أكد كثير من الدول الأعضاء في اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادي»، التي تستهدف إقامة أكبر منطقة تجارة حرة إقليمية في العالم، استمرارها في الاتفاقية رغم قرار إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاقية.
وقال وزير المالية الياباني تارو أسو، خلال مؤتمر صحافي، أمس الثلاثاء، إن اليابان ستعمل مع الدول الأخرى الأعضاء في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي من أجل تعزيز التجارة الحرة، بعد أن أعلن الرئيس ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. في حين قال وزير الخارجية، فوميو كيشيدا، للصحافيين إنه سيواصل المناقشات مع الولايات المتحدة، مضيفا: «أعتقد أن الولايات المتحدة تدرك أيضا أهمية التجارة الحرة؛ لذلك، فإنه من المهم أن نواصل الاتصال عن كثب مع واشنطن»، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وجاء انسحاب الولايات المتحدة بعد يوم من قول المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوشيهيدي سوجا: «نرغب في انتهاز كل فرصة لنناشد إدارة ترمب، ونسعى لتحقيق تفاهم حول الحقائق المتعلقة باتفاقية التجار عبر المحيط الهادي، ومعناها للولايات المتحدة خاصة». مضيفا أن رئيس الوزراء شينزو آبي سيتحدث مباشرة مع الرئيس ترمب حول الاتفاقية خلال اجتماع قادم، لكن لم يتم تحديد موعد بعد لذلك الاجتماع.
وفي أستراليا، قال وزير التجارة الأسترالي، ستيفن سيوبو، أمس، إن بلاده لن تتخلى عن الشراكة التاريخية عبر المحيط الهادي رغم الانسحاب الأميركي، وأضاف أن «هذا أمر مخز إلى حد كبير، لكنه لم يكن غير متوقع»، وأنه حريص على معرفة ما إذا كانت الاتفاقية - التي تضم 12 دولة - يمكن أن تستمر من دون دولة واحدة وهي الولايات المتحدة.
وأكد سيوبو لراديو «إيه بي سي» أن أستراليا ستبقي على خيار التصديق على الاتفاقية، وأنها تجري مناقشات بالفعل مع كندا والمكسيك واليابان ونيوزيلندا وسنغافورة وماليزيا، بشأن العمل تجاه «إيجاد بديل». كما قال في تصريحات لقناة «سكاي نيوز» الإخبارية التلفزيونية إن «أستراليا، وعددا كبير من الأعضاء الآخرين في الاتفاقية، يركزون بشدة على التأكد من استمرار جني المكاسب التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة عبر المحيط الهادي».
ويشار إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية يشكل صفعة لرئيس الوزراء الأسترالي، مالكوم تيرنبول، الذي يعتبرها جزءا من خطته الاقتصادية لأستراليا.
وفي نيوزيلندا، قال وزير التجارة النيوزيلندي، تود ماكلاي، أمس، إن بلاده ملتزمة بالاستمرار في الاتفاقية رغم الانسحاب الأميركي، موضحا في بيان لوكالة الأنباء الألمانية أن «اقتصاد نيوزيلندا يعتمد على الوصول العادل للأسواق الخارجية، وسنواصل الدفاع عن ذلك من أجل مزايا تحرير التجارة على المسرح العالمي»، مضيفا أنه تحدث مع «عدد من وزراء الشراكة عبر المحيط الهادي في دافوس الأسبوع الماضي».
وقال ماكلاي إن «موقف الولايات المتحدة محبط، لكنه ليس مفاجأة؛ لأن أفكار ترمب ستتضح بمرور الوقت»، وأضاف أن اتفاقية الشراكة ما زالت ذات قيمة بصفتها اتفاقية للتجارة الحرة، باعتبارها أول اتفاق من نوعه لنيوزيلندا مع اليابان وكندا والمكسيك وبيرو.
من ناحيته، قال خبير السياسات التجارية، تشارلز فيني، للإذاعة النيوزيلندية، إنه يشك في استمرار التزام الدول الباقية باتفاقية الشراكة الراهنة، وأوضح أن «كثيرا من محتوى هذا الاتفاق الذي تم توقيعه تم وضعه بالفعل لخدمة المصالح الأميركية... لذلك سيكون هناك كثير من التفكير فيما يمكن عمله بشأن سريان الأمور وفقا لما تم التفاوض عليه بالفعل».
* قرار في مصلحة الصين
وفي أعقاب إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاقية، قال روبرت إيسون، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة فيكتوريا في ويلنغتون، إن سياسات ترمب ستدفع نيوزيلندا لمزيد من التقارب مع الصين.
وكتب إيسون مقالا على موقع «فير فاكس ميديا» أمس، يقول فيه: «سيكون من مصلحة الصين تقديم نفسها باعتبارها شريكا أمنيا مسؤولا... شي جينبينغ (الرئيس الصيني) ربما يخفف من تشدد الصين، على الأقل لفترة من الوقت، وهذا سيجعل من السهل على نيوزيلندا التقارب مع بكين والابتعاد بنفسها عن واشنطن».
وكان ترمب قد وقع مساء الاثنين قرارا تنفيذيا بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية التي تضم 12 دولة تطل على المحيط الهادي في الأميركيتين وآسيا. وكانت الولايات المتحدة والدول الأخرى الموقعة قد توصلت إلى الاتفاقية بعد مفاوضات شاقة، ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم ترفعها إلى الكونغرس للتصديق عليها.
* انتقاد داخلي
من ناحيته، انتقد السيناتور جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا وأحد قادة الحزب الجمهوري الذي رشح ترمب لانتخابات الرئاسة، قرار الانسحاب من الاتفاقية، باعتباره «خطأ فادحا».
وأضاف أن «القرار سيبدد فرصة تشجيع الصادرات الأميركية وتقليل الحواجز التجارية وفتح أسواق جديدة وحماية الإبداع والابتكار الأميركي»، كما أوضح أن انسحاب الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية سيفتح الباب أمام «الصين لكي تعيد كتابة قواعد الطريق على حساب العمال الأميركيين، وسيرسل إشارة مضطربة بشأن انسحاب أميركي من منطقة آسيا والمحيط الهادي؛ في الوقت الذي تقل فيه القدرة على تحمل هذا الانسحاب إلى أدنى درجة».
وتضم اتفاقية الشراكة أستراليا وبروناي وكندا وشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام، وتضم هذه الدول ومعها الولايات المتحدة، نحو 800 مليون نسمة، وتمثل نحو 40 في المائة من إجمالي الاقتصاد العالمي، و26 في المائة من التجارة العالمية بقيمة تزيد على 11 تريليون دولار.
وتستهدف الاتفاقية إزالة الحواجز التجارية في المنطقة وخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على نحو 18 ألف سلعة صناعية وزراعية، بما في ذلك المنسوجات والملابس.