واشنطن تقترح حكومة انتقالية لحل الأزمة في جنوب السودان

سلفا كير يوافق على عقد لقاء مباشر مع زعيم التمرد

رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال حديثه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العاصمة جوبا أمس (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال حديثه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العاصمة جوبا أمس (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تقترح حكومة انتقالية لحل الأزمة في جنوب السودان

رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال حديثه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العاصمة جوبا أمس (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال حديثه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العاصمة جوبا أمس (أ.ف.ب)

اقترحت الولايات المتحدة الأميركية على رئيس جمهورية جنوب السودان تشكيل حكومة انتقالية لحل الأزمة في بلاده التي تشهد حربا أهلية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في وقت رحبت الحركة الشعبية المعارضة بزعامة نائب الرئيس السابق رياك مشار بمقترح واشنطون عدته ضمن موقفها في المفاوضات، وأيدت إجراء لقاء بين الرئيس سلفا كير ورياك مشار لدفع عملية السلام في البلاد، ويتوقع أن يجري كيري اتصالا هاتفيا مع زعيم التمرد في وقت لاحق.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري التقى سلفا كير في زيارته إلى جنوب السودان للسعي إلى وقف إطلاق النار في النزاع الدامي المستمر منذ أربعة أشهر والذي أثار تحذيرات من وقوع إبادة ومجاعة.
وتعتبر زيارة كيري غير المعلنة أبرز مسعى حتى الآن للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في هذا النزع الذي أغرق جنوب السودان في دوامة عنف.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ختام زيارته إلى جنوب السودان التي استمرت لساعات إنه تقدم بمقترحات حل الأزمة لرئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، مؤكدا أن الأخير وافق على عقد لقاء مباشر مع زعيم التمرد رياك مشار، لم يحدد مكانه ومواعيده، وقال إن مقترحات الحل الأميركي تتمثل في تشكيل حكومة انتقالية وترتيب لقاء مشترك يجمع كير بزعيم التمرد مشار، وأضاف أن ذلك يصب في مصلحة خدمة السلام والاستقرار بجنوب السودان، وقال إنه تقدم بتلك المقترحات لوزراء خارجية دول إيقاد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتضمينها في أجندة التفاوض، وتابع: «إذا لم يلتزم الطرفان بتلك المقترحات، فإن هناك عقوبات ستفرضها عليهم الحكومة الأميركية، نحن نتعامل مع الموضوع بجدية تامة، لأن الآلاف قد قتلوا في هذا الصراع، لا نتحمل أن يعيش جنوب السودان في حالة حرب»، وقال إن مقترحات بلاده جرى تقديمها إلى وسطاء الإيقاد والطرف الحكومي بعد الاستماع إلى تصورات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بجنوب السودان، مشيرا إلى أن كير أكد استعداده لمناقشة مقترح الحكومة الانتقالية مع المتمردين لتحقيق السلام، وقال إن على الوسطاء الإسراع لإنقاذ حياة المدنيين الأبرياء الذين يجري قتلهم في هذا النزاع، وأضاف: «خلال الاجتماع الذي عقدته مع كير أوضحت له أن عليه فعل أي شيء في حكومته لوقف هذه الاعتداءات، وأن يبدأ عملية حوار قومي ومناقشة حقيقية لتحقيق حكومة انتقالية التي يمكن أن تقود إلى سلام في البلاد»، وقال إن كير أكد له أن حكومته ملتزمة بالدعم الكامل لمفاوضات السلام الحالية في أديس أبابا مع المتمردين، وتابع: «كير أكد وبشكل واضح التزامه باتخاذ إجراءات وخطوات للبدء في التواصل في مناقشة حكومة انتقالية، وكان كيري قبل وصوله إلى جوبا قادما من أديس أبابا، قد دعا طرفي النزاع في جنوب السودان وقف القتال وإلا فإن بلاده ستوقع عقوبات ضدهما، محذرا من وقوع جرائم إبادة جماعية في الدولة التي استقلت قبل عامين.
من جانبه قال المتحدث باسم المتمردين حسين مار لـ«الشرق الأوسط» إن المقترح الأميركي في تشكيل حكومة انتقالية يتفق مع موقف وفده في المفاوضات الحالية في أديس أبابا مع وفد سلفا كير، وأضاف: «نحن نريد تشكيل حكومة انتقالية وترتيبات انتقالية وترتيبات دستورية جديدة وحكما فيدراليا، وسنعمل على وقف إطلاق النار»، وقال: «من طرفنا ومن دون واشنطون أو غيرها نحن جاهزون وملتزمون وسنناقش بقلب وعقل مفتوحين لتحقيق السلام في بلادنا والحكومة لا تريد سماع كلمة حكومة انتقالية وتصر على استمرار سلفا كير في الحكم»، وتابع: «هذا لن نقبل به لا بد من إحداث تغيير في مؤسسات الحكم»، مرحبا بمقترح واشنطن بإجراء ترتيبات لعقد اجتماع بين سلفا كير ومشار، وتوقع أن يجري كيري اتصالا هاتفيا مع مشار في وقت لاحق من مساء أمس.
وتحفظ وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم وفد الحكومة مايكل مكواي حول المقترح الأميركي وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المقترحات لا نعرفها ولكن هناك ترتيبات مؤقتة وترتيبات أمنية هذه يمكن مناقشتها ووقف إطلاق النار الشامل»، وأضاف: «المتمردون هدفهم المشاركة في الحكم والمسألة ليست في تشكيل حكومة انتقالية فالأولوية الآن وقف إطلاق النار وإجراء ترتيبات أمنية وعقد مؤتمر جامع لكل الأطراف»، وتابع: «عموما هذا رأي واشنطن ولا نعرف لماذا تأتي منها».



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.