لوحات الفن الاستشراقي رسمها أوروبيون وأصبح جمهورها شرقياً

تغير جمهورها وهدفها... لكنها لا تزال رائجة

«وصول المحمل إلى واحة في طريقه لمكة» لجورج إيمانويل أوبيز (سوذبيز)
«وصول المحمل إلى واحة في طريقه لمكة» لجورج إيمانويل أوبيز (سوذبيز)
TT

لوحات الفن الاستشراقي رسمها أوروبيون وأصبح جمهورها شرقياً

«وصول المحمل إلى واحة في طريقه لمكة» لجورج إيمانويل أوبيز (سوذبيز)
«وصول المحمل إلى واحة في طريقه لمكة» لجورج إيمانويل أوبيز (سوذبيز)

لوحات تستعرض الحياة في شوارع ومساجد وقصور الشرق، من القاهرة القديمة لصحراء المغرب إلى مساجد إسطنبول، تنقلها لنا لوحات من القرن التاسع سجلها فنانو أوروبا وأميركا جذبهم سحر ذلك العالم الغامض البعيد. يظل للوحات الفن الاستشراقي جمالها وجمهورها الذي يجد فيها أكثر من انطباعات الفنان الأوروبي في ذلك الوقت، ففيها سجل لتفاصيل حياة وثقافات مضت.
كلود بينينغ رئيس قسم اللوحات الأوروبية في سوذبيز يجد في تلك اللوحات نظريات ورؤية للشرق تختلف عن فرضيات أن الفن الاستشراقي يعكس النظرة الاستعمارية للغرب. يشير خلال جولة خاصة في سراديب الدار لعرض محتويات مزاد الفن الاستشراقي الذي تقيمه الدار في 25 أبريل (نيسان) الحالي، إلى أن المزاد يحتفل بعامه السادس حيث يقام لجانب مزاد الفن الإسلامي الموسمي.
يشير بينينغ خلال الحديث إلى حرصه على أن تكون اللوحات المعروضة بعيدة عن الصور النمطية لبعض اللوحات الاستشراقية وأن تراعي أساسيات الذوق واللياقة.
يتحدث عن الثنائية ما بين مزاد الفن الإسلامي ومزاد الفن الاستشراقي قائلا: إن هناك انسجاما بينهما: «هنا أمامك لوحة استشراقية تصور رجلا مسنا يجلس خارج مسجد في القاهرة يضع بندقيته جانبا بينما يدخن الغليون وهو مستند على عصاه. كل هذه التفاصيل من غليون وبندقية وعصا، قد تتواجد في مزاد الفن الإسلامي، يمكنك رؤية تلك القطع في الحقيقة، وهو ما يكمل تأثير اللوحة. يحدث كثيرا أن يشتري شخص لوحة استشراقية ثم يلفت نظره قطع منسجمة معها عندنا. ولهذا أحرص على الاستفادة من معلومات خبراء الفن الإسلامي للتعرف على بعض القطع التي أراها في اللوحات الاستشراقية».
الحديث يأخذنا من اللوحات المعروضة بداية الخيط لتناول أهمية ذلك النوع من الفن في زمننا الحالي، ويرى أن أهمية لوحات الفن الاستشراقي في القرن التاسع عشر وقبل اختراع الكاميرا أنها كانت تنقل للجمهور الغربي الحياة في بلاد بعيدة عنهم «كانت تلك اللوحات كشفا كبيرا في ذلك الوقت، حاول الفنانون التقاط الجو العام والثقافة بقدر الإمكان مستعيضين عن التسجيل الفوري الذي توفره الكاميرا، باستخدام الفرش ورقعات الرسم لتدوين الرسومات الأولية حتى يعودوا لبلادهم حيث يقومون برسم اللوحة كاملة». ومع بداية فن التصوير استعان بعض منهم بلقطات فوتوغرافية لتسجيل الموضوع الذي يريدونه ليقوموا برسمه بالألوان فيما بعد. ويؤكد بينينغ على نقطة هامة هنا: «يجب أن نعي أن كثيرا من هؤلاء الفنانين كانوا يسجلون ما يرونه جذابا وموحيا ولكنهم لم يكونوا على معرفة بالثقافات السائدة». في هذه الحالة هل كان الفنانون الاستشراقيون يسجلون ما يرونه جميلا فقط؟ أتساءل ويجيبني الخبير: «ليس فقط المناظر والجماليات، اهتم الفنانون أيضا بمظاهر الثقافة مثل الطقوس الدينية وأنماط الحياة في الصحراء وأيضا مشاهد القتال والأسلحة المختلفة. حاولوا تصوير كل ذلك في بعض الأحيان كانوا موفقين وفي بعضها الآخر لم يحالفهم التوفيق خاصة فيما يتعلق بالطقوس الدينية، فعلى سبيل المثال يحدث أن نجد لوحة تصور صلاة الجماعة في مسجد ونجد المصلين كل منهم يقوم بحركة مختلفة عن الآخر».
أشير إلى أننا لا يمكن أن نغفل اللوحات التي تصور مشاهد غير واقعية أو حساسة، يجيب بينينغ: «هؤلاء من أطلق عليهم فنانو المقعد الوثير، الذين لم يسافروا للمشرق واكتفوا بما قرأوه عن ذلك العالم في الكتب أو ما سمعوه من روايات الرحالة، وتكون النتيجة أن يرسموا لوحات متخيلة مثل اللوحات التي تصور الحريم».
من اللوحات في المزاد عمل للفنان هيرمان كورودي «الصلاة قبل الوصول للقدس». ويبدو أن الفنان وقع أسيرا للألوان التي تركتها أشعة الشمس الغاربة على الأفق، أما الفنان رودولف إرنست فيصور رجلين يجلسان لتناول الطعام في غرفة وثيرة الأثاث، يحرص الفنان على تصوير كل التفاصيل الثرية في الملابس والسجاد والنقوش على الحائط. يشير بينينغ إلى أن الفنان كان معروفا بحبه للأقمشة والمنسوجات: «كان يشتري الأقمشة وقطع السيراميك والسجاد ويأخذها معه عند عودته لباريس، وهناك يرسمها في لوحاته».
لوحة أخرى لإرنست تصور رجلا مسنا يجلس أمام مسجد في القاهرة ويقبل على السلام عليه مجموعة من المسافرين، يبدو من الاحترام الذي يظهره المسافرون تجاه الرجل أنه شخصية هامة، ربما شخصية دينية معروفة أو ربما عراف. إرنست يلتقط التفاصيل في عمارة المسجد وفي ملابس المسافرين ونقوش السجادة تحت أقدام الرجل. غير أن المشهد لم يرسم في القاهرة بل رسمه الفنان في باريس ويبدو من التصرف في بناء المسجد أنه لم يلتزم بالتفاصيل الحقيقية للبناء. كما يظهر في خلفية اللوحة عدد من المباني البيضاء والتي قد يكون الفنان أضافها من خياله فهي لا تتماشى مع المعمار في القاهرة في تلك الفترة.
اهتمام فناني الاستشراق بالمعمار وبالمسجد على وجه خاص يظهر جليا في عدد من اللوحات هنا، مثل لوحة جان لوكومت دونوي والتي تصور رجلا يدخن الغليون خارج مسجد، هناك أيضا لوحة للفنان الشهير جان ليون جيروم والتي تصور الصلاة داخل أحد المساجد بالقاهرة.
لوحتان تصوران مشهد المحمل الذي ينقل كسوة الكعبة المشرفة لمكة، إحداهما تصور الموكب في القاهرة والأخرى تصور الموكب التركي وهو متوقف في إحدى الواحات على الطريق. المشهدان مختلفان، في القاهرة نرى المارة يتفاعلون مع المحمل، وفي الثانية يبدو النظام أساسيا حيث يظهر عدد من المسؤولين المهمين كما يبدو من ملبسهم يتقدمهم قائدهم، ربما، على صهوة حصان مزين بالقماش الأحمر المطرز بينما يسير خلفهم حملة الأعلام وفي منتصف اللوحة جمل مزين بمختلف الأقمشة والحلي يحمل صندوقا ثمينا.
ينهي بينينغ الجولة بقوله: «الأمر المثير في هذه اللوحات هو أن جمهورها ووظيفتها اختلفت عبر العصور، ففي وقت رسمها كانت موجهة لجمهور غربي يتطلع لمعرفة المزيد عن بلاد المشرق، وبالتالي كانت تمثل تسجيلا فنيا للحياة هناك كان الوحيد وقتها خاصة قبل اختراع الكاميرا. الاختلاف الآن هو أن جمهور اللوحات هم من تلك البلدان التي صورها الفنانون. فهي تخاطبهم ثقافيا وتعد سجلا لمظاهر الحياة في بلدانهم في وقت كان فيه الفنانون المحليون لا يحبذون رسم الأشخاص والحيوانات واكتفوا بالزخارف. ولهذا ما يزال سوق الفن الاستشراقي منتعشا».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.