السبب في أن هناك مسابقتين للسيناريو في عداد جوائز الأوسكار التي سيعلن عنها في الرابع والعشرين من هذا الشهر، يعود إلى الحاجة للتفريق بين سيناريو وُلد من مخيلة كاتبه، وآخر استوحاه كاتبه من مصدر آخر، أي إنه وُلد من مخيلة كاتب آخر يقف في خلفية بعيدة ولن يُتاح له دخول السباق.
قد يكون أديبًا أو مؤلفًا مسرحيًا أو كاتب تحقيق صحافي. ربما هو مؤلف راحل، لكن حتى لو كان ما زال على قيد الحياة، كالكثيرين الذين يتم اقتباس السيناريوهات من أعمالهم في الزمن الحاضر، فإنه بمعزل عن التنافس في هذا النطاق لأن ما كتبه هو أدب له وسيطه المختلف ومسابقاته المتعددة أيضا.
* ذات مرّة
تقدّمت السيناريوهات لدخول مسابقات الأوسكار منذ الحفلة الأولى لتلك الجوائز التي أقيمت بتاريخ 16 مايو (أيار) سنة 1929، والفصل بين سيناريو مكتوب خصيصًا وبين آخر مقتبس تم منذ ذلك الحين. في النطاق الأول فاز «تحت أرضي» (Underworld) ميلودراما كتبها بن هكت للمخرج جوزف فون ستمبيرغ (صوّره سنة 1927). والمنافسة تمّت بين هذا السيناريو وسيناريو آخر وحيد وضعه لاجوس بيرو لفيلم «الأمر الأخير» (The Last Command) الذي أخرجه كذلك فون ستمبيرغ بعد عام واحد على الفيلم الفائز.
في نطاق الأفلام المكتوبة المقتبسة كانت هناك ثلاثة منافسة فاز من بينها، وعن جدارة، «السماء السابعة» الذي كتبه بنجامين غلازر وقام بإخراجه فرانك بورزاغ الذي كسب أوسكار أفضل مخرج درامي كذلك. الفيلم العاطفي الذي تقع أحداثه في باريس خلال فترة الحرب العالمية الأولى من وحي مسرحية لأوستن سترونغ.
كلا الفيلمين الآخرين من إخراج ألان كروسلاند. الأول هو «بتسي الباهرة» من كتابة أنطوني كولدواي عن مسرحية بنفس العنوان لريدا جونسون يونغ، والثاني «مغني الجاز» الذي كتبه ألفرد كون اقتباسًا عن مسرحية لسامسون رافيلسون.
«مغني الجاز» كان موسيقيًا - غنائيًا وناطقًا جزئيًا (لم يكن أول فيلم ناطق كما أشيع لاحقًا) وهذا هو وضع «لا لا لاند» المرشح لأربعة عشر جائزة أوسكار هذه السنة من بينها أوسكار أفضل فيلم مكتوب خصيصًا.
الأفلام الأربعة المنافسة له هي «نساء القرن العشرين» لمايك ميلز و«مانشستر على البحر» لكنيث لونرغان، «ذا لوبستر» ليورغوس لانتيموس وإيفييميس فيليبو و«جحيم أو فيضان» لتايلور شريدان.
مسابقة الأفلام المقتبسة عن مصادر أخرى هي «وصول» الذي كتبه إريك هايسرر عن رواية بعنوان «قصّـة حياتك» لتد شيانغ و«حواجز» الذي وضعه أوغوست ويلسون مقتبسًا إياه عن مسرحيته بالعنوان نفسه، ثم «أرقام مخفية»، سيناريو أليسون شرودر و(المخرج) تيودور ملفي عن كتاب لمارغوت لي شاترلي و«ليون» الذي كتبه لوك دافيز عن كتاب وضعه الهندي سارو بريدلي بعنوان «رحلة طويلة للوطن» A Long Way Home وأخيرًا في هذا التعداد «مونلايت» الذي قام بكتابته مخرج الفيلم باري جنكنز عن رواية وضعها تارل مكراني.
* الحالمون
الحال أن الأفلام العشرة المرشحة هذا العام للمسابقتين تستحق جميعًا الثناء ولو على نحو متفاوت يعود الخلاف فيه إلى الأسلوب وليس إلى الموضوع. على عكس السيناريوهات العربية التي يُـكتب معظمها من دون دراية بقواعد الكتابة للشاشة، تتميّز ثماني سيناريوهات قرأها هذا الناقد تحضيرًا لهذا التحقيق، بالاقتصاد في الشرح وبالتأسيس الصحيح للحدث التالي، ثم بالتركيز على المفاد في نهاية المطاف. فـ«مونلايت» محدد من مطلعه وحتى آخر صفحة فيه ببحث بطله عن هويته الاجتماعية والعاطفية، و«لا لا لاند» يلتصق برغبته الحديث عن الأحلام الكبيرة التي يعتاش الناس عليها في هوليوود. يقول في منتصف الصفحة الثانية من السيناريو واصفًا جموع الشبان الذين يخرجون من سياراتهم في زحمة السير ليغنوا ويرقصوا: «هؤلاء هم الحالمون المناضلون. أعينهم على الجوائز.»
وبالدقة ذاتها يحتفي السيناريو بالنجاح الذي تبدّى لبطلته ميا (إيما ستون) في الصفحة 36 فتهب لتغني وترقص على أنغام موسيقى مناسبة. يكتب شازيل محددًا: «لمرّة واحدة هي واثقة تمامًا من نفسها وما تريد أن تفعله».
وفي الفصل الأخير من السيناريو تتبدّى حقائق أخرى. لا ميا حققت أحلامها كاملة ولا الشاب الذي تعرفت عليه وسط زحام السيارات في البداية أنجزها على نحو كامل. وبعض أحلامهما كانت تتعانق معًا لكنهما انفصلا ليعايش كل منهما وضعه الخاص.
إذا ما فاز «لا لا لاند» بأوسكار أفضل سيناريو مكتوب مباشرة للشاشة، فإن هذا الفوز هو الأول من نوعه لفيلم موسيقي منذ فوز «المنتجون» (كتابة وإخراج مل بروكس) سنة 1967، ما يعكس أن فوز الأفلام الموسيقية التي تسللت إلى هذه السباقات محدود.
بين النصوص المتنافسة على أوسكار أفضل سيناريو مباشر فإن «لا لا لاند» له حظوة كبيرة، لكن الأمر غير مسلّـم به بعد. سيناريو كينيث لونرغان «مانشستر على البحر» عمل يُـقرأ بالمتعة ذاتها التي يشاهد فيها المرء الفيلم. مثل داميان شازيل لونرغان بكتابة الفيلم وإخراجه أيضًا ما جعله على علاقة حميمة بالموضوع الماثل من جانبيه. الثالث في هذا الفعل هو تايلور شريدان الذي كتب وأخرج «جحيم أو طوفان».
* بين النقابة والأكاديمية
هذه الأفلام الثلاثة مطروحة برسم جوائز «نقابة كتاب أميركا» السنوية التي ستعلن في التاسع عشر من هذا الشهر. إنها الدورة الـ69 لها والمثير فيها ليس وجود «لا لا لاند» و«مانشستر على البحر» و«جحيم أو طوفان» في عداد قائمة الأفلام المكتوبة خصيصًا للشاشة، بل وجود «مونلايت» في هذه القائمة ووجوده في قائمة النصوص المقتبسة عن مصادر أخرى في قائمة الأوسكار.
حين اتصلت بإدارة هذه النقابة مستفهمًا ذكر لي المسؤول الذي تسلم سؤالي أن النقابة اعتبرت قيام باري جنكنز باستيحاء النص من مسرحية مكراني (كُتبت ولم تقدّم على الخشبة بعد تحت عنوان «تحت ضوء القمر الفتيان السود يمن دون زرقًا») لم يكن كاملاً: «السيناريو تم بتوظيف فكرة المسرحية وليس باقتباسها».
مراجعة تاريخ إنتاج فيلم باري جنكينز يفيد هذا المسار. هو وكاتب النص الأصلي مكراني (الذي يعيش في بروكسل) عملاً على فكرة تجمع بين النص وبين حياة مكراني الخاصّـة. جنكينز عاد إلى الولايات المتحدة (بعد لقائه بالكاتب في بلجيكا) وكتب نصًا خاصًّا به.
أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لم تعتبر أن هذا التباعد بين النص السينمائي والنص الأصلي كاف فأدخلت الفيلم في عداد ترشيحات السيناريوهات المقتبسة جنبًا إلى جنب الأفلام الأخرى التي تقدم ذكرها في هذه المسابقة، وهي «وصول» و«حواجز» و«أرقام مخفية» و«ليون».
هنا يكمن فارق آخر بين ترشيحات الأوسكار وترشيحات النقابة وهو وصول فيلمين آخرين إلى ترشيحات النقابة بينما غابا عن ترشيحات الأوسكار. الأول هو «حيوانات ليلية» الذي كتبه توم فورد عن رواية لأوستن رايت (وهو سيناريو جيد جدًا بحد ذاته) والثاني هو «دَدبول» Deadpool الذي تم اقتباسه عن شخصية مبتدعة في روايات الكوميكس الأميركية.
الفيلم الخامس في لائحة النقابة هو «أرقام خفية» الذي تم اقتباسه عن كتاب مارغوت لي شترلي، وهو كتابها الأول والوحيد حتى الآن، وتم التقاطه لتحويله إلى فيلم سينمائي أول ما ظهر في الأسواق مطلع العام الماضي.
سيناريو «وصول» الذي كتبه إريك هايسرر عن رواية بعنوان «قصّـة حياتك» لتد شيانغ، والداخل في المسابقتين، يستفيد من ذلك البحث عن الهوية لا الذاتية كما في «ليون» أو «مونلايت» بل بالنسبة لكوننا كائنات قد لا تكون الحية الوحيدة في الفضاء الشاسع. موضوع صب فيه الكاتب هايسرر لب رواية شيانغ، لكن القاتل فيه هو اضطراره لاعتماد تخصيص معظم أحداثه في فصل اللقاء الذي يتم بين البشر والكائنات الفضائية التي جاءت في زيارة.
للتذكير فقط، فإن أوسكار أفضل سيناريو مكتوب خصيصًا للسينما (أو «أصلي» كما هو اسمه الرسمي في قوائم أكاديمية العلوم والفنون السينمائية) ناله في مثل هذه الأيام من العام الماضي فيلم لم يتوقع له الفوز سوى حفنة قليلة بالمقارنة مع من توقعوا فوز «جسر الجواسيس». «سبتوتلايت» من كتابة مخرجه توم مكارثي وجوش سينجر فاز عن استحقاق عنوة على سيناريو وضعه كاتبان محترفان هما جووَل وإيثان كووَن (بالإضافة إلى كاتب «جسر الجواسيس» الأصلي مات شارمان).
على نحو مماثل توجه أوسكار أفضل فيلم مقتبس إلى «ذا بيغ شورت» («التقليص») لتشارلز راندولف وأدام ماكاي (الثاني أخرج الفيلم) الذي تجاور سيناريوهات مقتبسة أخرى اعتبرت أكثر احتمالاً للفوز وتحديدًا «كارول» لفيليس ناجي و«غرفة» لإيما دونوهيو.
تحليل ترشيحات الأوسكار (1): خلفيات مثيرة لسيناريوهات مقتبسة ومكتوبة للشاشة
الأفلام العشرة المرشحة هذا العام للمسابقتين تستحق جميعًا
تحليل ترشيحات الأوسكار (1): خلفيات مثيرة لسيناريوهات مقتبسة ومكتوبة للشاشة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة