استجابت فرنسا سريعا لطلب الائتلاف السوري المعارض دعوة مجلس الأمن الدولي لاجتماع طارئ للنظر في الهجوم الكيماوي الذي استهدف مدينة خان شيخون أمس، وأوقع مائة قتيل ومئات الجرحى. وسارع وزير الخارجية جان مارك إيرولت إلى الإعلان أن باريس تطلب اجتماعا عاجلا للمجلس المذكور. وفي حين أدان إيرولت «بقوة»، الجريمة معتبرا إياها «عملا همجيا» بحق الشعب السوري وانتهاكا لمعاهدة تحريم استخدام الأسلحة الكيماوية، فإنه امتنع عن تحديد الجهة المسؤولة عنها.
لكن ما لم يفعله الوزير إيرولت أقدم عليه الرئيس فرنسوا هولاند الذي لم يكتف بالإدانة، بل حمل المسؤولية مباشرة للرئيس السوري بشار الأسد. وجاء في بيان صدر بعد ظهر أمس عن قصر الإليزيه، أن الأسد «كما حدث في 21 أغسطس (آب) من عام 2013 يستهدف المدنيين باللجوء إلى أسلحة منعت الأسرة الدولية استخدامها». وأضاف البيان أن الرئيس السوري «سيعمد مرة أخرى إلى نفي مسؤوليته البينة عن هذه المجزرة كذلك سيعول على دعم حلفائه ليبقى بعيدا عن المساءلة». ووجه هولاند سهامه إلى «داعمي النظام» في إشارة مباشرة إلى روسيا بالدرجة الأولى التي حمت النظام كثيرا من المرات في مجلس الأمن الدولي من خلال لجوئها إلى استخدام «الفيتو» ست مرات، داعيا إياهم إلى النظر في «مسؤوليتهم السياسية والاستراتيجية والأخلاقية».
وكانت فرنسا قد تقدمت مؤخرا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لإدانة من أبرزهم تحقيق اللجنة المشتركة التي شكلت من الأمم المتحدة ومنظمة منع الأسلحة الكيماوية، التي قدمت تقريرين العام الماضي بينت فيهما مسؤولية النظام وكذلك «داعش» في استخدام السلاح الكيماوي. إلا أن موسكو أجهضت القرار. ولا تستبعد باريس أن يكون مصير أي مشروع قرار جديد كمصير سابقه وأن تلجأ روسيا إلى الحجج نفسها بحجة «غياب الأدلة» والحاجة إلى مزيد من الاستقصاء والتحري للوصول إلى براهين واضحة، ما سيؤدي إلى تأجيل النظر به وأخيرا إلى وأده.
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية، أمس، إن اللجوء إلى السلاح الكيماوي لا ينتهك فقط الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها سوريا، إنما ينتهك كذلك مضمون القرار الدولي رقم 2118 والتزامات النظام بالتخلص من مخزونه الكيماوي بموجب الوساطة الروسية التي سمحت له بالإفلات من العقاب صيف عام 2013 بعد أن تراجعت إدارة الرئيس أوباما عن اللجوء إلى السلاح، بعدما اجتاز النظام ما سماها أوباما شخصيا «الخطوط الحمراء» أي اللجوء إلى الكيماوي. وحينها وجدت باريس نفسها وحيدة في الميدان بعد انسحاب بريطانيا وتردد أوباما. وما فتئ المسؤولون الفرنسيون يرددون أنه «لولا تراجع واشنطن لكان الوضع في سوريا اليوم مختلفا تماما عما هو عليه»، خصوصا أن روسيا لم تكن قد انخرطت عسكريا في الحرب كما فعلت في سبتمبر (أيلول) عام 2015 ما سمح للنظام بأن يقف على قدميه من جديد.
أما على المستوى الدبلوماسي، فقد علمت «الشرق الأوسط» من مصادر فرنسية رسمية أن الوزير إيرولت «بذل جهدا كبيرا» خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أول من أمس، في لوكسمبرغ، من أجل «تحصين» الموقف الأوروبي ومنعه من اللحاق بالموقف الأميركي المتغير الذي لم يعد يرى في تنحي الأسد هدفا أميركيا. والتوافق الذي توصل إليه الأوروبيون يقوم على اعتبار أن الأسد يمكن أن يبقى في موقعه خلال المرحلة الانتقالية، ولكن «لن يكون له دور بعدها في مستقبل سوريا». وفيما يمكن اعتباره رسالة إلى المعارضة السورية التي ما زالت تقول إنه «ليس للأسد مكان لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا»، وهو ما كرره وفد الهيئة العليا للمفاوضات عشرات المرات في جنيف، أكد إيرولت أن «البعض يريد وضع شروط مسبقة بصفة مطلقة تفيد بأن الخوض في المرحلة الانتقالية لا يتم سوى بعد رحيل الأسد، وهذا لا يتناسب مع روح القرار 2254» الذي صدر عن مجلس الأمن نهاية ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 وهو يشكل مرجعية مفاوضات جنيف.
وترى باريس أن طرح رحيل الأسد بهذا الشكل «سيجهض المفاوضات». لذا، فإنها تنصح المعارضة بعدم التركيز على هذه النقطة بداية، وتناول الملفات الأربعة «الحكم والدستور والانتخابات والإرهاب» بما يسمح للمفاوضات بالتقدم، معتبرة أن المعارضة «قوية حول طاولة المفاوضات ويتعين استخدامها منصة لتحقيق أهدافها، وهذا لن يحصل في حال انسحب النظام لتلافي الانتقال السياسي».
وفيما يمكن اعتباره رسالة موجهة لواشنطن مباشرة، قال إيرولت إنه «يتعين أن يحصل انتقال سياسي، ومن يتناسى ذلك فإنه مغرق في الخطأ لأنه لن يحل سلام دائم ولن (يمكن التغلب) على التهديد الإرهابي، من غير مسار سياسي».
باريس تحمّل «داعمي» الأسد مسؤولية سياسية وأخلاقية
باريس تحمّل «داعمي» الأسد مسؤولية سياسية وأخلاقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة