«معركة الأفكار» تحدٍّ يواجه نينوى بعد تحريرها

آلاف الموظفين يعودون إلى دوائرهم في الجانب الأيسر من الموصل

عراقي يحمل طفلاً مصابًا في حي الزهراء بالجانب الأيسر من الموصل أمس (أ.ب)
عراقي يحمل طفلاً مصابًا في حي الزهراء بالجانب الأيسر من الموصل أمس (أ.ب)
TT

«معركة الأفكار» تحدٍّ يواجه نينوى بعد تحريرها

عراقي يحمل طفلاً مصابًا في حي الزهراء بالجانب الأيسر من الموصل أمس (أ.ب)
عراقي يحمل طفلاً مصابًا في حي الزهراء بالجانب الأيسر من الموصل أمس (أ.ب)

لم يتوقع أغلب المواطنين في الجانب الأيسر من مدينة الموصل أن تنعم مدينتهم بالأمن والاستقرار بمجرد طرد عناصر «داعش» منها، ويتفق كثيرون على أن «معركة الأفكار» أكبر التحديات التي تنتظر المدينة في مرحلة ما بعد الخلاص من «داعش» في الجانبين الأيسر والأيمن وعموم المحافظة. فنينوى، ومركزها الموصل، عانت كثيرًا من الإرهاب قبل وبعد تاريخ 6 يونيو (حزيران) 2014، وهو اليوم الذي سيطر فيه التنظيم على مدينتهم، مثلما عانوا من المعاملة الخشنة من قبل عناصر الجيش والشرطة قبل ذلك التاريخ.
ورغم مرور نحو شهر على تحرير الجانب الأيسر، فما زالت المخاطر الأمنية قائمة وتثير قلق ومخاوف المواطنين هناك، بحيث يفضّل كثيرون عدم العودة إلى منازلهم، أو عدم الخروج منها إلا للضرورة في حال عدم مغادرتهم المدينة.
فأوضاع الأمن في الجانب الأيسر مضطربة، كما تؤكد لـ«الشرق الأوسط» مصادر داخل المدينة، وفي الجمعة الماضية استهدف انتحاري بحزام ناسف مطعمًا في هذا الجانب يرتاده مواطنون وقادة أمنيون تسبب بسقوط 16 شخصا بين قتيل وجريح، من ضمنهم ضابط برتبة نقيب لم تعلن عنه السلطات الرسمية. كذلك أبلغ أحد أعضاء مجلس محافظة نينوى «الشرق الأوسط» بوقوع انفجارين بأحزمة ناسفة في اليومين الأخيرين في حيي الزهراء وصدام من دون معرفة الخسائر في الأرواح والممتلكات، إلى جانب قنابل الهاون والطائرات (المسيرة والمفخخة) التي يطلقها «داعش» من الجانب الأيمن.
وأول من أمس، أعلنت مديرية الاستخبارات العسكرية الاستيلاء على آلاف المقذوفات في منطقة صناعة الكرمة في الجانب الأيسر. كذلك أعلنت مصادر أمنية أمس اعتقال 54 عنصرا عملوا مع «داعش» في حي الزهور شرق الموصل، وقتل 24 آخرون حاولوا التسلل عبر النهر إلى الجانب الأيسر.
وتقول الطالبة الجامعية «ر. ب» التي تخشى الإفصاح عن اسمها حتى بعد وصولها إلى بغداد قبل أسبوعين لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة نينوى عموما لا تنتهي بانتهاء الموصل. أغلب البلاد غير آمنة... من الواضح أن المحافظات التي تحررت من (داعش) لم تستقر حتى الآن، وكذلك الحال بالنسبة إلى نينوى». وعن معركة الأفكار التي يتوجب خوضها بعد الانتهاء من «داعش» ترى الطالبة الجامعية أن «الدولة التي حققت عدم الاستقرار في السابق عبر صراعات أطرافها السياسية المختلفة، هي المسؤولة عن تحقيق الأمن من جديد، أما إن بقي الناس والأفكار نفسهما، فلن يتغير شيء».
على أن معركة الأفكار غير كافية لعودة الحياة الطبيعية إلى محافظة نينوى عمومًا، فهناك مشكلة الانتهاء من طرد «داعش» من جميع مناطق المحافظة، إلى جانب معركة البنى التحتية المتضررة كثيرا، فضلا عن عودة آلاف النازحين إلى منازلهم وانتظام عمل الموظفين في مؤسسات الدولة المختلفة.
في ناحية بعشيقة مثلا، التي تسكنها غالبية إيزيدية وتبعد نحو 20 كيلومترا عن الموصل وحررت مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم يتمكن أكثر من مائة ألف مواطن من العودة إلى منازلهم نتيجة الدمار الذي لحق المنازل والبنى التحتية للمدينة.
ويتفق حسام الدين العبّار، عضو مجلس محافظة نينوى مع «معركة الأفكار»، وتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أهم الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المركزية والسلطات المحلية في الجانب الأيسر، حيث كشف عن عودة آلاف الموظفين إلى أماكن عملهم بعد المرور بالإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء عام 2015.
وتقوم مديرية الأمن الوطني في محافظة نينوى بالتنسيق مع خلية الأمن الوطني بتدقيق ملفات نحو 40 ألف موظف في المحافظة، فضلا عن نحو 60 ألف مواطن يستفيدون من شبكة الحماية الاجتماعية.
وعن طبيعة تلك الإجراءات المتخذة بحق الموظفين المستمرين في الخدمة، يقول العبّار: «اتخذت مجلس الوزراء عام 2015 قرارا بإعطاء إجازة إجبارية لموظفي محافظة نينوى وادخار مرتباتهم لدى الدولة، ولا يتم صرف المرتبات أو إعادتهم إلى الخدمة إلا بعد المرور بعملية التدقيق الأمني».
ويكشف العبّار عن عودة «الدفعة الأولى من الموظفين إلى دوائرهم في الصحة والتربية والكهرباء وجامعة الموصل بعد تدقيق ملفاتهم الأمنية، ويبلغ عددهم نحو 20 ألف موظف». وأكد عودة نحو 250 ألف طالب وطالبة إلى مدارسهم، موزعين بواقع 200 ألف طالب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة و50 ألفا في المرحلة الإعدادية، كذلك استكمال الامتحانات التكميلية لطلاب جامعة الموصل بعد انقطاعهم عن الدراسة عام 2014.
ولا ينكر العبّار الصعوبات التي تواجه مجلس المحافظة والمواطنين عموما، لكنه يرى أن «الحياة يجب أن تستمر، نحن ننتظر بفارغ الصبر تحرير الساحل الأيمن وأراه قريبا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».