صبت تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في العاصمة التركية أنقرة، وتلك الصادرة عن نيكي هايلي، مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، حول سوريا «مياها باردة» على وفد المعارضة السورية في اليوم الأخير من مفاوضات جنيف، التي أسدلت الستارة عليها من غير إحراز تقدم ملموس. وكان المسؤولان الأميركيان قد كشفا صراحة عن تغير أولويات واشنطن حيال سوريا، وخصوصاً لجهة أن اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة لم يعد مركزا على مصير رئيس النظام بشار الأسد، بل على محاربة «داعش» والإرهاب بشكل عام.
وجاء الموقف المعبّر عنه مباشرة عقب لقاء عقده وفد المعارضة مع الدبلوماسي الأميركي مايكل راتني، المكلف منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، متابعة الملف السوري، وكان قد سبق له أن حضر جولات المحادثات السابقة في المدينة السويسرية. ويتوقع أن تكون الزيارة التي سيقوم بها رئيس «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب وثلاثة آخرون، هم عبد الحكيم بشار وجهاد المقدسي وبسمة قضماني، بين 5 و7 أبريل (نيسان) الحالي إلى واشنطن؛ تلبية لدعوة من معهد كارنيغي من أجل إلقاء مجموعة من المحاضرات، مناسبة للتعرف المعارضة عن كثب إلى الموقف الأميركي، رغم أنه لم يتم الإعلان بعد عن لقاءات مع رسميين أميركيين في وزارة الخارجية أو في إدارة أخرى.
بيد أن المعارضة السورية، رغم وعيها بالتحولات الممكنة في سياسة واشنطن إزاء الملف السوري لا تريد أن تغرق في بحر من التشاؤم. ففي مناقشات مع الكثير من وفد «الهيئة العليا» في جنيف، لا ترى المعارضة أن الأمور «سوداوية كليا»، لا بل إنها ترى فيما هو معروف حتى الآن من السياسية الأميركية «الجديدة» محاور تتقاطع مع ما تسعى إليه المعارضة. وقالت عضو الوفد فرح الأتاسي، وهي أحد أربعة ناطقين باسمه: إن راتني شرح لهم أن الإدارة الحالية، التي أبقته في منصبه، لا بل وسعت صلاحياته وضمت إليها منطقة «المشرق»: «منهمكة في ترتيب أوضاعها الداخلية، ولم تصل بعد إلى مرحلة بلورة سياسة جديدة إزاء سوريا». وعزا راتني ذلك إلى عدم اكتمال الطاقمين الدبلوماسي والإداري في الخارجية، وبسبب مشكلات التعيينات وترتيب المناصب والتضارب في التوجهات. غير أنه شدد، في المقابل، على وضوح هدفين: الأول، محاربة الإرهاب بشكل عام و«داعش» بشكل خاص، والآخر مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، وأبعد منها.
وهنا ترى المعارضة أن هذين الهدفين «يتناسقان» مع طروحاتها: ففي الملف الأول، يركز مسؤولوها على أن مقاتليها هم من يقف بوجه «داعش»، بينما النظام يغذيه ويستفيد من وجوده. كأن المعارضة تريد ألا تلصق صفة الإرهاب بـ«داعش» و«النصرة» وحدهما، بل أن تتعداهما هذه الصفة لتشمل الميليشيات التي ترعاها إيران، فضلا عما تسميه «إرهاب الدولة» أو إرهاب النظام. وكانت هذه المسألة قد خضعت لعمليات تجاذب إبان الجولة الرابعة في جنيف، التي انتهت بجعلها «السلة» الرابعة إلى جانب الحكم والدستور والانتخابات. وأما بشأن مواجهة النفوذ الإيراني، فإن المعارضة تصفق بيديها؛ لأنها ترى أن طهران «اختطفت» منذ سنوات القرار السوري، وأنه لولا الدعم الإيراني متعدد الأوجه لكان الوضع في سوريا مختلفا تماما.
ولكن ماذا عن تصريحات تيلرسون وهايلي؟ ترى الأتاسي، بالنسبة للأول، أن كلامه يمكن أن يفهم بأوجه عدة، أحدها أن قوله: إن «مصير الأسد يقرره الشعب السوري» قد يكون رسالة إلى موسكو وطهران، وليس بالضرورة إلى المعارضة السورية. بمعنى أن هاتين القوتين صادرتا منذ سنوات القرار السوري، وحان الوقت ليعود القرار إلى السوريين. لكن هذه القراءة ليست الغالبة؛ لأن المرجح أن كلام وزير الخارجية الأميركي يعني أن واشنطن تقبل بقاء الأسد في منصبه. والفارق الوحيد بين كلام تيلرسون وكلام سلفه الوزير السابق جون كيري أن الأول يقول علناً ما كان الثاني يسرّ به في الاجتماعات المغلقة، وبالتالي، فإن سياسة الرئيس دونالد ترمب لم تبتعد كثيرا عن سياسة سلفه في البيت الأبيض. وجاء كلام الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر يوم أول من أمس (الجمعة) ليبين أن إدارة ترمب ماضية في تظهير مواقفها؛ إذ قال إنه «فيما يتعلق بالأسد، يوجد واقع سياسي علينا أن نقبله فيما يخص موقفنا الآن» من سوريا.
بموازاة ذلك، تعتبر المعارضة أن تصريحات هايلي «اجتزئت» من سياقها، كما أنها لم تصدر في محفل رسمي كالأمم المتحدة، مثلاً، بل جاءت في إطار جديد في مجلس العلاقات الخارجية، وأنها بعثت برسالة إلى المعارضة «توضح» فيها موقفها. وفي أي حال، فإن المعارضة تجد نفسها حائرة وسط «التضارب» في مواقف الإدارة الأميركية بين ما يصدر عن وزارة الدفاع، وتلك الآتية من وزارة الخارجية. وقال نصر الحريري، رئيس وفد «الهيئة العليا» إلى جنيف: إن الشعب السوري، عندما أطلق احتجاجاته «لم يقم بذلك بأمر من دولة أو بسبب تصريح من هنا أو هناك».
الخلاصة التي تصل إليها المعارضة، أنه «يهمها أن تكون الرسالة الأميركية واضحة، وهذه ليست حالها اليوم». كذلك، فإنها ترى أن هذا التشويش «يضر بمصداقية» الولايات المتحدة، وهي تريد أن تكون مواقف واشنطن واضحة، بحيث «لا تصدر عنها رسائل متناقضة».
وتبقى محصلة الأيام الثمانية من «جنيف 5»، وفي هذا الصدد تقول فرح الأتاسي: إن «الهيئة العليا» التي تتكلم باسمها «لا تريد أن تدخل في المفاوضات من أجل المفاوضات»، أو أن نذهب إلى جنيف 15 أو 20. ورغم غياب النتائج الملموسة والمؤثرة فعليا في سير المفاوضات، فإن «جنيف 5» بنظر وفد الهيئة العليا «حملت بعض التقدم»؛ وهو ما دافع عنه المبعوث الدولي في مؤتمره الصحافي الختامي. ويندرج التقدم المشار إليه في تناول كل الملفات، و«إحراز تقدم بسيط في ملف الانتقال السياسي، حيث بدأ الدخول في مناقشة المحتوى والإجراءات المصاحبة والتفاصيل».
وتؤكد الأتاسي، أن وفد النظام «انخرط» في مناقشة الملفات الأربع، علما بأن النقاش يدور عبر الوسيط الدولي ولم يصل بعد إلى مرحلة التفاوض المباشر. وباختصار، فإن الشعور العام هو أن «تقدما كبيرا لم يحصل، لكن بالمقابل لم يحصل تراجع». لكن السؤال الكبير هو: هل هذا كاف للوصول يوما ما إلى إيجاد تسوية لملف الحرب في سوريا؟
الجواب واضح وقاطع، وفحواه أن ما يجري في جنيف، كما يقول دبلوماسي غربي متابع لملف المفاوضات: «ليس بالأمر الأهم، بل الأهم هو ما يحصل ميدانيا من جهة، وما يتم طبخه بين العواصم المؤثرة من جهة أخرى». من هنا، أهمية «انتظار» ما ستأتي به الإدارة الأميركية من جديد في القادم من الأيام.
المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»: نتقاطع مع واشنطن في هدفَي محاربة الإرهاب واحتواء النفوذ الإيراني
فرح الأتاسي: لن نبقى في جنيف للتفاوض من أجل التفاوض وعلى الأميركيين «توضيح» سياستهم
المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»: نتقاطع مع واشنطن في هدفَي محاربة الإرهاب واحتواء النفوذ الإيراني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة