عاد عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، إلى الواجهة من جديد بخطابه السياسي القوي، وذلك خلال حفل تأبين محمد بوستة، زعيم حزب الاستقلال الراحل، الذي أقيم مساء أول من أمس في الرباط.
ودافع ابن كيران أمام حشد كبير من الحضور عن منهج الاعتدال الذي اختاره بوستة، ووصفه بأنه «طريق صعب يعرّض صاحبه لتطرف الذين في يساره ويمينه، ويتعرض لطموحات الذين يعتبرون الوطن كعكة لا يريدون أن يتركوا منها للفقراء شيئا».
وأضاف ابن كيران «ليس هناك شخص انتدب لخدمة الشأن العام وخدمة المواطنين إلا وجد نفسه أمام أربعة خيارات: خيار الثورة ودخول المتاهات، أو خيار الانبطاح مقابل الامتيازات، أو خيار التهميش والاهتمام بالأمور الشخصية، أو أن يسير في طريق الاعتدال».
وخاطب ابن كيران الاستقلاليين قائلا: «صدقوني لو كان بوستة بيننا وحكى لكم حياته، لعرفتم أنه عانى الكثير، لكن يا ترى من أين استمد هذه القوة؟ لقد استمدها من عقيدته الإسلامية الصلبة وتكوينه وزهده ونظافة يده، واليوم أريد أن أقول لكم إن الوطن في حاجة إلى هؤلاء الذين لا يترددون في مناصرة المشروعية واعتبارها قضية شخصية لا يدخل فيها لا منصب ولا مال، ولا جاه ولا حذر ولا خوف، وفي الوقت نفسه يكونون قادرين على رفع راية المواطن وعموم الشعب، والمقاولة والموظفين والأطر، والفقراء والمحتاجين الذين لا صوت لهم». ولفت ابن كيران في هذا السياق إلى أن «التنازل الذي يكون دافعه مصلحة الوطن ليس تنازلا، التنازل هو الذي يكون من أجل المصالح وبمقابل»، وذلك في تلميح إلى التنازل الذي قدمه خلفه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المكلف، عندما تنازل عن رفض إلحاق حزب الاتحاد الاشتراكي بالحكومة.
وأثنى رئيس حكومة تصريف الأعمال على خصال الراحل، وقال إن «جنازة بوستة كانت علامة على ما قام به»، مستشهدا بما قاله الإمام أحمد «بيننا وبينكم الجنائز». وتابع موضحا «بيننا وبين المنتفعين، والذين يعتبرون الوطن خالصا لهم يستمتعون به كما يشاؤون ولا يبالون بأهله، بيننا وبينهم الجنائز، حيث تخرج الجماهير للتعبير عن عاطفتها ولا تبالي».
ووصف ابن كيران حزب الاستقلال بأنه مدرسة، و«مذهبه وسطي لو اتبعه الكثيرون لما وقعنا في الكثير من المآسي»، وقال إنه «ليس هناك مغربي ليس له حظ في (الاستقلال)، إما سبق أن انتمى إليه، أو أن أحد أفراد أسرته ينتمي إلى هذا الحزب... ويكفيني فخرا أن والدتي استقلالية، وحتى لما سألها حفيدها عمن صوتت وأنا أمين عام حزب العدالة والتنمية، قالت له: ليس شأنك»، ويعتقد ابن كيران أن والدته ماتت وهي «استقلالية».
واستغل ابن كيران المناسبة لدعوة قادة حزب الاستقلال إلى التمسك بالوحدة، وذلك في ظل الخلافات التي يعيشها الحزب، وخاطبهم قائلا: «حافظوا على وحدتكم؛ فالمغرب ما زال يحتاج إليكم. حزب الاستقلال يجب أن يبقى قويا، وصامدا وموحدا كما يريده الراحل بوستة».
ورأى مراقبون في كلمة ابن كيران التي حملت رسائل عدة إلى من يهمهم الأمر، إشارة من ابن كيران إلى أنه لن يعتزل العمل السياسي، ولن يعتكف في بيته، بل سيواصل العمل السياسي من دون قيود المنصب الحكومي.
ووجه الملك محمد السادس رسالة بالمناسبة، تلاها مستشاره عبد اللطيف المنوني، وصف فيها بوستة بأنه «أحد رجالات الدولة الكبار المشهود لهم بالكفاءة، وبعد النظر والالتزام بخدمة قضايا الوطن والمواطنين»، كما قال عنه بأنه كان «وطنيا غيورا، ورجل دولة كبيرا، ومناضلا سياسيا وحزبيا مقتدرا، ونقيبا مجددا، إضافة إلى ما كان يمتاز به من خصال إنسانية رفيعة».
وأشار العاهل المغربي في رسالته إلى أن بوستة أبان طيلة مساره الحافل بالعطاء الوطني الصادق عن روح المسؤولية العالية، والتفاني ونكران الذات، في مختلف المهام والمسؤوليات النيابية والحكومية والدبلوماسية، التي تقلدها، بكل كفاءة واقتدار.
وأشاد الملك محمد السادس بوفاء بوستة للثوابت والمقدسات، وتفانيه في الدفاع عنها: «وفي صدارتها عدالة قضيتنا الوطنية».
كما تحدث العاهل المغربي عن الدور، الذي قام به بوستة في إنجاح إخراج مدونة (قانون) الأسرة التي عرفت خلافا حادا بين الإسلاميين واليساريين، وقال في هذا السياق: «قررنا سنة 2003 تعيين الفقيد على رأس اللجنة الاستشارية المكلفة إدخال إصلاحات جوهرية على مدونة الأحوال الشخصية آنذاك. وبالفعل فقد كان عند حسن ظننا، وأدى الأمانة على أكمل وجه، عبر مساهمته البناءة في استكمال اللجنة المذكورة لأشغالها، وإخراج مدونة متقدمة للأسرة».
ووصف ملك المغرب بوستة بأنه كان «مناضلا متمرسا وموهوبا، وزعيما حزبيا حكيما، يقدر العمل السياسي النبيل، ويمارس السياسة بأخلاقياتها، وسمو مقاصدها»، مبرزا أنه اتسم بأسلوبه المتميز، بصفته «رجل منهج وإقناع، أكثر منه رجل سجال، يدرك بحدسه أن ماهية العمل السياسي الجاد هي بالأساس، بحث شاق ودائم لتحقيق التعبئة الضرورية لبلوغ الأهداف الملائمة لكل مرحلة، وكل ذلك في إطار وعي عميق بأهمية الانخراط في الحفاظ على التوازنات الكبرى المؤسسة للدولة المغربية، وإعطاء الأولوية للعمل المشترك الهادف».
ولم يكتف العاهل المغربي بهذا الحد، بل قال: «إننا لم نعتبره أبدا حكيما صامتا، بل حكيما بالمعنى الكامل للكلمة»، مشيرا إلى أن بوستة كان يعرف «متى لا يتكلم، ومتى لا يصمت. وهو نهج رصين صار عليه، رحمه الله، إلى آخر أيامه، ومهما أبرزنا من خصال الفقيد، فسنكون مجحفين في حقه، إذا لم نتطرق إلى جانبه الإنساني الأصيل».
وألقى عدد من القيادات الحزبية شهادات في حق الراحل، بينهم رفيق دربه محمد الدويري ومحمد الخليفة، ومحمد بن سعيد آيت إيدر، كما ألقى حميد شباط، الأمين العام الحالي للحزب، كلمة سرد فيها محطات من حياة الراحل، الذي تميز بمواقفه السياسية الجريئة منذ ستينيات القرن الماضي.
ابن كيران: الاعتدال طريق صعب يناهضه من يعتبرون الوطن كعكة
دعا قادة «الاستقلال» إلى الحفاظ على وحدة الحزب
ابن كيران: الاعتدال طريق صعب يناهضه من يعتبرون الوطن كعكة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة