مثلما يلجأ المحبون إلى بعض الجسور حول العالم لتسجيل ذكرياتهم بوضع ما يعرف بـ«أقفال الحب» عليها، أو ما يفعله آخرون بالكتابة والرسم على جذوع الأشجار في المتنزهات والأماكن العامة لتوثيق لحظات مميزة تمر بهم؛ يحرص المسافرون في «محطة مصر» أو مبنى السكك الحديدية الرئيسية في العاصمة المصرية القاهرة على عمل مشابه لتخليد ذكرياتهم، لكن بـ«نكهة مصرية» لا تخلو من بعض الطرافة.
ففي بهو المحطة يوجد مجسم (ماكيت) مصغر لهذا المكان العريق، موضوع داخل صندوق من الزجاج، احتل مكانه قبل سنوات قليلة عاكسا التطوير الذي شهدته في منشآتها ومحيطها، إلى جانب مجسمات مصغرة للقطارات، إلا أن وظيفته في التعريف بتاريخ المكان وجغرافيته تغيرت تماما قبل نحو عام، بعد أن دأب المسافرون على إلقاء صورهم أو متعلقاتهم بداخله، من بين الفواصل الزجاجية، ثم يرحلون كل إلى وجهته، تاركين ذكرياتهم في هذا المكان، مما حول المجسم إلى ما يشبه «صندوق ذكريات».
ومع الخطوات الأولى داخل بهو المحطة في طريقك لاستقلال القطار يلفت نظرك الصندوق، ومن يلتفون حوله من المسافرين لمشاهدة الذكريات الملقاة بالداخل، والتي تتخطى الصور الشخصية إلى كروت التعريف والهوية، أو النقود، أو كلمات كتبت خصيصا تعكس بعض الأمنيات، مثل ما كتبه أحدهم على ورقة بيضاء قال فيها: «اللهم اجعلني ذكرى جميلة».
المتحلقون حول الصندوق يجمعهم الفضول لرؤية الذكريات الملقاة بداخله، إلا أنهم لا يتفقون في الرأي حول هذا التقليد، فمنهم من يرحب بهذا السلوك، معللا ذلك بأنه مجرد تعبير بسيط من جانب البعض لتوثيق مرورهم بهذا المكان في يوم من الأيام، لا سيما إن كانوا من محافظات بعيدة وقليلي التردد على القاهرة. وفي المقابل، يرى البعض أنه تصرف ساذج ومحاولة للفت انتباه الآخرين، ويعمل على إفساد المشهد الجمالي والذوق العام للمكان.
ومثلما أطلقت تحذيرات لإزالة أقفال الحب من الجسور، لأنها تمثل تهديدا نظرا لثقلها، تقوم إدارة «محطة مصر» بين حين وآخر بانتشال هذه الصور والمتعلقات، إلا أن الصندوق لا يلبث أن يملأ مجددا بالذكريات.
في جانب آخر من بهو المحطة، يمتد مشهد تسجيل الذكريات إلى الحرص على التصوير أمام النصب التذكاري، المُشيد على هيئة شكل هرمي على الأرض ومن فوقه ما يشبه مسلة مقلوبة قاعدتها إلى السقف.
ففي مشهد معتاد ليلا ونهارا، يحرص عليه المسافرون، كبارا وصغارا، يخرج الجميع أجهزتهم الجوالة لالتقاط الصور أمام هذا النصب، ومن خلفه بهو المحطة المزين بنقوش فرعونية.
يذكر أن السكك الحديدية المصرية تعد ثاني أقدم محطات السكك الحديدية في العالم بعد بريطانيا، وأول سكك حديدية في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث أنشئت في عهد الخديو سعيد عام 1854. وقد تولى تصميم مبنى المحطة المهندس المعماري البريطاني الشهير إدوين باتسي، ليصبح المبنى العريق من أهم مميزات القاهرة الخديوية حتى اليوم.
مسافرو القطارات بالقاهرة يلقون صورهم داخل مجسم «محطة مصر»
أحدهم كتب أمنيته: اللهم اجعلني ذكرى جميلة
مسافرو القطارات بالقاهرة يلقون صورهم داخل مجسم «محطة مصر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة