها تلك العقبات، ويُنتظر أن تعمل اللجنة على وضع «خريطة طريق» ترسم فيها آليات تجاوز تلك العقبات والعراقيل التي ما زالت تحول دون تشكيل سوق مشتركة داخل الاتحاد الأوراسي.
وتميزت قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في بشكيك باتخاذ قرار بمنح جمهورية مولدوفا صفة عضو مراقب، حيث كان الرئيس المولدوفي إيغر دودون حاضراً خلال القمة، وشارك في أعمالها. من جانب آخر تنظر اللجنة الاقتصادية للاتحاد في طلب طاجيكستان بالحصول أيضاً على صفة عضو مراقب. ويرى مراقبون أن مثل هذه الخطوة تعني احتمال توسع الاتحاد الأوراسي مستقبلاً عبر ضم المزيد من الجمهوريات السوفياتية السابقة إلى صفوفه.
أما بالنسبة للتعاون الدولي، فقد أبدى قادة خماسي الاتحاد عدم ارتياحهم للتسرع في توسيع التعاون الدولي، وبصورة خاصة، كانت موسكو وطهران قد رحبتا بإنجاز العمل، في وقت سريع، على اتفاقية مؤقتة حول التجارة الحرة بين إيران ودول المنظمة. غير أن تلك الاتفاقية لم توقع حتى الآن. وحسب قول إيغر شوفاليوف، النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية، فإن السبب في عدم توقيع تلك الاتفاقية هو أن «إيران تطلب منا أكثر مما تريد أن تعطينا».
تفاهمات موسكو ومينسك تنقذ مستقبل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي
قمة بشكيك تبحث «خريطة طريق» لتجاوز معوقات تشكيل «سوق مشتركة»

تفاهمات موسكو ومينسك تنقذ مستقبل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة