رغم أن المرأة خبيرة مالية ناجحة بالفطرة إلى حد بعيد؛ كونها غالباً ما تدير منذ الأزل بشكل طبيعي اقتصاد أصغر المؤسسات المتعارف عليها وهي «الأسرة» بشكل متميز، متضمنة بنود اقتصادية من الطراز الرفيع مثل «وضع وإدارة الموازنات»، و«سد العجز»، و«التحوط»، و«الاستثمار»، وربما «الاقتراض» عند الحاجة مع توفير «ضمانات قوية» - فإن المرأة على مستوى العالم لا تزال تجد صعوبات جمة في اقتحام عالم المال والأعمال الاحترافي بشكل مساوٍ للرجل.
وعلى هامش احتفال العالم بيوم المرأة العالمي الذي جرى الأربعاء الماضي، تعددت التقارير من مشارق الأرض ومغاربها خلال الأيام الماضية، التي تناولت بالأرقام والإحصاءات حجم مشاركة المرأة عالميا في مختلف القطاعات، وخاصة ما يتعلق منها بالاستثمارات والاقتصاد.
وفي تقرير بعنوان «المساواة بين الجنسين» أصدره مكتب الاستثمار الرئيسي التابع لمجموعة «يو بي إس لإدارة الثروات»، ظهر أن النساء ما يزلن لا يحظين سوى بنسبة 59 في المائة من الفرص والمساهمات الاقتصادية التي يتمتع بها الرجال حول العالم، وذلك بالإضافة إلى أن القوانين والتشريعات في كثير من الحالات لا تزال تفتقر للمستوى المطلوب من الاهتمام بحقوق النساء وحمايتهن.
وأشار التقرير، ومجموعة بوسطن الاستشارية «بي سي جي»، إلى أن 2 في المائة فقط من مديري الثروات الخاصة يعاملون النساء بصفتهن مجموعة مميزة ذات حاجات خاصة. ساعياً في سطوره لتقديم توصيات يمكن للأفراد الأثرياء انتهاجها للمساهمة في تحقيق هدف الأمم المتحدة الخامس للتنمية المستدامة، والمتمثّل في تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين الفتيات والنساء كافة.
وجاء التقرير متزامنا مع آخر، صدر عن مكتب الإحصائيات الأوروبية (يوروستات)، والذي أوضح أن «التمييز الوظيفي»، بما يشمله من الفوارق في الرواتب وضعف التمثيل في مراكز القرار، تبقى من أهم المشاكل التي تواجه المرأة في أوروبا والعالم. مؤكدا أن دخل الرجال في منطقة اليورو وفي عموم أوروبا يزيد على دخل النساء اللاتي يشغلن المنصب نفسه، بمعدل متوسط نحو 16.4 في المائة.
واستمرت تلك الفجوة رغم كل المحاولات الأوروبية لمحوها، والتي بدأت مبكرا - نسبيا - قبل 60 عاما، حين شكلت المساواة بين النساء والرجال جزءاً لا يتجزأ من معاهدة روما بصفتها واحدة من القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي.
وارتفعت عمالة النساء في الاتحاد الأوروبي إلى نسبة غير مسبوقة وصلت إلى 65.5 في المائة من إجمالي عدد الأوروبيات في عام 2016. ولكن الفارق ما زال كبيراً مقارنة بنسبة الرجال التي تبلغ 77 في المائة من إجمالي عدد الرجال في دول الاتحاد.
* في وجه الثور
شركة «ستيت ستريت غلوبال أدفيسورس»، والتي تعد إحدى أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، سعت من جهتها لإثارة المشكلة بشكل جديد، حيث قامت بوضع تمثال برونزي يمثل فتاة صغيرة تقف بشجاعة في وجه «ثور وول ستريت» الشهير، رمز البورصة وحي المال... وذلك للفت الانتباه إلى نقص المديرات في الشركات، وظاهرة عدم المساواة بين الجنسين.
وأوضح مدير الشركة رون أوهانلي، في بيان نقلته «يورو نيوز» أن «الأبحاث تشير إلى أن الشركات التي فيها مساواة بين الجنسين، وتتمتع بالتنوع، يكون أداؤها المالي أقوى. ويشير أيضا إلى أن تلك الشركات تقل فيها الرشاوى والفساد والمشاكل بين أصحاب الأسهم»، مؤكداً ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة من أجل زيادة عدد المديرات والعاملات في الشركات.
وفي مثال واضح على هذا التباين المبني على الجنس، وبفرص عمل لا تتجاوز 5 في المائة فقط على رأس صناديق التحوط، حققت النساء نجاحا باهرا في إدارة أعمال تلك الصناديق مقارنة بالرجال على مدار خمس سنوات، وفقاً لمؤشر مديري الاستثمارات البديلة... لكن مع ذلك لا تجد كثيرات من السيدات فرص النفاذ إلى تلك المناصب القيادية بصناديق التحوط؛ نظراً للمنافسة الشرسة من الرجال الأكثر عددا على رأس هذه الصناديق من جهة، ومن جهة أخرى صعوبة حصولهن على ثقة المستثمرين؛ وأغلبهم من الرجال.
* نجاح يعوقه التمويل
أشارت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها أمس إلى أنه توجد أقل من مديرة واحدة لصندوق سيادي في مقابل كل 20 رجلا، رغم النجاح البارز وتفوق الصناديق التي تديرها النساء.
وبحسب أرقام مؤشر مؤسسة أبحاث صناديق التحوط «HFRI» للنساء، فإن السيدات المديرات حققن متوسط عوائد 4.4 في المائة على مدى السنوات الخمس الماضية، مقارنة بمتوسط عائد 4.2 في المائة بالنسبة للمؤشر المركب «HFRI Fund Weighted Composite index»، الذي يقيس أداء صناديق التحوط بشكل أوسع دون النظر إلى الجنس أو الاستراتيجية.
هذه الأرقام تدعم بشكل واسع ما ذهبت إليه سابقا شركة المحاسبة الدولية «روثستاين كاس» الأميركية في عام 2012. وما سبقها من الدراسات الأكاديمية، التي خلصت جميعها إلى أن نتائج صناديق التحوط التي تديرها النساء تتفوق على تلك التي تُدار من قبل الرجال... إلا أن المثير للدهشة هو أن نسبة تلك الصناديق لا يتعدى 5 في المائة من النسبة العامة، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها جامعة بوسطن الأميركية في عام 2015. بينما على النقيض من ذلك، فإن واحدا من كل خمسة صناديق استثمار توظف مدير محفظة من الإناث، وفقا لبيانات «مورنينغستار».
وأوضحت جين بوكان، الرئيس التنفيذي لـ«بامكو»، وهي محفظة تحوط تدير رأسمال بنحو 24 مليار دولار، أن عدم وجود مديري صناديق تحوط من الإناث ينبع بالأساس من المشكلات التي تواجهها النساء عند محاولة جمع الأموال من المستثمرين. قائلا لـ«فاينانشيال تايمز»: إن «مديرات صناديق التحوط النساء لديهن فعليا أصول أقل بكثير (مقارنة بالرجال)... هذا هو جوهر المشكلة الرئيسي، وليس مسألة الأداء. ومن الصعب التغلب على مشكلة التمويل».
وتؤكد بوكان أنه من «أجل الحصول على مستوى أصول مساوٍ للرجال، فإنه ينبغي على المرأة أن تتفوق بما يعادل 200 نقطة أساس».
وفي الخصوص ذاته، أشارت دراسة قامت بها جامعة «نورث إيسترن» الأميركية العام الماضي إلى أن 439 صندوق تحوط فقط توظف مدير محفظة من الإناث، في مقابل 9081 صندوقا توظف مدير استثمار ذكر.
* مزاحمة ذكورية
دراسة أخرى طريفة جاءت من جامعة «روتغيرز» الأميركية، أوضحت أن الرجل لم يكتف بمحاولاته لشل المرأة عن الدخول إلى حيز الوظائف التي شغلها على مر عهود طويلة، معتبرا أنها تقلص فرصه في العمل؛ لكن منذ مطلع الألفية الجديدة تتزايد ظاهرة مزاحمة شرائح رجالية للنساء في وظائف كانت مقصورة عليهن تقليديا إلى حد بعيد؛ ربما على سبيل تعويض الفرص المفقودة أو الانتقام.
وتشير الدراسة إلى أمثلة متعددة تقلصت فيها حصص النساء بنسب متفاوتة على مدار الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، مثل العمالة بمصانع النسيج أو التمريض والعمالة المنزلية والمبيعات بالمتاجر وخدمة العملاء الهاتفية... لكن الدراسة لفتت إلى نقطة ذكية، حيث أكدت بالأرقام أن الوظائف المهنية التي تعتمد على الشهادات الجامعية والتدريب المرتفع لم تشهد غزوا رجاليا لوظائف النساء، بقدر ما شهدت العكس.
ثور «وول ستريت» ينحني احتراماً لإصرار النساء على النجاح
أثبتن قدرة أكبر على التفوق لكنهن مازلن يعانين «التفرقة»
ثور «وول ستريت» ينحني احتراماً لإصرار النساء على النجاح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة