عندما يشارك وزير الخزانة الأميركي الجديد «ستيفن مونشن» في اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين في مدينة بادن بادن الألمانية نهاية الأسبوع الحالي، سيطرح خطة أميركية مغايرة عن تلك التي اعتادها العالم من واشنطن.
وفي ظل شعار «أميركا أولا» الذي يرفعه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، فإنه من المتوقع أن تتمثل السياسة الاقتصادية والتجارية التي سيعرضها «مونشن» على نظرائه في اجتماعات مجموعة العشرين - وفقا لوكالة الأنباء الألمانية - فيما يلي:
الاتفاقيات التجارية
التحول الأكبر بالنسبة لإدارة ترمب تمثل في قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، التي تضم 12 دولة أميركية وآسيوية تطل على المحيط الهادي، كما دعا إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية «نافتا» القائمة منذ نحو عقدين من الزمان وتضم إلى جانب الولايات المتحدة، كندا والمكسيك.
في الوقت نفسه، فإن مفاوضات اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية عبر المحيط الأطلسي مع الاتحاد الأوروبي أصبحت في موضع شك، حيث قال ترمب إنه يفضل الاتفاقيات الثنائية على الاتفاقيات متعددة الأطراف، لكن دول الاتحاد الأوروبي لا تستطيع الدخول في اتفاقيات تجارية أو اقتصادية منفردة.
وفي خطابه أمام الكونغرس، الشهر الماضي، دعا ترمب إلى «التجارة العادلة» مع سياسات تحمي العمال الأميركيين. ولم يتضح حتى الآن، ما الاتفاقيات التجارية التي يمكن أن يدخل فيها ترمب، إن كان له الدخول في اتفاقيات تجارية دولية.
الضرائب على السلع المستوردة
أشار الرئيس الأميركي ترمب إلى رغبته في فرض ضريبة واردات على كل السلع التي تستوردها الولايات المتحدة، لكن كثيرين من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترمب استقبلوا هذه الفكرة ببرود شديد، حيث إن الجمهوريين يدعمون منذ أمد بعيد التجارة الحرة.
ويعتقد ترمب أنه يستطيع تشجيع الشركات على إنتاج السلع في الولايات المتحدة، وبالتالي خلق مزيد من الوظائف، في حين يرى آخرون أن هذه السياسة يمكن أن تشعل حروبا تجارية مع زيادة أسعار المنتجات التي يتم إنتاجها داخل الولايات المتحدة.
تخفيف النظم والقواعد
أمر ترمب حكومته بتقليل عدد النظم والقواعد المنظمة للأنشطة الاقتصادية بشكل خاص، ودعا بشكل محدد إلى مراجعة بعض الإصلاحات المالية التي تم تطبيقها في أعقاب الأزمة المالية التي تفجرت في خريف 2008.
وسيتأثر النظام المالي العالمي، والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة تقليديا في هذا النظام، بمدى الإصلاحات أو التغييرات التي ستطبقها المؤسسات الأميركية في نهاية المطاف.
التلاعب بأسعار الصرف
تحركات الإدارة الأميركية على المسرح العالمي يمكن أن تشدد بشكل خاص الضغوط على الصين، في ظل تعهد ترمب باعتبار بكين دولة تتلاعب بسعر العملة.
من ناحيته يقول «مونشن» إن الإدارة الأميركية لم تتخذ قرارا بعد بشأن هذا الملف، وإن وزارة الخزانة تقيم الموقف بدقة.
وكان أحد كبار مساعدي ترمب للشؤون التجارية قد اتهم حلفاء لواشنطن بالتلاعب بأسعار الصرف، حيث اتهم ألمانيا بالتلاعب بسعر صرف اليورو، واليابان بالتلاعب بسعر صرف الين؛ لتحقيق مزايا تنافسية للمنتجات الألمانية واليابانية في الأسواق الدولية والسوق الأميركية بشكل خاص.
كان رئيس مجلس التجارة الوطني التابع للبيت الأبيض، بيتر نافارو، قد هاجم كلا من ألمانيا والصين واليابان، وربط بين ادعائه بالتلاعب في أسعار الصرف والعجز التجاري للولايات المتحدة الذي يبلغ 65 مليار دولار.
وقال «نافارو» في كلمة له في العاصمة الأميركية واشنطن: «في ظل عالم حقيقي توجد به أسعار صرف ثابتة، وتعويم مدار، وتلاعب في العملة لا يمكن تصحيح العجز التجاري للولايات المتحدة».
ويلتقي وزراء المالية محافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، يومي السبت والأحد، المقبلين، في مدينة بادن بادن الألمانية، لمناقشة المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي.
يذكر أن مدينة بادن بادن المتأثرة بشدة بالحياة والثقافة الفرنسية في القرن التاسع عشر، تضم مجموعة من أفخم فنادق أوروبا، بما في ذلك فندق برنرز الشهير، الذي يبعد مسافة قصيرة عن المجمع الترفيهي الصحي المعروف باسم «كورهاوس».
وسيقول أي شخص يقابلك في المدينة إن الممثلة الألمانية الأسطورية مارلين ديتريش تصف هذا المجمع بأنه «أجمل صالة قمار في العالم» وسيضيف سريعا: «أنا أعرفه كما لو كنت قد رأيته».
وبعد أن يمروا على المكونات المعمارية المميزة للمدخل العظيم لمجمع «كورهاوس»، سيجد وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة العشرين أنفسهم بسرعة يحاولون الوصول إلى حلول للمشكلات الاقتصادية في العالم الحديث.
في الوقت نفسه، فإن العادات القديمة لمدينة بادن بادن لا تختفي بسهولة، لذلك، يمكن أن يجد الوزراء أنفسهم وقد ابتلعتهم سلسلة الصالونات الفخمة المقامة على طراز الكلاسيكية الجديدة الفرنسية المزينة بالمرايا والثريات والمفروشات الفاخرة الحمراء لكي يناقشوا الأحداث العالمية.
كانت مدينة بادن بادن، وهي أقدم مدن القمار في ألمانيا، قد عاشت عصرها الذهبي في مطلع القرن التاسع عشر عندما حظرت فرنسا ممارسة القمار.
ومنذ ذلك الوقت تردد مجموعة من الأمراء الروس (ومؤخرا المليارديرات الروس)، واللوردات الإنجليز والنبلاء الفرنسيين ونجوم السينما والشعراء على نادي القمار الشهير فيها، ولكن أيام مجد هذا الكازينو بدأت تتلاشى.
في الوقت نفسه، فإن المدينة التي يعيش فيها نحو 54 ألف نسمة تقع على حدود ضاحية «بلاد فورست» في ولاية «بادن فورتمبرغ» وهي ولاية وزير مالية ألمانيا الحالي، فولفغانغ شويبله الذي سيرأس اجتماع وزراء مالية دول العشرين.
كما يستضيف مجمع «كورهاوس» الذي يقع على نهر «أووس» الصغير، كثيرا من الحفلات الموسيقية والراقصة، كما أن مدينة بادن بادن تضم أكبر دار أوبرا في ألمانيا، وهي أوبرا فيشتسبيلهاوس.
في الوقت نفسه، سيكون على زوار مدينة بادن بادن البحث عن أماكن أخرى لقضاء وقتهم غير مجمع «كورهاوس» خلال يومي اجتماعات وزراء المالية؛ بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة التي سيتم فرضها على المكان خلال اجتماعات مجموعة العشرين.
وأنشئت مجموعة العشرين عام 1999 بناء على مبادرة من مجموعة السبع؛ لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة كالصين والبرازيل والمكسيك، لمناقشة الموضوعات الرئيسية التي تهم الاقتصاد العالمي. وتضم من قارة آسيا دول الصين والهند وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية، ومن أفريقيا، جنوب أفريقيا، ومن أميركا الجنوبية، الأرجنتين والبرازيل، ومن أوروبا، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا وتركيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ومن أميركا الشمالية، أميركا وكندا والمكسيك إلى جانب أستراليا.