دير الزور... ملاذ قادة «داعش» الفارين من معقليه العراقي والسوري

البتاغون أكد وجود «انسحاب منظم» من الرقة... ومصادر عراقية تؤكد نزوحهم من الموصل باتجاه سوريا

طفلة نازحة من الموصل عند نقطة تفتيش عسكرية (أ.ب)
طفلة نازحة من الموصل عند نقطة تفتيش عسكرية (أ.ب)
TT

دير الزور... ملاذ قادة «داعش» الفارين من معقليه العراقي والسوري

طفلة نازحة من الموصل عند نقطة تفتيش عسكرية (أ.ب)
طفلة نازحة من الموصل عند نقطة تفتيش عسكرية (أ.ب)

تتحول مدينة دير الزور في شرق سوريا إلى نقطة استقطاب لقادة تنظيم داعش الذين ينزحون إليها من مدينة الرقة السورية ومدينة الموصل العراقية، حيث يتلقى التنظيم ضربات موجعة.
وبعد إعلان البنتاغون الجمعة أن قادة تنظيم داعش بدأوا يغادرون مدينة الرقة السورية التي تعتبر «عاصمتهم» على وقع تقدم «قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي ضد المتطرفين، الساعية إلى قطع الطريق الواصل بين دير الزور والرقة، الذي يستخدمه التنظيم في عمليات النقل والإمداد، بعد سيطرتها على قرية جويس... كشف مصدر عراقي مطلع أمس عن أن العشرات من قادة تنظيم داعش ومسلحيهم هربوا من الموصل وتلعفر باتجاه مدينة دير الزور في سوريا بعد أن تمكنت قوات خاصة من مسلحي التنظيم تُعرف بـ«كتائب الشام» من كسر خط الصد لميليشيات الحشد الشعبي المرابطة غرب الموصل.
وقال الشيخ ثائر عبد الكريم وطبان الجربا، أحد شيوخ قبيلة الشمر التي تنتشر في مناطق غرب محافظة نينوى لـ«الشرق الأوسط»: «هرب نحو ستة وعشرين قياديا بارزا من تنظيم داعش الإرهابي من الموصل باتجاه تلعفر وبالتحديد من منطقة عين حصان إلى مدينة دير الزور السورية». وأردف الجربا: «بحسب مصادرنا، الهروب حدث بعد أن شنت أمس قوات خاصة من التنظيم تدعى (كتائب الشام) - عبرت الحدود العراقية السورية قادمة من مدينة دير الزور لإنقاذ قادة (داعش) الذين هربوا من الموصل وكانوا محاصرين في تلعفر - على القوات الأمنية في قاطع غرب نينوى».
وأضاف الجربا: «أسفر الهجوم الذي شنه مسلحون عن اندلاع اشتباكات بينها وبين ميليشيات الحشد الشعبي، قُتل وأصيب خلالها العشرات من الجانبين، وكان من بين قتلى التنظيم القائد العسكري لولاية الجزيرة الملقب بـ(أبو مريم) وأصيب معاونه أبو قصورة أيضا»، لافتا إلى أن أبو قصورة يوجد حاليا في مستشفى تلعفر.
وبحسب مصادر في الجيش العراقي فضلت عدم الكشف عن اسمها لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطوق الذي تفرضه ميليشيات الحشد الشعبي على تلعفر ضعيف ويعاني من كثير من الثغرات التي تساعد مسلحي «داعش» في التنقل بسهولة بين تلعفر والحدود السورية دون أن تتعرض لأي عائق من قبل الحشد. وكشفت هذه المصادر عن أن التنظيم ما زال يحصل على إمداداته عبر الحدود السورية وأن الطريق الواصل من الموصل إلى تلعفر ومنها إلى بعاج والحدود السورية مفتوح أمام التنظيم.
في سوريا، قال النقيب جيف ديفيس متحدثا باسم وزارة الدفاع الأميركية مساء الجمعة: «بدأنا نشهد أن عددا كبيرا من القادة الكبار في تنظيم داعش، وعددا كبيرا من كوادرهم، بدأوا يغادرون الرقة»، مؤكدًا أن مقاتلي التنظيم «أخذوا في الاعتبار بالتأكيد أن نهايتهم وشيكة في الرقة»، لافتا إلى انسحاب «منظم جدا ومنسق جدا».
ولم يحدد عدد أعضاء التنظيم الذي يغادرون المدينة أو الأدوار التي يقومون بها على وجه التحديد، لكنه قال إن الانسحاب يبدو أنه منظم ويشمل أولئك الذين يقومون بأدوار للدعم ولا يشاركون في القتال.
وفي حال قطع الطريق، فإن التنظيم سيخسر طريق الإمداد من شرق سوريا إلى معقله في الرقة، بينما ستبقى مناطق سيطرته في البادية السورية من ريف الرقة الشرقي باتجاه ريف حماه الشرقي وأرياف حمص ودير الزور ودمشق والسويداء، مفتوحة، في حين يحاول النظام قطع آخر خطوط إمداد التنظيم من ريف حلب الشرقي باتجاه ريف الرقة عبر عملية عسكرية، حقق فيها تقدمًا خلال شهر.
وفي الرقة، بدأ التحالف مرحلة جديدة من حملته في وقت سابق هذا الشهر مستهدفا تطويق الرقة وقطع الطريق إلى معاقل المتشددين في محافظة دير الزور على امتداد نهر الفرات. وتشكل الرقة الهدف الثاني الرئيسي للتحالف الدولي بعد مدينة الموصل العراقية.
وأوضح ديفيس أن هذا الطريق يقع على طول الضفة الشمالية لنهر الفرات وتربط الرقة بدير الزور، مشيرا إلى أن الطرق المؤدية إلى الشمال والغرب قطعتها قوات سوريا الديمقراطية عبر تدمير جسور على الفرات.
وإذا كانت عمليات «عزل» المدينة قد أحرزت تقدما، فإن التحالف الدولي لم يكشف حتى الآن عن خطته لاستعادتها.
وبدأت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف من مقاتلين عرب وأكراد، هجوما في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) يهدف أولا إلى «عزل» المدينة السورية عبر قطع كل طرق التواصل بينها وبين الخارج. ويقول البنتاغون إن هذا الهدف بات شبه منجز. وأوضح الجيش الأميركي أنه لم يعد أمام المتشددين سوى طريق واحد في جنوب شرقي المدينة.
في هذا الوقت، تواصلت المعارك بشكل عنيف في ريفي الرقة الشرقي والشمالي الشرقي، بين «قوات سوريا الديمقراطية» مدعومة بطائرات التحالف الدولي من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى، في استمرار للمرحلة الثالثة من عملية «غضب الفرات» التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية، الهادفة لعزل مدينة الرقة معقل التنظيم الرئيسي عن ريفها ومن ثم طرد التنظيم منها، وذلك غداة إعلان قيادة «قوات سوريا الديمقراطية» عن انطلاق الخطوة الثانية من المرحلة الثالثة لعملية «غضب الفرات».
وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية» من السيطرة على قرية جويس، في محاولة للتقدم وقطع الطريق الواصل بين دير الزور والرقة، الذي يستخدمه التنظيم في عمليات النقل والإمداد، حيث سيتيح التقدم بشكل أكبر نحو الريف الشرقي للرقة، لقوات سوريا الديمقراطية، تضييق الخناق على التنظيم في معقله بمدينة الرقة. وقال ناشطون إن الاشتباكات ترافقت مع قصف واستهدافات متبادلة بين الطرفين وقصف من قبل طائرات التحالف على مواقع التنظيم وتمركزاته، فيما تواصلت الاشتباكات بين الطرفين في الريف الشمالي الشرقي لمدينة الرقة، على بعد نحو 8 كيلومترات من مدينة الرقة، بعد تمكن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية خلال الساعات الـ24 الفائتة من فرض سيطرتهم على جسر شنينة الواصل بين الضفتين الغربية والشرقية لنهر الخابور.
وجاء ذلك بعد يوم من إعلان قيادة «قوات سوريا الديمقراطية» عن انطلاق الخطوة الثانية من المرحلة الثالثة لعملية «غضب الفرات» حيث استطاعت تلك القوات عزل الرقة من الجهة الغربية بعد تحييد الحركة على سد الفرات والسيطرة على قرى الريف الغربي للرقة والتقدم نحو المدينة من جهة الغرب، حيث باتت على مسافة 20 كلم تقريبًا من مركز مدينة الرقة. أما من الشمال، فقد بدأت تلك القوات حاليًا عملياتها العسكرية، فيما تمكنت من الجهة الشمالية الشرقية من الوصول إلى مسافة 10 كلم من مركز المدينة، بعد السيطرة على قرى منطقة شنينة ومزارع أخرى محيطة بها، فيما يبدو أنّها تسعى للتقدم والوصول إلى نهر الفرات خلال الفترة المقبلة، حيث يرجح أنّ تكون منطقة الأحواس هي الوجهة القادمة، إذ تعرضت لعدد من الغارات من قبل طيران التحالف من جهة، ولكونها آخر قرى ريف الرقة من جهة دير الزور.
وقال موقع «الرقة تذبح بصمت» إن التلغيم والتفخيخ اللذين تقوم بهما «داعش» يعتبران من أكبر المعوقات أمام تقدم القوات المهاجمة، حيث يعمد التنظيم إلى زرع الألغام قبل انسحابه من القرى، كما تعتمد القوات المهاجمة على طيران التحالف الدولي بتأمين تقدمها دون مقاومة تذكر من قبل التنظيم، بينما يكتفي التنظيم بإرسال المفخخات لجبهات الاشتباك بهدف إعاقة تقدم «قوات قسد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».