أصدرت دار الشروق المصرية 3 دراسات نقدية للأديبة المصرية الراحلة رضوى عاشور تزامنا مع ذكرى رحيلها الثانية، كانت قد نشرت من قبل على فترات زمنية مختلفة.
في الدراسة الأولى التي تحمل عنوان «الطريق إلى الخيمة الأخرى»، تدرس رضوى عاشور أعمال غسان كنفافي (1936 - 1972) عقب استشهاده بخمس سنوات، وجاءت في 7 فصول على امتداد 100 صفحة. تقول عاشور: «كان هدفي من هذه الدراسة تقديم تحليل وتقييم لكتابات غسان الإبداعية تسهم ولو بشكل متواضع في الاقتراب من لب هذه الكتابات... كان تركيزي الأساسي على العلاقة بين العمل والواقع التاريخي الذي أنتجه. ومن هنا جاءت دراستي للعلاقات الداخلية في هذه الرواية أو تلك، ولما فيها من إنجاز في البناء أو النسيج، وسيلة للوصول إلى فهم أكبر لمدى قدرة الكاتب على تجسيد واقع ما بأمانة وبشكل فني راق».
في الفصل الأول «ابن عكا يذهب للمخيم»، قدمت عاشور لمحة سريعة لحياة كنفافي كمدخل لعالمه القصصي والروائي.
ومن المعروف، أن كنفاني قد قتل وهو في السادسة والثلاثين من عمره. وكان قد أصدر، إلى جانب نضاله السياسي وعمله الصحافي، أربع مجموعات قصصية قصيرة وأربع روايات ومسرحية وأربع دراسات، اثنتين في أدب المقاومة الفلسطيني وواحدة في الأدب الصهيوني وواحدة عن ثورة 1936. إلى جانب روايات لم تكتمل ومحاضرات ومقالات لم تنشر.
في الفصل الثاني «ولادة الأسود الصغير» تشير عاشور إلى أن القصة القصيرة هي الشكل الفني الذي أراده كنفاني ليثبت فيه نفسه كاتبا، وحللت في هذا الفصل عددًا من القصص التي انتقتها لتميزها الفني، والتي تعكس تنوع أسلوبه فتقول: «فهو حينا يعمل على إتقان الشكل الواقعي (أرض البرتقال الحزين) و(كعك على الرصيف) و(الصبي يذهب إلى المخيم)، وأحيانا يعمل على تطعيم هذا الشكل بعناصر غير واقعية كالحكايا الشعبية والفانتازيا (المنزلق)، وفي أحيان أخرى يتحرر من الشكل الواقعي تماما لينطلق في آفاق التجريب الفني (الأخضر والأحمر). في الفصل الثالث «الرحلة» قدمت عرضا وتحليلا لروايتي «رجال في الشمس» و«وما تبقى لكم» وكل منها تصور رحلة كفاح فلسطينية واحدة تقود للهلاك وأخرى على ما تواجه من مشاق فإنها تمثل بداية الخلاص.
أما في الفصل الرابع المعنون «عن العشق القديم والجديد» ناقشت عاشور قصة «العروس» ومجموعة «عن الرجال والبنادق» استعرضت من خلالهما مفهوم غسان كنفاني للتاريخ ومفهومه للعلاقة بين الفلسطيني من ناحية والأرض والسلاح من ناحية أخرى. وفي الفصل الخامس «الوصول إلى الخيمة الأخرى» تناولت بالدراسة روايتي «أم سعد» و«عائد إلى حيفا» اللتين تعبران عن موقف غسان من الجماهير الكادحة في المخيمات (أم سعد) وموقفه من الطبقة المتوسطة الفلسطينية (عائد إلى حيفا).
وفي الفصل السادس «معجزة المعذبين في الأرض» تأخذنا عاشور لعالم كنفاني المسرحي عبر مسرحية «الباب» وتضيء على مواطن الضعف فيها حيث ينقصها الاكتمال الإنساني والأبعاد الوجدانية للشخصيات مرجعة ذلك غياب فلسطين عن كنفاني، وأيضا تقدم نقدا لرواية «الأعمى والأطرش» التي لم يكملها، وفيها عرضت لموقفه من التمرد الميتافيزيقي الذي قد يظهر في صورة احتجاج أو من ناحية والثورة من ناحية أخرى. وفي الفصل السابع «وصار ندا» قدمت عاشور استخلاصات حول قراءاتها لأعمال كنفاني، مشيرة إلى أن «الواقع السياسي الذي عاش كنفاني واستشهد في ظله هو المحور الأساسي لجميع كتاباته...» لافتة إلى أن ما يميزه استيعابه الثاقب للواقع واهتمامه بقضية الشكل الفني، وحساسيته الخاصة كمبدع. وقيام كنفاني بمواجهة إنسانية الفلسطيني فكان من أوائل الكتاب العرب الذين استشرفوا التمرد والرفض في المخيم. فأسلوبه كما تراه عاشور مليء بالرموز الدالة (صورة بومة معلقة على جدار، أو محارة فارغة يحلم فاتحها بأن يجد لؤلؤة بها، أو خزان فارغ تقبر فيه حياة رجال ثلاثة...). وتقول: إن «قصص غسان الأولى يشوبها بعض الارتباك الشكلي... لكنه مع الوقت والاستمرار تمكن من السيطرة الفنية على مادته بل ويرتاد بجرأة آفاقا جديدة في التجريب محاولا توصيل رؤياه بأكبر قدر من الفعالية».
أما الدراسة الثانية «التابع ينهض.. الرواية في غرب أفريقيا»، والواقعة في 8 فصول، فتناولت فيه المؤلفة كتابات آموس تيوتولا وكامارا لايي وشينوا آشيبي وسمبيني عثمان، فضلا عن أعمال كاتبين من الكاميرون تجسد صورة الواقع بعد الاستقلال وقضية اللغة في الأدب الأفريقي، وتأثير ثقافة المحتل عليه. تقول: «إن الذي دفعني للبدء في هذه الدراسة وشجعني على الاستمرار فيها قناعة عميقة بضرورة الاتصال الثقافي بين بلاد العالم الثالث عموما، والقارة الأفريقية بشكل خاص، ليس فقط ما تواجهه هذه البلاد من مشاكل مشتركة وتطلعات مماثلة ولكن أيضا لما في فنونها من قيم الثقافة الإنسانية» وتحاول عاشور عبر 160 صفحة الإجابة عن تساؤل: هل صحيح ما يقوله البعض من أن الأدب الأفريقي الحديث يستمد قوته من كونه ردا على أوضاع سياسية بعينها، وأنه بالتالي يفقد هذه القيمة بزوال تلك الأوضاع؟ وهي ترى أن «الأدب المتأثر بالمضامين الاستعمارية ليس دائما أدبا دعائيا فجا»، لافتة إلى أن الكاتب الأفريقي وجد نفسه أمام ركام من الأكاذيب والصور الخادعة التي قدمتها الروايات الأوروبية في بدايات القرن العشرين ومنها رواية «قلب الظلام» للبريطاني - البولندي جوزيف كونراد. فوطنيه الكاتب الأفريقي، كما تضيف، تتطلب منه أكثر من تمجيد ماضي أفريقيا والهجوم على الاستعمار في صورته القديمة، إذ تتطلب الموقف النقدي من الواقع الأفريقي والتعبير عن هموم مجتمعه وهو ما أشار إليه عدد من الكتاب الأفارقة التقدميين من أمثال: سوينكا، وسمبيني عثمان وغيرهما.
وتخلص رضوى إلى أن الأدب الأفريقي نشأ كتمرد على المضمون الآيديولوجي للاستعمار، وكان يعبر بأشكال مختلفة عن أحد الوجوه الثقافية لحركة التحرر الوطني بالبحث في الماضي وتأكيد الجذور واستلهام التراث وبنقد الحاضر والسخرية من مساوئه بهدف تقويمها. وتشير إلى رأيها في مواجهة التيارات النقدية الدارسة للروايات الأفريقية التي انقسمت إلى عدة آراء بعضها يرى أن الروايات الأفريقية لا تختلف عن مثيلتها الأوروبية أو الأميركية، وما بين رأي يرى أنها لا تقدم شكلا روائيا جديدا، فيما يرى فريق ثالث أن الكتاب الأفارقة نجحوا في «أفرقة» الرواية: «إن أفرقة الرواية ليست هدفا في حد ذاته... بل كانت نتيجة لمحاولة الكاتب تقديم الصور الأصلية لحياة الأفريقيين. لقد فرض المضمون وانشغال الكاتب بتوصيل رؤية بعينها هذه التجديدات في الشكل. وفي بعض الأحيان نجد أن كاتبا ما وجد في شكل روائي غربي ما يفي بحاجته فاعتمده وأكسب روايته الصفة الأفريقية بمعرفته الحميمية بالواقع الأفريقي وإعادة خلقه بكل حيوية على الورق».
وفي دراستها الثالثة «في النقد التطبيقي... صيادو الذاكرة»، تقدم رضوى عاشور دراسة قيمة فيما يتعلق بوظيفة النقد ودوره عبر مجموعة من المقالات التي نشرتها بشكل عشوائي لكنها مترابطة في أسلوبها المنهجي. وتنتقل في هذه الدراسة، التي جاءت في 250 صفحة، في 3 أقسام، ما بين «حي بن يقظان» لابن طفيل، وثلاثية نجيب محفوظ و«مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، ثم إبداع لطيفة الزيات وفكر إدوارد سعيد، وكتابات أميل حبيبي ثم تنتقل لبحور الشعر عند أمل دنقل وفؤاد حداد. وهي كذلك تقدم للقارئ عالم شكسبير وبريخت وهمنغواي من خلال خبرتها الأكاديمية كأساتذة أدب إنجليزي بجامعة القاهرة، وتذيل الدراسة بتجربتها في الكتابة وكيف أنها بدأت بالكتابة في العاشرة بقصائد ركيكة ثم قصص ساذجة، ثم طورت كتابتها بقراءة ديكنز وبرونتي وأجاثا كريستي ونصوص نجيب محفوظ وجورجي زيدان ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وتقول: «أكتب لأنني أحب الكتابة، وأحب الكتابة لأن الحياة تستوقفني، تدهشني، تشغلني، تستوعبني، تربكني، وتخيفني، وأنا مولعة بها».
رضوى عاشور... حصافة الناقدة تتحدى روح المبدعة
دار الشروق تصدر لها 3 دراسات نقدية جديدة
رضوى عاشور... حصافة الناقدة تتحدى روح المبدعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة