السؤال الكبير الذي تريد الأوساط الدبلوماسية الفرنسية الحصول على إجابة سريعة عليه يتناول الخط السياسي الذي تريد الولايات المتحدة الأميركية اتباعه إزاء الحرب في سوريا ومستقبل النظام. والسؤال، كما تقول مصادر فرنسية واسعة الاطلاع: «ليس جديدا، إنما الجديد أنه يطرح بعد أن لجأ النظام السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي مرة جديدة» رغم التزاماته الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 2118، وكذلك إزاء الطرف الروسي الذي طرح نفسه «ضامنا» لخلو سوريا من السلاح الكيماوي بعد أزمة صيف العام 2013 وضرب الغوطة الشرقية بهذا السلاح.
ومرة جديدة، تلح باريس على الحاجة إلى خط سياسي أميركي. وذهب وزير الخارجية جان مارك أيرولت إلى اعتبار أن الهجوم الكيماوي الجديد الذي ضرب خان شيخون يعد «اختبارا» لإدارة الرئيس دونالد ترمب لجهة معرفة «الرد» الذي تنوي واشنطن اللجوء إليه، لكن أيضا تبيان الموقف الأميركي من نظام الرئيس الأسد. وقال أيرولت أمس في بروكسل: «السؤال الذي يحتاج إلى الجواب بنعم أو بلا يهدف إلى معرفة ما إذا كان الأميركيون يدعمون انتقالا سياسيا في سوريا؛ الأمر الذي يعني تنظيم (عملية) الانتقال وإجراء انتخابات، وفي نهاية العملية يطرح السؤال بشأن رحيل الأسد».
وكان الملف السوري صباح أمس موضع بحث في قصر الإليزيه في إطار اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الذي دعا إليه ورأسه الرئيس فرنسوا هولاند. وجاء في بيان صادر عن المجلس «أي عن الرئيس هولاند»، أن باريس ترى ثمة حاجة إلى «رد من المجموعة الدولية على الهجوم الكيماوي» يكون بمستوى «جريمة الحرب» المرتكبة في خان شيخون. وما تتخوف منه باريس هو أن تكون ردة الفعل الأميركية «خطابية»، وخصوصا ألا يكون لها تأثير على المواقف التي صدرت عن وزير الخارجية ريكس تيلرسون في أنقرة، أو عن مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. الأول أعلن أن «مصير الأسد على المدى البعيد يقرره الشعب السوري». أما الثانية فاعتبرت، في تصريحات لها في نيويورك، أن أولوية «واشنطن» ألا نبقى جالسين، وأن نركز على كيفية رحيل الأسد.
وزاد الناطق باسم البيت الأبيض، أنه يتعين «الأخذ بالوقائع» الموجودة في سوريا، وكلها تشي بأن واشنطن لم تعد تسعى أو تتقبل مبدأ الانتقال السياسي المنصوص عليه في بيان جنيف وفي القرار 2254؛ الأمر الذي يثير حفيظة باريس ويدفع بوزير خارجيتها إلى الضغط المباشر عليها. وجاءت تصريحات فرنسوا دولاتر، مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة وفق الروحية نفسها؛ إذ أعلن من نيويورك أن «التحدي مزدوج» للحصول على ردة فعل دولية. فمن جهة: «يتعين إقناع الروس» بالتصويت لصالح مشروع القرار الذي قدمته بلدان ثلاثة، هي «فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة» ومن جهة ثانية، إعادة انخراط الأميركيين؛ لأننا لن نحصل «على نتيجة» لا في مأساة استخدام السلاح الكيماوي ولا في «التوصل» إلى حل سياسي في سوريا تضع الولايات المتحدة وزنها في الميزان. وخلص دولاتر إلى القول: «لا يستطيع الأميركيون الاستمرار في غيابهم بهذا الشكل».
تقول المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»: إن باريس، من بين كل العواصم الغربية التي تتشكل منها «النواة الصلبة» الداعمة المعارضة السورية: «تبقى الأكثر ثباتا على موقفها» من الأزمة السورية، وهي ما زالت تطالب وتدفع باتجاه التركيز على عملية الانتقال السياسي رغم تيقنها من تأثير التغيرات الميدانية على مواقف الأطراف، بما فيها واشنطن. وتلحظ هذه المصادر «مفارقة، بل تضاربا»، من جهة، بين الأهداف الأميركية «المعلنة» والمعروف منها اثنان: محاربة «داعش» وجبهة النفوذ الإيراني في سوريا، ومن جهة أخرى: «التحولات» التي توحي بها تصريحات كبار مسؤوليها، وتتساءل عن كيفية «التوفيق» بين رغبتها في ضرب النفوذ الإيراني و«قناعتها» في المحافظة على نظام الأسد، علما بأن طهران هي أول الداعمين له ومنذ انطلاق الانتفاضة السورية قبل أكثر من ستة أعوام.
حقيقة الأمر، أن باريس تجد نفسها معزولة إلى حد ما في الملف السوري حتى داخل الاتحاد الأوروبي. ومشكلتها الثانية أنها قادمة على انتخابات رئاسية، وليس من المضمون أن يلزم العهد والحكومة الجديدان الخط الذي بقيت باريس ثابتة عليه، الذي يرى أن هناك «طريقا ثالثة» بين الإبقاء على النظام أو وصول الراديكاليين والموصوفين بالإرهاب إلى السلطة في دمشق. وهذه الطريق عنوانها محادثات جنيف ووساطة الأمم المتحدة والحل السياسي الذي تفهمه على أنه يعني الانتقال السياسي الذي لم يعد يفترض رحيل الأسد منذ بدايته، كما لا تزال تطالب المعارضة السورية بل في وقت ما من هذا المسار أو بنهايته.
باريس تطالب واشنطن بتوضيح سياستها إزاء سوريا بـ«رد دولي»
مصادر دبلوماسية: تضارب في المواقف الأميركية حيال الحرب ومستقبل النظام
باريس تطالب واشنطن بتوضيح سياستها إزاء سوريا بـ«رد دولي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة