ربما لم يؤثر أي فنان عالمي بأعماله في قضية الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل في فلسطين، مثلما أثرت رسومات فنان الغرافيتي المعروف بـ«بانكسي». فقد تحولت رسوماته هناك إلى علامات بارزة على الجدار، مثل حمامة السلام التي ترتدي غطاءً واقياً من الرصاص، أو الرسومات التي تركها على أنقاض بيوت في غزة مهدمة بفعل الغارات الإسرائيلية.
أخيراً، عاد بانكسي للجدار، وأعاد وسائل الإعلام للحديث عن المعاناة اليومية التي يعانيها الفلسطينيون بسبب الجدار، ولكن عودة الفنان الغامض هذه المرة جاءت عن طريق فندق أقامه في مدينة بيت لحم، مكون من 10 غرف مطلة على الجدار، أو ما أطلق عليه «أسوأ منظر في العالم».
وبما أن الأمر يتعلق ببانكسي، فلنا أن نتوقع أن يحمل العمل رسائل سياسية، يغلفها الفنان بطريقته الساخرة المتهكمة، ويبدأ بالفعل من اسم الفندق الذي أطلق عليه «والد أوف هوتيل» (خلف الجدران)، في لعب لغوي ساخر على اسم الفندق الشهير في لندن «والدورف».
موجة المشاعر الكئيبة التي يثيرها الاسم تستمر في الداخل؛ في الغرف التسع والجناح التي يتكون منها الفندق، وتضم على جدرانها مجموعة من رسومات بانكسي. ورغم تقبل الجمهور لفكرة أن يكون بانكسي قد استخدم فكرة الفندق للتعبير الفني عن موقف سياسي وإنساني بحت، إلا أن مساعديه حرصوا على التأكيد على أن الفندق هو مشروع تجاري سيستقبل الحجوزات على الغرف، بداية من آخر شهر مارس (آذار) الحالي على موقعه الإلكتروني.
إلى جانب الغرف، يضم الفندق باراً للمشروبات ومساحات عرض فنية كلها تحمل طابع الإمبراطورية البريطانية، في إشارة واضحة لدور بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، وفي إقامة دولة إسرائيل، مع إضافة تمثال لبلفور يوقع الورقة الشهيرة التي وعدت اليهود بوطن لهم في فلسطين منذ مائة عام. وعموماً، كان هدف الفنان المراوغ أن يشبه الفندق في تصميمه وديكوراته طراز أندية الرجال الخاصة في بريطانيا، أو ما يطلق عليه «جنتلمان كلوب»، لإضافة الطابع الإمبريالي البريطاني الذي يستمر أيضاً عبر حفلات الشاي على الطريقة البريطانية الذي يعده مطبخ الفندق.
غير أن الفنان يهدف أيضًا إلى أكثر من التعبير عن موقفه السياسي، بل يتبع ذلك بخطة لإقامة حوار بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، واستضافة معارض فنية لفنانين فلسطينيين، وهو ما سيعطي أعمالهم انتشاراً لدى الجمهور العالمي.
جدير بالذكر أن بانكسي حرص على اختيار منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية لإقامة الفندق، حتى يتمكن الشباب الإسرائيلي من دخوله، ويتمنى أن يكون مزاراً للسياح ومختلف الأطياف من مناطق الشرق الأوسط للحوار.
وبانكسي كان قد زار بيت لحم في عام 2005، وترك على الجدار الفاصل هناك رسومات اكتسبت شهرة عريضة، منها صورة الطفلة التي تفتش شرطياً، ورسم لغرفة جلوس مكونة من مقعدين، وطاولة صغيرة مع صورة معلقة على الحائط تصور منظراً طبيعياً لجبال وطبيعة ساحرة، هو المنظر الذي يمكن للفلسطينيين خلف الحائط تصوره.
وفي 2014، زار المنطقة سراً، واستوحى من مشاهداته هناك فيلماً دعائياً ساخراً عن السياحة في غزة، يبدأه بجملة «لتجعل هذا العام عاماً تزور فيه مكاناً جديداً؟»، يتبعها بـ«أهلاً بكم في غزة». ويستخدم خلال الفيلم الجمل نفسها التي تستخدم في الدعاية السياحية، ولكن مرفقة بتعليقات حادة وساخرة.
ويعد فندف «والد أوف» عودة لبانكسي على الساحة الفنية منذ أن افتتح المدينة الترفيهية المؤقتة «ديزمالاند» في عام 2015. وعلى الرغم من انتقاده الصريح للممارسات الإسرائيلية، فإنه حرص على أن يجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال المشاركات الفنية التي أثارت حفيظة البعض.
بانكسي يعود لبيت لحم بفندق تطل غرفه على «أسوأ منظر في العالم»
أقامه بالقرب من الجدار العازل وزين حوائطه برسومات له
بانكسي يعود لبيت لحم بفندق تطل غرفه على «أسوأ منظر في العالم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة