بائعات اللب والتسالي في السودان من شريحة المهمشين، هن نساء يعشن تحت خط الفقر، سماهن الكاتب السوداني بركة ساكن، «ملح الأرض». نراهم جالسات في الطرقات العامة أمام المؤسسات والمدارس يفترشن الأرصفة ويبسطن بضاعتهن تحت أشعة شمس تصل إلى الأربعين مئوية صيفا.
تقول الحاجة نعمة «30 عاما» والتي تستظل بالكوبري المركزي وسط العاصمة السودانية، إنها لا تعرف مهنة غير بيع التسالي التي توارثتها عن أمها وجدتها، منذ انتقالهم للعيش في الخرطوم.
تعاني نعمة هذه الأيام من انخفاض الشراء وقلة المتسوقين في ظل موجة الغلاء التي تجتاح البلاد، وتشتكي قائلة: «لم نعد نستطيع شراء بذور القرع أو بذور البطيخ لارتفاع سعرها. في الماضي كنت أشتري الكيلو بعشرة جنيهات وأبيعه بثلاثين جنيها، أخرج رأس مالي وأصرف ما تبقى من ربحي على مستلزمات البيت، أما الآن فأصبحت الأمور صعبة»، ورفعت وجهها إلى السماء وهي تردد عبارة: «الله كريم».
أغلب من يمتهنّ بيع اللب والتسالي يلقبن بـ«الحاجة». وترجع هذه التسمية إلى بعض القبائل الأفريقية التي كانت تعبر السودان في رحلتها إلى حج بيت الله الحرام، فكانت نساء هذه القبائل يمتهنّ بيع اللب والتسالي وبعض الحلويات الأخرى، لجمع مال يساعدهن في رحلتهن الطويلة إلى الحج. أما اليوم فقد بقي اللقب واختلفت الأسباب، إذ لعبت الحروب دورا في نزوح النساء من الريف إلى المدينة والدخول في مجالات عمل غير منتظم. ولأنه مصدر الرزق الوحيد لهن، لا تغيب بائعات اللب والتسالي عن السوق إلا لأمر جلل، وكل شهور السنة موسم لهن ما عدا رمضان.
بعض بائعات التسالي واللب يرفضن البيع مباشرة في الأسواق لشعورهن بالخجل، فيقمن بإعداده وتحميصه وتجهيزه بالجملة، ومن ثم توزيعه على البائعات، في تطور يوضح أن هذا النوع من التجارة أصبحت فيه أدوار مختلفة، مثل تاجر الجملة وتاجر التجزئة، وصولا إلى المستهلك النهائي.
ما زالت تجارة اللب والتسالي حكرا على «الحاجات» في السودان، رغم دخول بعض المحامص الحديثة السوق التنافسية، وبعض الرجال ممن يسمون ببائعي الدليفري، حيث ينتقلون بعرباتهم الخشبية بين المنازل.
يرتبط أطفال المدارس «بالحاجة» التي تبيع أمام مدرستهم، إذ يلتفون حولها بفرح كبير في نهاية اليوم الدراسي، فلا يعرفون ما الذي يسعدهم أكثر: وجود الحاجة بانتظارهم أم نهاية دوام دراسي.
تقول الحاجة زينب أبكر، والتي تعمل قرب محطة بنزين وتسكن أطراف الخرطوم، إنها تعود متأخرة إلى البيت متعبة من ضوضاء الشارع لتبدأ رحلة التحضير لليوم التالي، وتؤكد أنها صابرة لأن الواقع يحتم عليها ذلك.
رقة الحال لا تمكّن بائعات التسالي من شراء معدات تساعدهم في حمل بضاعتهن، فيكتفين بما يعرف بـ«القفة» يحملن فيها التسالي مربوطة بأكياس، مع القليل من المتاع على رؤوسهن، حتى يجدن المكان المناسب لافتراشه، والاستعداد لأول زبون مع ابتسامة وقناعة بالقليل.
تشير الإحصاءات عام 2003 في الخرطوم، إلى أن نسبة أعمار النساء اللاتي يعملن في مهن هامشية أو غير منتظمة تتراوح بين الثلاثين والخمسين عاما. وغالبا ما يلجأ النساء إلى هذا النوع من المهن لغياب التوازن الأسري والحروب، بالإضافة إلى عدم قدرتهن على التنافس في مجالات أخرى من العمل، وسهولة الحصول على تكلفة الإنتاج.
يذكر أن بذور البطيخ من السلع التي تدر عائدا لخزينة الدولة، حيث يصدر السودان 50 ألف طن سنويا، وتعتبر السعودية ومصر واليمن والهند، من أهم الأسواق العالمية التي تستهلك بذور البطيخ السوداني. ويبلغ حجم الاستهلاك العالمي 60 في المائة، أما الـ40 في المائة المتبقية، فتستهلكها السوق المحلية.
يستخدم حب البطيخ أيضا لأغراض صناعية، كونه يدخل في صناعة مستخلص زيوت الشعر للأطفال، كما تزيد التسالي المحمصة نشاط الدورة الدموية، لاحتوائها على فيتامين «ب».
بائعات اللب والتسالي في السودان يكافحن تحت الشمس
تجارتها حكر على النساء رغم دخول المحامص الحديثة
بائعات اللب والتسالي في السودان يكافحن تحت الشمس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة