«إنهم جيراننا وأهلنا». في مستشفى ميداني فتح أبوابه أخيراً بالقرب من الموصل يسترجع الأطباء والممرضون العراقيون المتحدرون من هذه المدينة ذكرياتهم عند معاينتهم الجرحى القادمين إلى المستشفى.
يتلوى فتى جالس على سرير من الألم لكن الطبيب فاروق عبد القادر (29 عاماً) يقول بارتياح: «الرصاصة اخترقت الذراع دون أن تصيب العظم أو الشرايين أو الأعصاب». في مكان آخر، يعاين الجراح سلطان (43 عاماً) رجلاً في الأربعين أُصيب في وجهه لكن «وضعه مستقر»، قبل أن ينزل المعصم الدامي للجريح على السرير.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، غادر الطبيبان، وهما من سكان الموصل، المدينة عند استيلاء تنظيم داعش عليها في عام 2014، لكنهما عادا اليوم. ويشعر عبد القادر بالامتنان، لأنه لا يزال على قيد الحياة بينما قتل اثنان من زملائه «أحدهما بأيدي المتطرفين والثاني في غارة جوية».
في مستشفى عذبة الميداني، يستقبل الأطباء كل يوم ضحايا المعارك الحالية بين القوات العراقية ومقاتلي التنظيم الجهادي في الموصل على بعد 20 كلم إلى الشمال. وتقوم مهمة الأطباء على إبقاء حالة الجرحى مستقرة ريثما يتم نقلهم إلى مستشفى متخصص غالباً في أربيل (شمال)، عاصمة إقليم كردستان.
والمستشفى الميداني الذي يحرسه مسلحون مزود بغرفتي عمليات ومكان لإزالة التلوث لضحايا الهجمات الكيماوية.
يقول سلطان الذي يرفض الكشف عن اسمه كاملاً لأسباب أمنية: «أمر مؤلم جدا بالنسبة إلينا... كثير من الأشخاص، ومن بينهم عدد كبير من الأطفال يحتاجون إلى البتر أو باتوا مشلولين. لماذا؟».
يقيم شقيق وشقيقة سلطان في حي في غرب الموصل لا يزال خاضعاً لسيطرة المتطرفين. ويقول الجراح الذي يخشى أن ينقلا يوماً إلى المستشفى أنه «لا أخبار عنهما». ويتابع سلطان الذي بدا عليه التعب أن تنظيم داعش «يستخدم المدنيين دروعاً بشرية والغارات الجوية دمَّرت عدداً كبيراً من المباني. ربما هما تحت الأنقاض». ويضيف: «هل ماتا؟ هل يشعران بالجوع؟ أشعر بالعجز».
تقول الأمم المتحدة إن 307 مدنيين قُتِلوا بين أواسط فبراير (شباط) وأواخر مارس (آذار) في غرب الموصل، المعقل الأخير للمتطرفين الذي تحاول القوات العراقية بإسناد جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن استعادته، بعد سيطرتها من جديد على القسم الشرقي من المدينة في أواخر يناير (كانون الثاني).
أما الممرض علي سعد عبد الخالد الذي كان يسعف مدنيين في منزله خلال المعارك في شرق الموصل، فيشير إلى زيادة «كبيرة» في عدد الجرحى في الأسابيع الأخيرة. ويضيف: «القسم الغربي من الموصل أكثر اكتظاظاً بالسكان. إنها المدينة القديمة».
في تلك الأثناء ينقل مصاباً ثالثاً إلى المستشفى ووجهه مغطى بضمادات دامية. وتبرز عظامه في جسمه الهزيل. فالأحياء الخاضعة للمتطرفين محاصرة والمواد الغذائية تتناقص بينما الأسعار ترتفع بشكل ملحوظ.
وتقول تارين أندرسون، رئيسة الممرضات في المستشفى الذي فتح أبوابه في أواخر مارس بدعم من منظمة الصحة العالمية، إن «جميع المرضى تقريباً يعانون من سوء التغذية. لا يمكن الحديث عن مجاعة لكن الأمر مقلق للغاية، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال».
وبعد مرور ساعة، يقرر الأطباء عدم إجراء عملية نقل دم للمصاب، فهو «حالة ميئوس منها»، ومصيره الموت ومخزون الدم محدود ويخصص للذين لديهم فرصة في النجاة.
أطباء الموصل يساعدون جيرانهم القدامى
أطباء الموصل يساعدون جيرانهم القدامى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة