يعود الكاتب المغربي الطاهر بن جلون إلى مراكش ليقدم، للمرة الأولى في المغرب، جانبا آخر من شخصيته كمبدع، من خلال عرض رسوماته، برواق «تيندوف»، بعد أن سبق له أن عرضها بمتحف «سان سلفاتور» بروما، ومتحف «فيللا بيكولو» في باليرمو، بإيطاليا.
ويعتبر بن جلون، الذي ولد بمدينة فاس عام 1944، من أشهر المبدعين المغاربة على الصعيد العالمي، تألق في الرواية والشعر، من أشهر رواياته «حرودة» (1973)، و«موحى الأحمق.. موحى الحكيم» (1981)، و«صلاة الغائب» (1981)، و«طفل الرمال» (1985)، و«ليلة القدر» (1987) و«أن ترحل» (2006)، وهو الذي ترجمت له رواية «طفل الرمال» إلى 43 لغة، ومؤلف «العنصرية كما شرحتها لابنتي» (1998) إلى 33 لغة، كما حاز عددا من الجوائز، بينها «غونغور» (1987) و«أركانة» (2010)، ووشح بأوسمة رفيعة في المغرب والخارج.
بمناسبة معرضه الفني، الذي يأخذ عنوان «أكتب الرسم» (أو «الكتابة بالرسم»)، والذي سيفتتح يوم غد (السبت)، ويستمر إلى غاية 15 مايو (أيار) المقبل، سيتقدم كاتب رواية «تلك العتمة الباهرة» (2000)، أمام جمهوره ومعارفه وعشاق الفن التشكيلي، كرسام، حيث يتكفل أهل الاختصاص بمهمة النقد الفني، ووضع مسافة بين بن جلون الكاتب، الذي أكد قيمته على الصعيد العالمي، وبن جلون الرسام، الذي نقرأ، في تقديم معرضه الفني، أن رسوماته تبقى «مجرد ألوان، عبارة عن حلم، ثمرة من ثمرات الخيال ودعوة لاكتشاف حلم، ليس أكثر».
في تقديمه لمعرضه، يتوسل بن جلون لغة شاعرية، كما لو أنها تحاول أن تبرر تجربته على درب الألوان والرسم أمام عشاق الفن التشكيلي ونقاده، بعد أن نال اعتراف نقاد وقراء الرواية والشعر. «اعتراف»، هكذا يعنون بن جلون، كلمته، حيث نقرأ: «أية فكرة عجيبة، تلك التي تجعلنا نضع الألوان على مشاهد من الحياة، وعلى جمال وأحزان العالم؟ أنا لا أرسم ما أشاهده، بل ما أتخيله. أبتكر فراشات عملاقة لا وجود لها في أي مكان، فأملأها ببقع الألوان. أرسم أضرحة مشرعة على موجات من الأحلام. أرسم فواكه (متفتحة)، حيث الأشجار صواعق، وحيث السماء تنحني على البحر، مندمجة مع المرايا غير الصادقة. أرسم أبوابا دون أن أفتحها. أتذكر الصالحين في نومهم الأبدي، وأضع أشعة الضوء على الجدران، فيما الشمس والقمر عصافير زرقاء أو سوداء تنتشر في سماء ببياض غير واقعي. في كتاباتي، أطارد الوحدة، وأغني في لوحاتي عن الحشد السعيد. أيضا، الحدائق والبراري لتأخير وتثبيط عزيمة الحزن».
بالنسبة للناقد المغربي عزيز الداكي، ينتمي الطاهر بن جلون إلى تلك الكوكبة من الكتاب التي تجد متعة في ممارسة الرسم في ارتباط بالكتابة. عشق بن جلون الرسم، لكن هناك مسافة شاسعة بين أن ترسم لنفسك رسومات، تحتفظ بها بعيدا عن الأعين أو أن نتقاسمها مع مجموعة ضيقة من الأصدقاء، ووضع هذه الأعمال أمام أنظار العموم.
يرى الداكي أن «الخطوات الأولى لبن جلون كرسام تتميز بعالم مذهل من الألوان، يجري نسجه بطريقة عفوية، تقريبا، حيث نكون مع قصاصات من الأقمشة ومن الذكريات المنتمية إلى عالمين. عالم الرسام واضح تماما، بتأثيرات لماتيس وسونيا دولاناي، سوى أن الميزة الشخصية للأعمال لا تترك مجالا للشك في الطريقة التي يمارس بها بن جلون الرسم، من دون مركب نقص. يمسك بن جلون بالرسم رغبة في لذة إعطاء شكل للخطوط والأشكال والألوان. (إنها تمتعني)، هي إحدى العبارات التي تتكرر على لسان بن جلون، كلما تحدث عن رسوماته، بن جلون، الذي لا يخفي ابتهاجه وفخره بطريقة تلقي أبنائه لرسوماته، قائلا: (أبنائي معجبون برسوماتي، على عكس كتبي)».
وفيما يحذرنا الفرنسي بيير بيرجيه، من الوجه الخفي للكتاب، مشددا على أننا «إذا عرفنا كيف نصل إليه (الوجه الخفي)، فسيخبرنا، غالبا، عن كثير من الأشياء، أكثر مما يظهر»، يذهب الكاتب المغربي، المقيم في هولندا، فؤاد العروي، تحت عنوان «الوطن الثالث للطاهر بن جلون»، إلى أن «ما نشاهده في أعمال بن جلون ليس الواقع، بل ما يريد الرسام - الشاعر البوح به. هذا الضريح، تلك الأزهار المرسومة، بعيدا عن باريس أو طنجة، وطن ثالث يذهب إليه الطاهر بن جلون، هربا من الكلمات والأدب ومن الفكر، ربما. ترسم الأزهار حديقة سرية حيث الصفاء يبلسم قلق الصباح أو ندم المساء. أيضا، هناك السلام والصمت والوساطة. نحن، هنا، أيضا، ضمن عالمين. عالم ماتيس (الرسام الفرنسي) وعالم الشعيبية (الفنانة المغربية الراحلة التي عرفت برسوماتها الفطرية) موحدان بشغف الألوان التي ننشرها على المآسي الرمادية للعالم».
الطاهر بن جلون يعرض رسوماته في مراكش
بعد أن اشتهر عالميا روائيا وشاعرا
الطاهر بن جلون يعرض رسوماته في مراكش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة