مؤتمر «الخارج» الفلسطيني يبدأ بالدعوة «للكنس» و«فتح أبواب المنظمة» وإلغاء «أوسلو»

عُقد في إسطنبول وأجج نار الخلافات... والسلطة ترد: تجمع شياطين

جانب من المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج  -  نحو 6 آلاف فلسطيني يشاركون في المؤتمر
جانب من المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج - نحو 6 آلاف فلسطيني يشاركون في المؤتمر
TT

مؤتمر «الخارج» الفلسطيني يبدأ بالدعوة «للكنس» و«فتح أبواب المنظمة» وإلغاء «أوسلو»

جانب من المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج  -  نحو 6 آلاف فلسطيني يشاركون في المؤتمر
جانب من المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج - نحو 6 آلاف فلسطيني يشاركون في المؤتمر

أجج مؤتمر الخارج الفلسطيني، الذي انطلق أمس في إسطنبول، نار الخلافات الفلسطينية الداخلية، بعد رفض السلطة انعقاد المؤتمر بصفته محاولة لخلق أجسام بديلة لمنظمة التحرير، ووصفه من قبل مستشار للرئيس الفلسطيني محمود عباس بمؤتمر الشياطين، وتأييده من قبل حماس، التي وصفته بمكمل لمنظمة التحرير وليس بديلا عنها، في حين طالب منظموه «بكنس» المسؤولين الحاليين في المنظمة، وفتح أبوابها لآخرين.
وحظي المؤتمر بمشاركة شعبية واسعة شملت مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني تحت شعار «المشروع الوطني.. طريق عودتنا». ووصل عدد المشاركين في المؤتمر، الذي يختتم أعماله اليوم (الأحد)، إلى نحو 6 آلاف فلسطيني يعيشون في نحو 50 دولة من مختلف قارات العالم، من بينهم مجموعة من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، مثل رئيس هيئة أرض فلسطين سليمان أبو ستة، والرئيس السابق لمركز التخطيط في منظمة التحرير منير شفيق، والنائب السابق لرئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير ربحي حلوم، ورئيس مركز الزيتونة للأبحاث محسن صالح، ورئيس جمعية نساء من أجل القدس نائلة الوعري. وأجمع المشاركون على رفض معاهدة «أوسلو» وما ترتب عليها من تبعات أدت إلى تعطيل طاقات الشعب الفلسطيني، وتهميش صوت وصورة فلسطينيي الخارج من المشهد الوطني، كما طالبوا بفتح باب منظمة التحرير الموصدة أمام ملايين الفلسطينيين، وانتخاب مجلس وطني شامل في إطار عملية تنظيف ديمقراطي للبيت من الداخل.
واتهمت منظمة التحرير وحركة فتح الإخوان المسلمين وحماس في الخارج بتنظيم المؤتمر الذي رعته تركيا، لكن حماس نفت أي علاقة لها بالأمر واكتفت بالقول: إنها تؤيده. والمؤتمر الذي دعت له 70 شخصية فلسطينية من الخارج، انطلق بدعوة رئيسية لرئيس هيئته العامة سلمان أبو ستة بفتح باب المنظمة أمام ملايين الفلسطينيين في الخارج، وتنظيف البيت الفلسطيني بما وصفه «مكنسة ديمقراطية». وقال أبو ستة خلال كلمة افتتاحية: «ندعو إلى انتخاب مجلس وطني جديد نظيف يمثل كل الفلسطينيين في العالم». وهاجم أبو ستة منظمة التحرير، ووصف قادتها بعواجيز عليهم التقاعد. وطالب أبو ستة بالاستمرار في دق باب المنظمة من قبل كل الفلسطينيين. وجدد أبو ستة التأكيد على ضرورة دق باب المنظمة الموصد بأيدي 13 مليون فلسطيني ليمارسوا دورهم، مبينًا أن لدينا اليوم 2 مليون فلسطيني في أعلى درجات الكفاءة يستطيعون إدارة دول عدة.
وقال رئيس المؤتمر العضو السابق في المجلس الوطني الفلسطيني، الدكتور أنيس قاسم: «لقد مرت علينا مآسٍ كثيرة، لكن أكثر المصائب هي (أوسلو)، ويجب العمل على تدميرها؛ فهي من وضعت الشعب الفلسطيني في الخارج على قارعة الطريق». وأضاف: «اتفاق أوسلو حول أعظم ثورة بالتاريخ إلى خادم للاحتلال، وعلى الشعب انتزاع حقه من براثن السلطة التي باعت حقوقنا للحاكم العسكري الإسرائيلي». وتابع: «نطالب باسترداد حقوقنا في منظمة التحرير الفلسطينية، هذه المنظمة التي عبقت بدماء الشهداء؛ جميعهم ضحّوا من أجل بناء الوطن، ولا تمتلك القيادة أن تستثني فلسطينيا واحدا من تحت الخيمة الفلسطينية، ويجب أن تفتح المنظمة أبوابها للجميع».
وقال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر هشام أبو محفوظ، إن انعقاد المؤتمر «تعبير صادق على عزم شعبنا خارج الوطن المحتل بتطوير الجهود». وطالب أبو محفوظ بضرورة التنسيق بين مختلف المؤسسات العاملة للقضية الفلسطينية وإطلاق مشروعات فعالة وبرامج عملية في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، مضيفا: «خلال ربع قرن كان هناك تغييب لدور شعبنا في الخارج، حتى بزغ جيل جديد».
وأردف «لا وصاية لأحد على الشعب الفلسطيني». وأطلق «المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج» حملة «فلسطين تجمعنا» الإلكترونية، ودعا نشطاء مواقع التواصل إلى المشاركة في حملته الإلكترونية بالتغريد على الوسم الذي يحمل اسم #فلسطين_تجمعنا. ويقول القائمون على الحملة الإلكترونية، إنها تهدف الدعوة لبناء وتعزيز وحدة الموقف السياسي للشعب الفلسطيني في الشتات. ولم تعجب هذه اللغة السلطة الفلسطينية، التي وصفت المؤتمر بالفاشل. وهاجم مسؤولون في السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح، المؤتمر وقالوا إنه سيفشل في خلق جسم بديل لمنظمة التحرير، واتهموا حماس بالوقوف وراءه. وجاء الهجوم الأعنف على المؤتمر من قبل، قاضي القضاة محمود الهباش، وهو مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الدينية، واصفا المؤتمر بأنه «تجمع الشياطين» لبث «الفرقة».
ورفض الهباش خلق عناوين بديلة للمنظمة. وقال: «العنوان هنا. كله هنا (رام الله)، ومن أراد أن يتكلم باسم فلسطين والقدس فالعنوان معروف». وهذه ليست أول معركة من نوعها على التمثيل الفلسطيني؛ فقد اندلعت معارك أخرى في وقت سابق مع حماس ومع دول عربية كانت تتعامل مع حماس بصفتها جهة ممثلة للفلسطينيين، وهو ما اغضب منظمة التحرير التي طالما عرّفت نفسها بممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني منذ نشأتها عام 1964. وحصلت المنظمة في القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974 على اعتراف عربي شامل بأن «منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني». وهو ما ساعدها لاحقا على أخذ مقعد «مراقب» في الأمم المتحدة، ومن ثم دولة غير عضو.
والمنظمة هي التي أنشأت السلطة الفلسطينية، التي بدورها تمثل الداخل، فيما تعد المنظمة «الأم» أعلى مرجعية للفلسطينيين جميعا في الداخل والخارج. وقال الناطق باسم حركة فتح، أسامة القواسمي، إن «للشعب الفلسطيني ممثلا شرعيا واحدا ووحيدا هو منظمة التحرير الفلسطينية». وأضاف: «إن انعقاد هذا المؤتمر، هو خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة فاشلة حتما لضرب منظمة التحرير الفلسطينية، وخطوة تدلل على استمرار حماس» في تعزيز الانقسام وتوسيعه في الساحة الفلسطينية. وحذر القواسمي، أن كل من يشارك في هذا المؤتمر إنما يضع نفسه في دائرة الشبهات وخانة المشاركين في تحقيق أهداف إسرائيل. وعد القواسمي أن المؤتمر فاشل سلفا. مضيفا: «سيلحق العار بكل من دعا إليه أو شارك أو دعم مثل هذه اللقاءات التي تتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية».
كما حذر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني، من خطورة المؤتمر ووصفه بالمشبوه.
وقال مجدلاني إنه «يسعى إلى ضرب وحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، ومحاولة لنقل الانقسام للخارج وزرع بذور الفتنة والانشقاق». ورأى مجدلاني أن المؤتمر الذي يهدف إلى خلق أطر بديلة عن المنظمة لتعبر عن الفلسطينيين في أوروبا هو حصيلة تجمعات سنوية تعقدها حركة الإخوان المسلمين وحركة حماس في أوروبا تحت شعار ما يسمى «حق العودة». لكن حماس نفت أنها تقف خلف المؤتمر، في الوقت الذي أيدته بقوة. وأصدرت الحركة ومسؤولون فيها بيانات تأييد للمؤتمر. وأشاد الناطق باسم حماس حسام بدران، بالمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الذي انطلقت فعالياته في مدينة إسطنبول التركية، ووصفه بأنه خطوة استراتيجية ستعيد الزخم للقضية الفلسطينية.
وقال بدران في تصريح مكتوب «إن مطلب المجتمعين في المؤتمر بتفعيل دور فلسطينيي الخارج في المشهد السياسي الفلسطيني، مطلب محق في ظل ما يعانيه فلسطينيو الشتات من التهميش، رغم حضورهم المتميز وطنيًا وتمسكهم بحقهم في العودة إلى ديارهم». وعد بدران المؤتمر «بمثابة بيعة جديدة من فلسطينيي الخارج بتمسكهم بحقهم في العودة إلى أرضهم، وإلى وحدتهم مع أبناء شعبهم في الداخل في مواجهة الاحتلال والعمل موحدين على تحرير الأرض والمقدسات والأسرى». وشكر الناطق باسم حماس القائمين على المؤتمر الشعبي؛ لما لهم من دور في التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني ولحمته في الداخل والشتات، في حين حيّا الجماهير الفلسطينية المشارِكة. ومن المفترض أن تتواصل فعاليات المؤتمر حتى مساء اليوم (الأحد)، ويتخلله كلمات وأفلام وثائقية، وندوات سياسية وثقافية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».