لم يسفر اجتماع بلدان «النواة الصلبة» للدول الداعمة للمعارضة السورية عن نتائج «ثورية». إلا أنه بالمقابل، ووفق ما أفادت به مصادر أوروبية رافقت ما حصل في مدينة بون الألمانية صباح أمس، فإن المجتمعين حصلوا على «تطمينات» من وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون بشأن استمرارية السياسة الأميركية إزاء سوريا حول 3 نقاط: أولاً، دعم مفاوضات جنيف سبيلا للوصول إلى الحل السياسي، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. وثانيًا، فرض شروط للتعاون العسكري والسياسي مع موسكو. وثالثًا، الحرص على توفير الدعم للمعارضة سياسيا، واشتراط وقف استهداف المعارضة المسلحة التي تقاتل النظام السوري.
وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، وصف الاجتماع الذي كانت بلاده الأكثر دفعًا باتجاه حصوله، بأنه كان «مفيدا». وأردف بأنه «من المهم أن يقوم حوار وثيق» مع واشنطن بشأن المسألة السورية. وخلاصة حديث إيرولت أن الجميع «متفقون» بشأنها، فيما اعتبر نظيره الألماني زيغمار غابرييل أن ما حصل في بون كان بمثابة «تحضير لاجتماعات جنيف» المفترض أن تنطلق الأسبوع المقبل.
هذا، وتنبع أهمية اجتماع بون من كونه جاء في مرحلة «مفصلية». فهو شكّل، من جهة، أول مناسبة للاستماع إلى شرح لمواقف واشنطن من وزير خارجيتها، بينما تخيم على السياسة الأميركية هالة من الغموض، إن لم يكن التشويش، خصوصًا في موضوع العلاقة مع روسيا وكيفية انعكاسها على «التعاون» الروسي - الأميركي في الملف السوري وأبعاده واتجاهاته. وكان مصدر التخوف الأوروبي والخليجي أن «تتبنى» واشنطن المقاربة الروسية والحلول التي تطرحها موسكو. لكن الأقوال التي نقلت عن الوزير تيلرسون حملت بعض «الطمأنة» للوزراء التسعة الآخرين ولـ«وزيرة» الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، الذين حضروا الاجتماع. وما تلمّسه الوزراء الحاضرون من تيلرسون أن التفاهمات مع موسكو ليست بالقوة التي توحي بها تصريحات الرئيس دونالد ترمب، وبالتالي، لا تغيرات تذكر على هذا الصعيد. ومن ناحية أخرى، تناول وزير الخارجية الأميركي الدور الإيراني في سوريا انطلاقًا من رغبة واشنطن في التصدي للنفوذ الإيراني، وتركيزها على أن تدفع طهران الميليشيات التي تدعمها لاحترام وقف إطلاق النار. ومن ثم، فإن فحوى ما تؤكد عليه واشنطن أنها ما زالت «متمسكة» بجهود الأمم المتحدة من أجل الحل السياسي في سوريا، بمعنى أنها ترفض السير في مسارات حلول أخرى غير المسار الموجود في جنيف - مثلا مسار آستانة - علما بأن الطرف الأميركي لم يُدع إلى العاصمة الكازاخستانية إلا بصفة «مراقب». ولخص الوزير الألماني غابرييل الموقف المشترك للمجتمعين بقوله إن الحل في سوريا «يجب تحقيقه في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، ولا يجوز أن تكون هناك أي مفاوضات موازية».
في سياق متصل، كان الأوروبيون حذرين من إمكانية أن يحصل تعاون عسكري روسي - أميركي يمكن إلى يتحول إلى ثلاثي - بانضمام قوات النظام السوري إليه - من أجل محاربة «داعش» والنصرة والتنظيمات الإرهابية بشكل عام. وكان الأوروبيون يعتبرون أن شيئا كهذا سيكون على حساب المعارضة المسلحة «المعتدلة» التي شاركت في اجتماعات آستانة وتتأهب للمشاركة في اجتماعات جنيف التي ستنطلق رسميا يوم الخميس المقبل، بعد لقاءات تمهيدية مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ومساعديه. ومن هذه الزاوية، يبدو أن ما نقل عن لسان الوزير تيلرسون خفف من قلق الحاضرين، إذ ربط الوزير الأميركي بين قبول الولايات المتحدة التعاون العسكري مع القوات الروسية في سوريا بموقف الأخيرة من المعارضة المسلحة التي تقاتل النظام. ويرى الغربيون أن الحجة التي استخدمها الروس للتدخل الكثيف في الحرب السورية ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) عام 2015. أي محاربة التنظيمات الإرهابية، كانت «حجة كاذبة» لأن غرض موسكو كان فعليًا إنقاذ النظام عن طريق ضرب القوى والفصائل المعارضة له، وليس استهداف «داعش» أو النصرة. وتجدر الإشارة إلى أن موسكو «وعدت» الفصائل المعارضة في آستانة بوقف استهداف مواقعها، لكن لم يُفهم ما إذا كانت الضمانات الروسية تشمل أيضا عمليات النظام العسكرية.
