قدّم نواب يمثلون مجموعة من الأحزاب في البرلمان التونسي مبادرة قانونية تتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية الموجهة إلى موظفي القطاع العام، على خلفية قضايا تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام.
وأعادت هذه المبادرة جدل المصالحة الذي يخفي بين طيّاته الخلاف السياسي بين النظامين القديم والجديد، إلى واجهة اهتمام الطبقة السياسية في تونس وقسمت الأحزاب السياسية بين مؤيدين لعملية المصالحة وطي صفحة الماضي، وآخرين رافضين بشدة لهذه المبادرة مسلحين بحجج وبراهين قانونية وسياسية. ودعت أحزاب «المبادرة الوطنية الدستورية» و«الدستوري الحر» (وهما من بين أحزاب يقودها منتمون إلى حزب التجمع المنحل)، وحركة مشروع تونس بزعامة محسن مرزوق، إلى التسريع بتحقيق المصالحة الوطنية وتجاوز تصفية الحسابات السياسية. وتأتي هذه الدعوة الجديدة إلى المصالحة إثر صدور أحكام قضائية بالسجن والنفاذ العاجل ضد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ومجموعة من وزرائه، بينهم كمال الحاج السياسي المسؤول عن صندوق 2626 وسميرة خياش وزيرة التجهيز والإسكان، فيما يعرف بقضية الفنانة الأميركية ماريا كاري.
وفي دفاعه عن خيار المبادرة القانونية الداعية إلى المصالحة، قال خميس قسيلة القيادي في حزب النداء (من الائتلاف الحاكم) إن المبادرة التي قدمها النواب إلى البرلمان تهدف بالأساس إلى إعادة الثقة إلى إطارات الدولة وتحرير الإدارة التونسية من حالة الشلل التي أصابتها منذ سنة 2011. وتجاوز إحجام الموظفين عن تحمل المسؤولية، والتوقيع على الوثائق الإدارية التي تهم إنجاز المشاريع، وهذا أمر ملحوظ في معظم الإدارات التونسية على حد قوله: «وذلك بسبب الخوف من العقاب والملاحقة القانونية في حال إمضاء القرارات الإدارية».
ويثير الفصل 96 من القانون الجزائي في تونس جدلا واسعا بين القيادات السياسية على خلفية إقراره بمحاكمة رموز الفساد المالي والإداري التي شملت كلا من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وأصهاره وأقاربه ووزرائه ومستشاريه، وغيرهم من الموظفين الساميين في الدولة ممن ثبتت ضدهم عمليات فساد مالي.
ويدعم حزب النداء الذي أسسه الباجي قائد السبسي سنة 2012 وحركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي، وهما أهم حليفين سياسيين منذ انتخابات 2014 نهج المصالحة والتوافق السياسي. ومن الناحية الدستورية، بإمكانهما تمرير قانون المصالحة اعتمادا على الأغلبية البرلمانية التي يحظون بها؛ إذ يتمتعان بـ136 مقعدا برلمانيا بينهما في حين أن الأغلبية تتطلب 109 أصوات فقط. إلا أن تلويح أحزاب المعارضة برفض هذا القانون وتلويحها بالنزول إلى الشارع لإبطاله، أجلت النظر فيه وإدراجه في البرلمان.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد تقدم في شهر يوليو (تموز) من عام 2015، بمشروع قانون إلى البرلمان يقضي بالمصالحة الاقتصادية والمالية، ولم يتم عرضه على اللجان البرلمانية المختصة نتيجة طبيعته الخلافية وعدم توافق الأحزاب الممثلة في البرلمان حول صيغة المصالحة وكيفية التمتع بها ومدى التداخل بين هذا القانون وهيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية) في مجال قانون العدالة الانتقالية.
في المقابل، أعلن نواب ممثلون لتحالف الجبهة الشعبية (تحالف يساري معارض) عن معارضة مشروع قانون المصالحة، وانضم لهم حزب التيار الديمقراطي بزعامة محمد عبو، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وعدة أحزاب معارضة أخرى.
وفي هذا الشأن، قال زياد الأخضر القيادي في الجبهة الشعبية، إن نواب الجبهة سيرفضون من جديد هذه المبادرة في حال ما إذا كان محتواها لا يختلف عما ورد في المبادرة الأولى التي أعلن عنها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. وأكد أن الجبهة لا تريدها «مصالحة مغشوشة» لا تفضي إلى وحدة التونسيين وإرجاع ممتلكات المجموعة الوطنية.
في غضون ذلك، قال سمير بن عمر القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (من الأحزاب المعارضة) لـ«الشرق الأوسط» إن المصالحة بأشكالها المختلفة أدرجت ضمن مسار العدالة الانتقالية المضمن في قانون صادر نهاية 2013، وقد كلفت هيئة الحقيقة والكرامة بتنفيذه. وأضاف أن المصالحة لا تعني في كل الأحوال الإفلات من العقاب، خاصة بالنسبة لجرائم الاستيلاء على المال العام. ودعا بن عمر إلى مصالحة حقيقية ترجع أموال التونسيين وتجبر المذنبين على الاعتذار عن أخطاء الماضي.
خلاف حاد بين الأحزاب التونسية حول ملف المصالحة
مطالب بإرجاع «أموال التونسيين» واعتذار المذنبين عن أخطائهم
خلاف حاد بين الأحزاب التونسية حول ملف المصالحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة