في معرض جديد مميز لنتاجه السنوي، افتتح الفنان الوزير فاروق حسني، وزير ثقافة مصر الأسبق، مساء أول من أمس، معرضه الفني لهذا العام، مفاجئًا جمهوره بلوحات فنية تمثل نضجًا فنيًا في استعانته بالمذهب الجمالي والفلسفة التحليلية، في تقديم لوحات تجريدية حداثية تعكس رؤيته المتغيرة للعالم والمجتمع من حوله.
وفي هذا المعرض وعبر 50 لوحة، يطوع حسني الألوان ويخلق بينها تقابلات وتضادات مفعمة بالحيوية تدهش الملتقي وتمنحه مفاجأة التكوين، ليقدم لنا رؤية فنية مواكبة لعصر «ما بعد الحداثة» الذي نعايشه الآن، حيث يخرج كل شيء عن إطار المتعارف عليه أو «المعقول» أو «المنطقي» لخلق واقع جديد مغزولاً بالخيال.
تفتح اللوحات آفاقًا رحبة أمام المتلقي، ليهيم بين التكوينات اللونية باحثًا عن جموح مشاعر النفس البشرية وقوة اللون وسحره. ففي إحدى اللوحات ستجد اللون الأسود بضربة فرشاة على شكل حافة رمح، وكأنه يحد من جموح اللون الأحمر القاني المتدفق نحو مساحات لونية هادئة تجمع بين الأبيض والأزرق السماوي وتحيط بهم بعض التكوينات الرمادية، في تلك اللوحة، برع الفنان في التعبير عن القوة والضعف، والعنف والوداعة، فقط من خلال المساحات اللونية وتكشف فيها قدرته على «تجريد التجريد» واختزال الخطوط والألوان لخلق أعمال فنية تدفع المتلقي للتأمل.
وعن هذا المعرض يقول الفنان فاروق حسني لـ«الشرق الأوسط»: «في هذه اللوحات ستجدين إيقاعًا مختلفًا يعكس تجربة حسية وفنية جديدة مررت بها تعتمد بشكل كبير على الإيقاع البصري، واستعنت فيها بألوان لم أستخدمها بكثرة في لوحاتي السابقة، كالأخضر والأصفر، وخرجت معظم اللوحات أيضًا تجريدية عدا لوحتين جمعت فيهما بين التجريد والتشخيص».
ويضيف: «لطالما كنت مؤمنًا بقيمة الفن والرسم تحديدًا باعتبارهما أداة ووسيلة مهمة للتعبير عن المشاعر الإنسانية، وأنا سعيد بحجم الإقبال على المعرض وتفاعل الجمهور معه بشكل غير مسبوق»، ثم أضاف مازحًا: «لم أسمع في هذا المعرض أن لوحاتي غير مفهومة، ويبدو أن الجمهور بدأ يتلقى الأعمال التجريدية بشغف أكبر من الماضي».
ويقول الناقد الفني خالد حافظ محللاً أعمال فاروق حسني: «لوحات فاروق حسني متحررة من انضباط الخطوط وهندستها المتوقعة لينغمس المتلقي في مساحات لونية بها أبجديات وخطوط تبدو مفككة شكلاً، لكنها محكومة بقانون ما، مرن وغير صارم يدعم مساحات الحرية وعدم الارتباط بقوالب تحمل اللوحة دومًا ثقلاً يتخطى فعل التصوير». ويضيف: «لا نرى التشخيص بمفاهيمه المتعارف عليها تصويريًا في أعمال فاروق حسني، ولكن داخل المساحات اللونية هناك، نرى عناصر من الخط تسطر عناصر تشعر المتلقي بأبجدية ما أشبه باللفظ، ذلك اللفظ الحامل للمعنى وتضاده في حين ما، واللاعب العابث بالنغمة الصوتية البصرية في حين آخر».
ويشير إلى أن التأمل في لوحات حسني يمكن أن يستدعي فكر فيلسوف التفكيك الأول الفرنسي جاك دريدا، وهو الذي طرح أولاً فكرة علاقة اللفظ ومعناه، اللذين يصطدمان أحيانًا ويتوافقان أحيانًا في علاقات غير قابلة للتوقع في أغلب الأحيان. يقودنا فاروق حسني بنعومة وتوتر معًا في مساحات التضاد والمعاني المتقاطعة غير المتوقعة، المتحررة من قيود البناء وصرامة الهندسة.
ويوضح: «لا يترك لنا فاروق حسني فرصة واحدة للتشتت الذهني، بل يصطحب المتلقي في شراكة صريحة لفعل بناء اللوحة الذهنية شديدة الخصوصية لكل متلقٍ على حدة، في عملية تمتزج فيها الجدية بالاستمتاع من طرف صانع اللوحة، حيث يبني الفنان ومتلقيه العمل كأحجية يحكمها قانون لحظي غير قابل للتكرار».
يحتضن المعرض غاليري «أوبونتو» بالزمالك وحضر الافتتاح نخبة من كبار الشخصيات والفنانين والكتاب والمثقفين المصريين، ومنهم مصطفى الفقي، وعماد أبوغازي وصابر عرب، وزيرا الثقافة الأسبقين، والموسيقار هاني شنودة، والفنانة ليلى علوي، ورمسيس مرزوق، والإعلامي مفيد فوزي، والدكتور أحمد مجاهد، الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب، والدكتورة لوتس عبد الكريم، والدكتورة يسرية حسني، والكاتب الصحافي أحمد يوسف، وغيرهم. يستمر المعرض حتى السبت 14 مارس (آذار)، ويفتح أبوابه من الحادية عشرة صباح كل يوم حتى الثامنة مساء عدا الجمعة.
فاروق حسني يتلاعب بالإيقاعات البصرية ومفاجآت التكوين
معرضه يقدم 50 لوحة تجريدية تعكس روح ما بعد الحداثة
فاروق حسني يتلاعب بالإيقاعات البصرية ومفاجآت التكوين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة