يبدأ مهرجان برلين مساء هذا اليوم (الخميس) دورته الـ67 التي تستمر حتى مساء التاسع عشر من هذا الشهر موزعة جوائزها على مَن تقرر لجان التحكيم استحقاقهم.
فيلم الافتتاح عنوانه «دجانغو»، لكنه ليس إعادة لفيلم الوسترن «دجانغو» الذي أخرجه سيرجيو كوربوتشي سنة 1966 (وتم نسج أجزاء أخرى لاحقًا)، بل هو سيرة حياة في قالب درامي عن الموسيقار دجانغو راينهارت الذي وُلد في أواخر يناير (كانون الثاني) سنة 1910 وتوفي باكرا (عن 43 سنة) بعدما وضع ما يقارب من 100 أغنية ولحن موسيقي. مكان ولادته بلجيكا لكن أصوله غجرية من رومانيا وهو انتقل من بلجيكا إلى فرنسا. وما إن احتل الألمان فرنسا حتى حكموا على الغجر بإخلاء المدن الكبرى ثم أخذوا بتجميعهم والقبض عليهم. وما حل باليهود خلال الحرب حل بالغجر أيضًا. وبعض التقارير تتحدث عن نصف مليون غجري تم إعدامهم وأخرى ترفع الرقم إلى 600 ألف شخص.
«دجانغو» سيكون افتتاحًا موسيقيًا لدورة برلين الجديدة، إذ سنرى، لجانب سيرة حياته، بعض ضروبه في التلحين والعزف والغناء؛ فهو استعان بالألحان البوقية والوترية الغجرية ليضمها إلى موسيقى الجاز العالمية. لكن في الوقت نفسه، فإن فيلم الافتتاح، الذي أخرجه الفرنسي إيتيان كومار (أول فيلم من إخراجه بعد سنوات من العمل منتجًا)، هو أول فيلم رئيسي منذ زمن طويل، يتحدّث عما لاقاه الغجر من اضطهاد خلال الحقبة النازية.
كذلك أول فيلم من بطولة الممثل الجزائري الأصل رضا كاتب يفتتح مهرجانًا من بين الثلاثة الأكبر؛ برلين وكان وفينسيا.
اختيار الفيلم وما يوازيه من هذه الطروحات من مهام مدير المهرجان ديوتر كوزليك الذي يشير إلى رغبته في تقديم عمل له طروحاته السياسية والاجتماعية التي تطل على عالمنا اليوم.
* قضايا
مهرجان برلين لا يحتاج لأن يطل على شيء جديد. أو أن إطلالته هذه ليست جديدة من نوعها. فهو منذ السبعينات وهو يضع نفسه، وعبر اختياراته من الأفلام، في موقع من يشرك فن السينما في الهموم الدائرة حولها.
في الستينات والسبعينات؛ أيام الحرب الباردة وسباق التسلّح النووي، عرض لأعمال تنتقد النازية الألمانية وتتحدث عن البطولات التي قام بها روس وبولنديون وتشيكيون وفرنسيون ضد النازية. ثم تطوّر الأمر فتم عرض عدد كبير من الأفلام السوفياتية التي أثارت الرقابة في بلادها لكنها تمكنت، مثل «صعود» للاريسا شوبتكو، من كسر حصارها والفوز بذهبيات المهرجان. وكانت ألمانيا ما زالت منقسمة على نفسها عندما منحت الفيلم الألماني الشرقي «أمي أنا حي» ذهبيته سنة 1977.
لم يكن الأمر مجرد أن يتلو الفيلم حكاية تتعلق بالحرب أو بطروحاتها وبطولاتها أو ضحاياها بل أن يمد الفيلم خيوطه ليمس بها ما كان يحدث أو استمر في الحدوث لسنوات بعد ذلك.
وكما حدث في العام الماضي عندما فاز «نار في البحر» لجيانفرانكو روزي الذي تطرق لموضوع الهجرة من سواحل الشمال الأفريقي إلى الجزر الإيطالية، فإن هذا العام سيتطرق إلى عدد من المواضيع التي اختارها المرجان، ورئيسه، مشاركة لما يمر به العالم اليوم من تطورات.
هذه الدورة لديها ما توفره في هذا المجال أيضًا. هناك، على سبيل المثال «فايسروي هاوس» وهو فيلم هندي لغورندر شاذا عن حرب الاستقلال التي، كحال ثورات الربيع العربي قبل بضع سنين، قادت إلى ضحايا (نحو مليون فرد) ومهاجرين (قرابة 12 مليون شخص).
أفلام لاتينية وأفريقية وأوروبية أخرى تتحدث عما مضى لتوحي بما هو حاصل اليوم أو لترتبط به.
أيضًا من بين الأفلام التي تسرد وضعًا لتعني به ما هو أكثر شمولاً «يواكيم» للمخرج البرازيلي مارشيللو غوميز حول رحلة لاكتشاف الذهب في القرن الثامن عشر لرجل ينطلق. وهذا الهدف هو كل ما يشغله لينتهي وهو يراجع موقفه ومفاهيمه على ضوء تعرفه على حالة المواطنين الأصليين للبلاد.
* حكايات عاطفية
ليس أن كل شيء في برمجة المسابقة، التي يتولى رئاسة لجنة التحكيم فيها المخرج بول فرهوفن، له علاقة ما بأحداث اليوم، لكن معظمها جاد في طروحاته على أي حال. خذ مثلاً الاشتراك المقدّم باسم رومانيا وألمانيا وفرنسا بعنوان «آنا، أحبك»، تجده دراما عاطفية بين شاب وفتاة تمتد أحداثها لتشمل رومانسية اللقاء الأول. الشغف العاطفي فيما بعد، ثم - ومع دخول بطلته آنا (تقوم بها دايانا كافاليوتي) حالة مرض نفسي يصاحبها الشعور باليأس، يدخل الفيلم منطقة الدراسة النفسية.
الفيلم الكوري «على الشاطئ وحيدة في الليل» لهونغ سانغسو يدور أيضًا حول امرأة. إنها ممثلة صينية معروفة (تؤديها كيم منهي) كانت مرتبطة مع رجل متزوّج بعلاقة عاطفية تقرر تركها ثم ترك كوريا كلها صوب هامبورغ في ألمانيا لتسرح وحيدة وتراجع مشاعرها. كأفلام المخرج الأخرى، يدور هذا الفيلم حول سؤال الحب في ذوات البشر وكيف تكتشف شخصياته أنفسها عندما تصبح وحيدة.
لكن هناك صعوبة تبدو أجدى للطرح يوفرها الفيلم البرتغالي «كولو» لمخرجته تيريزا فيلافيردي. انطلقت المخرجة من مطلع التسعينات وبات لها كم كبير من الأعمال المختلفة (بينها أفلام فرنسية وأخرى قصيرة) لكن يبدو أنها وضعت في «كولو» طموحها الأكبر. حكاية أب وأم وفتاة يعيشون في بيت مريح يخفي كثيرًا من التوتر الناتج، أساسًا، عن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البرتغال. الأب بلا عمل، والأم عليها أن تعمل لساعات إضافية لكي تؤمن المعيشة والفتاة تتساءل إذا ما كان الوضع سيؤدي إلى توقفها عن الذهاب إلى المدرسة. ويعود المهرجان إلى الموسيقى لكن في إطار روائي عبر الفيلم السنغالي «فيليسيتي» لألان غوميز الذي يتحدث عن مغنية أفريقية تعمل لتعيل ابنها الذي دخل المستشفى بعد حادثة. سيوظف المخرج (صاحب فيلم «أندالوسيا» قبل تسعة أعوام) هذا الوضع للحديث عن التباعد بين الطبقتين الاجتماعيّتين إذ تنقسم كونشاسا، حسب فيلمه، إلى مدينتين؛ واحدة للأثرياء والأخرى للفقراء.
في الخضم سيرة حياة أخرى، كحال «دجنغو»، لكنها في فحوى فيلم تسجيلي للألماني أندرياس فيل عن الفنان الألماني الراحل جوزف بايس عبر استرجاع وثائق مسجلة ومكتوبة عن حياته.
الصين لديها فيلم في المسابقة اختارته من نوع الأنيميشن بعنوان «ليكن يومك لطيفا»» (Have a Nice Day)، بينما تلتقي ألمانيا والنرويج لصنع فيلم توماس أرسلان الجديد «ليالٍ مضيئة».
الاشتراك الياباني متمثل بفيلم «مستر لونغ» للمخرج سابو حول قاتل محترف جاء من تايوان ليصفّي رجلاً لا يعرفه فيجده مسؤولاً عن تربية ابنه الصغير. تشيلي تقدم «امرأة بديعة» لسابستيان لسليو، وتعود سالي بوتر إلى الإخراج بالفيلم البريطاني «الحفلة» مع باتريشا كلاركسون في البطولة يشاركها الألماني برونو غانتز. والعودة الكبيرة هذا العام للمخرجة البولندية أنجييسكا هولاند التي تقدم «سبور» الذي يمكن ضمّه إلى الأفلام التي تتناول التاريخ لتلقي بظلاله على الحاضر.
ومن الأسماء الكبيرة الأخرى الألماني فولكر شلندروف الذي نجده في مزاج عاطفي هو الآخر. ففي «عودة إلى مونتوك» لقاء بين رجل (ستيلا سكارسغارد) وامرأة (نينا هوس) كانا على علاقة حب في السابق، مما يتيح المجال لدخول تلك العلاقة من جديد رغم موانع مختلفة. ولدينا أيضًا المخرج الفنلندي آكي كوريسماكي وفيلمه الجديد «الجانب الآخر من الآمل» وهو يقدم لقاءً من نوع مختلف؛ فهناك المهاجر السوري شروان حجي، الذي يبحث عن عمل، ورجل الأعمال ساكاري كاوزمانن، اللذان يلتقيان من دون موعد ليكتشفا أن هناك الكثير مما يمكن لهما أن يقوما به معًا.
في المسابقة فيلمان أميركيان (وعدد آخر خارجها): «العشاء» لأورين موفرمان مع رتشارد غير ولورا ليني، وهو أيضًا عن دور الآباء تجاه الأبناء، و«لوغان» لجيمس مانغولد. هيو جاكمان في دور رجل يحاول منع رجال السلطة من اكتشاف الموقع الذي أخفى فيه العالِم إكس (باتريك ستيوارت) في هذا الفيلم المستقبلي.
«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي (1): أفلام تدور رحاها بالأمس لتتناول ما يحدث اليوم
المهرجان منذ السبعينات يضع نفسه في موقع من يشارك السينما همومها
«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي (1): أفلام تدور رحاها بالأمس لتتناول ما يحدث اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة