لم يمر سوى أسبوعين على تعيين دونالد ترمب رئيسا حتى شرع الكونغرس في محاولات للحد من الخسائر الدبلوماسية التي تكبدها البيت الأبيض. فتجد أعضاء مجلس الشيوخ إما منهمكين في اجتماعات متواصلة، وإما مشغولين في محادثات هاتفية محرجة مع سفراء دول حليفة كبرى، لتأكيد أن الولايات المتحدة لا تزال صديقة لهم. ويقوم أعضاء مجلس الشيوخ بزيارات جماعية لدول اعتادوا على القيام بها بصورة دورية، لكن هذه المرة كان الهدف هو التأكيد لزعماء العالم على أن أعضاء مجلس الشيوخ الأقوياء يستطيعون توجيه سياسات الرئيس الجديد.
وبينما انهمك آخرون في سن تشريعات للحد من قوة روسيا، يحاول الأعضاء أيضا الوقوف على مبدأ ثابت للبيت الأبيض، بعدما تبنى هذا الأخير موقف باراك أوباما نفسه الداعي لانسحاب روسيا من شبه جزيرة القرم، ومنع إسرائيل من بناء المستوطنات، وتشديد الحظر على إيران لمنعها من إجراء مزيد من التجارب على الصواريخ الباليستية.
وفي السياق ذاته، قال السيناتور بن كاردين، عن ولاية ماريلاند، الذي يعد العضو الديمقراطي الأبرز بلجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، إنه «على الكونغرس تبني موقف أكثر فعالية في السياسة الخارجية»، مضيفا: «(ويتم ذلك) جزئيا، بأن تحاول دفع إدارة ترمب لتأييد القيم الأميركية التقليدية بالخارج، وأن تحد من بعض الخسائر التي تسبب فيها، وهذا ضروري ويتعين على الحزبين تنفيذ ذلك سويا».
وأفاد كاردين بأنه سيقوم قريبا بزيارة للمكسيك «لإصلاح بعض مما فسد في العلاقات الثنائية». وبحضور السيناتور بوب كروكر، عن ولاية تينيسي، رئيس اللجنة، اجتمع كاردين مع سيغمار غابريل (نيسان)، ووزير الخارجية الألماني، والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن. وأفاد السيناتوران بأنهما تطرقا إلى المخاوف المشتركة، وفق كروكر الذي قال إن «الملك أشار إلى أن السياسات الأخيرة كان لها تأثيرها».
من جهته، أدلى السيناتور جون ماكين، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية أريزونا ورئيس لجنة الجيش بمجلس الشيوخ، بتصريح بارز الخميس الماضي، أشار فيه إلى أنه تحدث هاتفيا مع سفير أستراليا لدى الولايات المتحدة، جو هوكي، ليعرب له عن «الدعم الثابت للتحالف الأميركي - الأسترالي». وجاء ذلك عقب المحادثة الهاتفية التي أجراها ترمب مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول، حول مصير اللاجئين في مركز للاحتجاز في أستراليا.
وعلى المنوال نفسه، جاءت كلمات رئيس مجلس النواب بول راين في المؤتمر الصحافي الذي عقد مؤخرا، حيث أفاد بأن «رئيس الوزراء ترنبول زارني بمكتبي منذ عدة شهور، فهو حليف بالغ الأهمية. أستراليا حليف مركزي، وسوف تبقى حليفة إلى الأبد». وكان ترمب دخل في خلاف بشأن المواقف السياسية لأعضاء الحزب الجمهوري بالكونغرس عن ولاية ماريلاند بشأن موضوعات التجارة والهجرة، والإصلاحات الضريبية، لكنهم في النهاية ساروا على نهجه.
لكن فيما يخص العلاقات الخارجية، تحديدا عندما يتعلق الأمر بالحلفاء الدائمين للولايات المتحدة، مثل أستراليا، فقد اتخذ الجمهوريون والديمقراطيون موقفا موحدا في سخطهم، وربما تخوفهم من العواقب. فقد استاءوا كثيرا من تصريحات ترمب التي أعلن فيها موافقته على التعذيب، وتعجبوا من الإهانات التي كالها ترمب للحكومة الإيرانية على موقع التواصل «تويتر»، وهي المنصة التي يفضلها لخوص نزالاته في السياسة الخارجية.
إلى ذلك، اعترض أعضاء مجلس الشيوخ على اقتراحات ترمب التي قال فيها إن «منظمة شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي عفا عليهما الزمان»، وكان النقاش الهاتفي مع رئيس الوزراء الأسترالي آخر المناوشات الكلامية حتى الآن. وبحسب السيناتور جون كورنين عن ولاية تكساس والعضو الثاني بالكونغرس من حيث الأهمية، قال الرئيس: «أميركا أولا، وأنا أوافق، لكنّ لدينا حلفاء مهمين أيضا في جميع أنحاء العالم».
وكان أعضاء مجلس النواب اجتمعوا الأسبوع الماضي مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، قبل أن تتوجه للبيت الأبيض، لإيصال رسالة مهمة تتعلق بالتزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو). رغم أن هذه الموضوعات كانت ذات أهمية ثانوية حتى وقت قريب، أصبحت الآن متوسطة الأهمية، وفق تعبير عدد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب. وأفاد زعيم الأغلبية بمجلس النواب، ميتش ماكونيل، الجمهوري عن ولاية كنتاكي، بأنه منهمك في الشؤون الخارجية، ويعمل على إرسال رسائل الطمأنة لكثير من الدبلوماسيين وزعماء العالم بشأن مواقف الولايات المتحدة.
ساهم موقف ترمب من روسيا تحديدا في توحيد صفوف كثير من أعضاء الكونغرس الذين شعروا بقلق بالغ، فآراؤهم كانت متقلبة تجاه المقترحات التي كررها عن أن روسيا لم تتدخل بالتلاعب في الانتخابات الأميركية، على عكس تقارير وكالات الاستخبارات الأميركية، ناهيك بتلميحاته بأن إدارته ربما ترفع العقوبات المفروضة على روسيا. إلا أن تصريح السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بأن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات حتى تنسحب روسيا من القرم، طمأن بعض النواب القلقين.
وانضم السيناتو تشاك شومر، الديمقراطي عن نيوريورك، وليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري عن جنوب كاليفورنيا، لموقف كاردين وماكين الداعي إلى العمل على مشروع قانون يتطلب موافقة على الكونغرس قبل السماح لترمب برفع العقوبات عن روسيا.
والخميس الماضي، صرح السيناتور غراهام والسيناتور شلدوم وايتهاوس، الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند، بأن اللجنة القضائية بالكونغرس المختصة بقضية شبه جزيرة القرم ومكافحة الإرهاب سوف تتحرى تدخل روسيا في التأثير على الانتخابات سواء في الولايات المتحدة أو خارجها.
وكان ترمب أصدر أمرا الأسبوع الماضي استهدف به اللاجئين السوريين وجميع المهاجرين من عدد من الدول الإسلامية، مما أثار عاصفة من الانتقادات الحادة من عدد كبير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، وعدد كبير من الجمهوريين بمجلس الشيوخ. بيد أن المساعي تسير على قدم وساق للحد من تداعيات زلات ترمب وسياساته المستفزة.
وقد أفاد مارتن إنديك، نائب المدير التنفيذي لمعهد بروكنغز الذي خدم بلاده سفيرا لدى إسرائيل، بأنه «ليس بمقدور الكونغرس القيام بسياسة فعالة موازية»، مضيفا: «هذا من اختصاص الجناح التنفيذي. فهناك خلافات حقيقية الآن بين إدارة ترمب والحكومة المكسيكية، ولن تحل سوى بعمل الطرفين سويا وبشكل مباشر.
ودور أعضاء مجلس الشيوخ يكمن في تلطيف الجو لا أكثر. ولأن الأعضاء ليسوا السبب في المشكلة فلن يستطيعوا حلها وحدهم».
* خدمة «نيويورك تايمز»