أما على الجانب السياسي، فقد حصل المجتمعون في بون على «توضيحات» من نظيرهم الأميركي بأن واشنطن تربط كذلك تعاونها مع موسكو بأن تبتعد الأخيرة عن رؤية النظام للمعارضة التي وصفها الرئيس السوري، في مقابلة مع مجموعة وسائل إعلامية فرنسية، بأنها «مجموعات إرهابية». كذلك كان الأسد قد شدد على أنه يريد «استعادة كل شبر» من الأراضي السورية من هذه التنظيمات، ما يعني عمليا، بحسب ما قاله مصدر دبلوماسي فرنسي لـ«الشرق الأوسط» أمس، أنه «ما زال سائرا في الحل العسكري. وليست الجولة الجديدة من محادثات جنيف، بالنسبة إليه، سوى حقل مناورة لكسب الوقت». وفي هذا السياق، قال الوزير الفرنسي، إن المجتمعين «يطلبون من الراعي الروسي للنظام أن يضغط عليه من أجل أن يتوقف عن اعتبار المعارضة بكاملها إرهابية، وإلا فلن تجرى مناقشات في جنيف».
وفي شأن آخر، يقول المصدر الفرنسي، إن المشكلة مع الإدارة الأميركية الجديدة أننا «لا نعرف مَن ينطق حقيقة باسمها» وذلك بالنظر للتناقضات التي تبرز يوما بعد يوم، بين ما يقوله الرئيس دونالد ترمب وما يقوله وزراؤه، وخصوصا بين ما أكد عليه ترمب كثيرا من المرات قبل انتخابه، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض - بشأن العلاقة مع روسيا مثلا - وبين تصريحاته الأخيرة. وحتى تاريخه، لم يصدر عن البيت الأبيض كلام رسمي يبين صورة السياسة «الجديدة» لإدارة ترمب، ليس فقط في موضوع التعاون مع روسيا، وإنما خصوصا بشأن تصور واشنطن لمستقبل سوريا وفهمها لمضمون الحل السياسي.
أخيرًا، رغم الشك في النيات، يسود شعور أن الوزراء العشرة «سلموا أمرهم» لروسيا في الموضوع السوري، إذ يعتمدون عليها لدفع النظام من أجل أن يفاوض حقيقة، بمعنى أن يقبل الدخول في صلب العملية السياسية. كما أنهم يعولون عليها للجم العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات النظام مباشرة، أو تلك التي تسانده من الميليشيات المختلفة. وقبل أيام قليلة من انطلاقة الجولة الرابعة في جنيف، أخذ المزاج العام يميل إلى التشاؤم من إمكانية تحقيق اختراقات جدية بشأن الموضوعات الثلاثة التي جاءت في رسالة الدعوة المرسلة إلى الطرفين: النظام والمعارضة، وهي إقامة حكم تمثيلي غير طائفي، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات. والحال أن كل بند من هذه البنود يمكن أن يفجّر المفاوضات ويعيدها إلى المربع الأول. ولذا، فإن الوزير الفرنسي حرص على التذكير بأن للغربيين ورقة ضغط يمكن أن يستخدموها، وهي إعادة الإعمار التي سبق وأن أشار إليها إيرولت سابقا. ولكن ثمة شكوك في أن يكون التلويح بهذه الورقة كافيا لحمل موسكو على مقاربة أقل التصاقا بالنظام السوري وأطروحاته.
أميركا تحاول طمأنة «النواة الصلبة» إزاء موقفها من سوريا والتعاون مع موسكو
المجتمعون في بون سعوا للتمهيد لجولة محادثات جنيف الجديدة ولا قرارات «ثورية» من لقائهم
أميركا تحاول طمأنة «النواة الصلبة» إزاء موقفها من سوريا والتعاون مع موسكو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة