هواجس الوجود ما بعد الحرب تقلق مسيحيي سوريا

يشعرون بالغبن ويتخوفون من «تفلت السلاح»... ومستاؤون من تجاهل مسودة الدستور الروسي للغتهم

مواطنون سوريون ينتظرون بينما اعتلى أحدهم دبابة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة السورية في درعا أمس (أ.ف.ب)
مواطنون سوريون ينتظرون بينما اعتلى أحدهم دبابة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة السورية في درعا أمس (أ.ف.ب)
TT

هواجس الوجود ما بعد الحرب تقلق مسيحيي سوريا

مواطنون سوريون ينتظرون بينما اعتلى أحدهم دبابة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة السورية في درعا أمس (أ.ف.ب)
مواطنون سوريون ينتظرون بينما اعتلى أحدهم دبابة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة السورية في درعا أمس (أ.ف.ب)

تضاعِف التطورات السياسية والعسكرية المواكبة للأزمة السورية، قلق بعض المسيحيين من وجودهم في البلاد ما بعد الحرب السورية، وذلك على ضوء استبعادهم بوصفهم «مكوّنا مسيحيا» من مفاوضات جنيف المرتقبة، واستبعاد مسودة الدستور المقترح الذي اقترحته موسكو في مؤتمر آستانة للغة السريانية أسوة باللغة الكردية التي يتضمنها الاقتراح. يضاف إلى ذلك، وجود ترسانة عسكرية كبيرة بيد ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، ذات الغالبية الكردية، يتخوفون من أن تُستخدم لإجبارهم على أن يكونوا جزءًا من النظام الفيدرالي المقبل في شمال البلاد.
يتراوح تعبير بعض المسيحيين السريان والآشوريين في سوريا عن واقع الأزمة بين وصفين، هما: «الشعور بالغبن» و«الإقصاء». ويقول من يستخدم المصطلح الأخير إن «المسيحيين في هذا الوقت مضطهدون من قبل (داعش) والمعارضة السورية» بالنظر إلى هجرتهم من المناطق التي يسيطر عليها الطرفان، بينما «تشظوا في مجموعات عسكرية تابعة لـ(قوات سوريا الديمقراطية) و(الدفاع الوطني) التابع للنظام» في شمال شرقي سوريا. وهذا، فضلاً عن أن الهجرة التي اختبرها المسيحيون إثر وصول نظام حزب البعث الحاكم إلى سوريا في عام 1963، تتصدر المشهد حتى فترة ما قبل اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، مع أن النظام في هذا الوقت «يسعى لإظهار حرصه على وجود المسيحيين والمتاجرة بوجودهم في الأروقة الدولية».
مدير «الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان» جميل دياربكرلي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الأطراف المسلحة التي تمتلك القوة تفرض قضيتها في المحافل الدولية»، في إشارة إلى ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية. وأشار إلى أن الكتائب المسلحة السريانية الموجودة في شمال البلاد «لا تخدم قضيتنا بصفتنا وجودا مسيحيا في الشرق الأوسط؛ كونها تُدار من قبل الإدارات التي تمولها، سواء ميليشيا (قوات سوريا الديمقراطية) التي ستستفيد منها لخدمة مشروع الإدارة الذاتية، أو ميليشيا (قوات الدفاع الوطني) التي تطبق أجندات النظام السوري».
وتابع دياربكرلي «بعد انتهاء الحرب، سيكون لدينا مشكلة تتمثل في انفلات السلاح، وهي مشكلة سيعاني منها الجميع»، معربًا عن مخاوفه من أن تُستخدم القوة والسلاح فيما بعد لضم السريان والآشوريين إلى الإدارة الذاتية ومنطقة الحكم الذاتي (الكردية)؛ «كونه مشروعا تطرحه فئة واحدة، وليس مشروعًا ضمن إطار وطني جامع، علما بأننا لا نعارض الفيدرالية في حال لم تكن فئوية»، معتبرًا أن مشروعًا مشابهًا «يُطرح بشكل أحادي لن يمثل المسيحيين العرب».
مشكلة السلاح نفسها، يطرحها هؤلاء المسيحيون في شمال سوريا على شكل أسئلة. ويقول سليمان اليوسف، الباحث في قضية الآشوريين في سوريا، إن الأسئلة المقلقة الآن «تتمثل في السؤال عن مصير السلاح الذي تحمله قوات سوريا الديمقراطية بعد دحر (داعش)»، مشيرًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه الهواجس «تنطلق من أننا نتعاطى مع قوى سنعيش معها، وليست قوى عسكرية بعيدة عنا، وهو سؤال يتشاركه معظم المسيحيين في شمال البلاد». ومن ثم أعرب اليوسف عن قلقه أيضًا «من تفجر صراع عرقي عربي – كردي بعد نهاية الحرب في تلك المنطقة».
غير أن هذه المخاوف من السلاح الكردي اعتبرها إبراهيم إبراهيم، مدير المركز الإعلامي باسم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في أوروبا «نتيجة ثقافة زرعها حزب البعث، فأفقد ثقة السوريين ببعضهم». وادعى أن الهواجس غير مبررة؛ كون «الزمن تغير والإدارة الذاتية ليست من المنظومات السياسية التي تهدد أو تلغي أي أحد» على حد قوله. وتابع: «إن الإدارة الذاتية تضمن حقوق الجميع، ولن تسمح لأي قوة أن تتعدى على حقوق السريان أو الآشوريين أو أي شخص آخر».
وقال إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» في سياق دفاعه: إن ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» تضم كتائب سريانية إلى جانب المكونات العربي والعشائري والكردي والتركماني، مشددًا على أن «النظام الديمقراطي الذي نسعى له في سوريا، سيبدد كل تلك الهواجس؛ لأن كل المكونات ستأخذ حقها، وستضمن حماية الجميع وبقاءهم».
واستطرد المتحدث الكردي، إن الإدارة الذاتية «يشارك فيها الأكراد والعرب، عبر الرئاسة المشتركة»، مدعيًا أن المسيحيين «جزء أساسي من مكونات شمال سوريا، ومشاركون فيه، ويحظون بالحماية، بدليل المعارك التي خاضتها (قوات سوريا الديمقراطية) وبينها الكتائب السريانية والعربية للدفاع عن منطقة حوض الخابور (بريف الحسكة) حين هاجمها (داعش)، وصولاً إلى تحريرها وبسط الأمان في المنطقة».
غير أن مسيحيي شمال شرقي سوريا لا يرون أن القوانين والممارسات الحالية في شمال سوريا تبعث على الطمأنينة، في إشارة إلى «فرض السيطرة على المدارس ووضع اليد على أملاك المهاجرين وسوق الشباب للخدمة الإلزامية، وهو مشروع غير شرعي؛ لأنه غير متفق عليه»، بحسب ما يقول دياربكرلي. وهو ما يرد عليه إبراهيم، بالقول: إنها قوانين «أجبر الجميع على اتخاذها في ظل أننا في مرحلة حرب، وتقتضي من كل المكونات الدفاع عن المنطقة، لكنها ستتغير القوانين فور تطبيق الأمان في المنطقة وطرد الإرهاب».
بيد أن المخاوف المسيحية في شمال شرقي سوريا، تتعدى قضية «تفلت السلاح» والهواجس من «فيدرالية شمال سوريا»؛ إذ عكست مسودة الدستور المقترح من قبل روسيا في آستانة يومي 23 و24 يناير (كانون الثاني) الماضي مشاعر التهميش. وأوضح دياربكرلي، أن التحفظ الآشوري عن مسودة الدستور «كوننا نرفض منطق الوصاية من الخارج، فضلاً عن أنه يركّز على العرب والأكراد ويستبعد السريان الذين يعتبرون مكونًا قوميًا آخر يشكل أساس اللغة السورية، ولم يتحدث عن الثقافة السريانية؛ ما يعني أن هناك تهميشًا للمكون»، ثم لفت إلى أن الآشوريين «هم مسمى قومي وليس كنسيًا طائفيًا»، مذكرًا بأن مسيحيي سوريا «اشتركوا في تأسيس الدولة بشكل فاعل، وتستحق لغتهم وتراثهم الحفاظ عليه». من ناحية أخرى، يسكن المسيحيون في هذا الوقت هاجس الهجرة. ويقول دياربكرلي «المسيحيون لم يهاجروا لأنهم فقدوا الأمان فحسب، بل مورست ضدهم سياسات عنصرية، وهي الممارسات من قبل المعارضة و(داعش) والنظام الأكراد»، مشددًا على أن المسيحيين «يعانون الاضطهاد، ولا يشكلون مركز اهتمام بالنسبة للدول الغربية التي تداعت لدعم الأكراد، من غير دعم المسيحيين بصفتهم مكوّنا، إذا ما قورن الواقع باستجابة الغرب للأكراد في عين العرب (كوباني) حين حاول (داعش) احتلالها»، مضيفا: «في مستقبل سوريا، لا أتوقع أن يكون للمسيحيين مكان؛ كونه لا وجود ضمانات للأقليات في سوريا».
هذه النقطة، لا يوافق عليها سليمان اليوسف؛ إذ يرى «ثمة نزيفا دائما، وساهم اهتزاز الاستقرار في تسريع وتيرة هجرة المسيحيين، لكن الهجرة الكلية أمر مبالغ فيه، بالنظر إلى أن هناك أشخاصًا يصرون على البقاء رغم الظروف، ليس لأسباب مسيحية، بل لأسباب وطنية». ويشير اليوسف إلى أن الآشوريين يهمهم «المشاركة في مباحثات جنيف بصفتهم مكوّنا، علما بأن هناك ممثلاً عنا ضمن وفد المعارضة السورية إلى محادثات السلام». ويلفت إلى أن المسيحيين «يستاءون من التفاهمات التي تحصل من غير لحظ خصوصية المسيحيين والآشوريين؛ وهو ما ولد شعورًا بالغبن»، مطالبًا باعتراف دستوري «يخطو خطوات باتجاه حماية اللغة والاهتمام بها كونها جزءا من التراث الوطني». واختتم قائلا: «نحن خائفون من ألا تكون لنا مشاركة حقيقية وفاعلة في سوريا المستقبل. نحن نرفض أن نكون ديكورًا في التشكيلات السياسية، ونطالب بمشاركة فاعلة على الأرض».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».