اقتحمت ثلاث فتيات في العشرينات من العمر، أفاني تشارفيدي وبهوان كانث وموهانا سينغ، مجالاً لطالما كان حكرًا على الرجال. واستطعن تبوؤ عالم الطيران الحربي إلى جانب الرجل، ليصبحن أول ضابطات مقاتلات يقدن الطائرات في سلاح الطيران الهندي. وعلى الرغم من أن السماح لهُنّ جاء على سبيل التجربة لخمس سنوات، فإن هذه الخطوة تعد بداية قوية لمنحى جديد لاستيعاب الفتيات في الجيش الهندي.
منذ 20 عامًا اتخذ سلاح الطيران الهندي خطوة مماثلة، عندما وافق على تعيين ضابطات بصفة قائدات لطائرات الهليوكوبتر.
ويبلغ عدد النساء في سلاح الطيران الهندي حاليًا 1500. منهنّ 94 طيارة و14 ملاحة جوية، إلا أنّ عملهن يقتصر حتى الآن على الأدوار غير القتالية مثل النقل وقيادة طائرات الهليكوبتر.
وبذلك تنضم الهند إلى الصين وباكستان، وإسرائيل، وفرنسا وتركيا واليونان والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق الذي يعتبر أهم كل تلك الدول في هذا المجال.
وكان سلاح الطيران الباكستاني قد بدأ بالسماح بانضمام الفتيات لبرنامج إعداد الطيارات المقاتلات عام 2006. لتصبح بذلك أول دولة آسيوية تتخذ تلك الخطوة. وأصبح لباكستان في 2014. أول قائدة طائرة مقاتلة، تدعى عائشة فاروق التي حازت على شهرة عالمية بعد استهدافها لمعاقل طالبان شمال وزيرستان. وانتشرت صورة عائشة بغطاء رأسها الأخضر الذي ظهر أسفل خوذتها العسكرية، في وسائل الإعلام العالمية وكذلك في شبه القارة الهندية كدليل على إمكانية المرأة.
وفي مقابلة صحافية، علقت عائشة (26 سنة)، على زملائها الرجال بقولها «لا أشعر بأي فارق بيني وبينهم، فجميعنا نؤدي العمل نفسه».
وفي الهند المجاورة، تتلقى الفتيات الهنديات الثلاث، دورة تدريبية على المناورات القتالية وإطلاق النار، وسط 43 متدربا من الرجال. وسيحصلن على تدريبات في استخدام طائرة «هوكس» و«ميغ 21 إس»، و«سوخوي 30 إم كي أي إس» و«ميراج 2000».
ويقول قائد القوات الجوية جي بي سنغ: «سواء كان رجلا أم امرأة، في حال فشل الضابط في اجتياز المرحلة الأخيرة من التدريبات، فلن يكون مهيأ للقتال».
لم يكن قرار انتساب النساء في مجال قيادة الطائرات الحربية سهلاً، فلطالما كان سلاح الطيران الهندي متحفظًا إزاء هذا الأمر. ففي مارس (آذار) 2014، قال المارشال أروب راها، قائد سلاح الطيران الهندي السابق، إنّ النساء لن يتلقين معاملة تفضيلية بعد انخراطهن في الحياة العسكرية وأنّهنّ سيكلّفن بالمهام التي يطلبها سلاح الطيران كغيرهن من الطيارين الحربيين. وأضاف: «فيما يخص خطط سلاح الطيران، العمل ينطوي على الكثير من التحدي. فالنساء نظرًا لطبيعتهن الجسمانية، لا يستطعن الطيران لساعات طويلة، خصوصًا في أشهر الحمل، أو إذا عانين من أي مشكلات صحية أخرى». وعلى الرغم من الإجماع المتزايد على المساواة بين الجنسين في جميع المجالات، فهل يجب أن يأتي ذلك على حساب الكفاءة في المهام العسكرية؟ لكنّه عاد ليغيّر رأيه لاحقًا وصرح بأن سلاح الطيران يعتزم قبول طيارات مقاتلات «ليحقق آمال النساء الهنديات».
شكّل قرار السماح للنساء بدخول سلاح الطيران مثار جدل كبير، ففي أفغانستان على سبيل المثال، أصبحت نيلوفار رحماني أول سيدة في البلاد تقود طائرة حربية ولم تتخطَ عامها الـ21. بيد أنّها تلقت تهديدات بالقتل من حركة طالبان، ناهيك عن المعارضة الشديدة من عائلتها التي عارضت بقوة طبيعة عملها في مجال الطيران الحربي الذي يهيمن عليه الرجل.
تخرجت أفاني تشاترفيدي من كلية الهندسة وكان أفراد عائلتها في الجيش، مصدر الإلهام لها لتلتحق بسلاح الطيران. «كل إنسان يحلم بالطيران، فعندما تمشي على الأرض تنظر إلى السماء وتنظر إلى الطيور، وتتمنى لو أنك تستطيع التحليق مثلها. وحلمي هو أن أصبح قائدة طائرة حربية جيدة، وأن يستطيع قادتي الاعتماد علي في العمليات الجوية. أريد أن أقود أفضل الطائرات المقاتلة وأن أتعلم أكثر وأكثر كل يوم».
وعند الحديث عن الرحلة الثانية التي قامت بها بمفردها، قالت تشاترفيدي إنّه في هذه المهنة كثيرًا ما تصبح مطالبًا باتخاذ قرار خلال «جزء من الثانية»، واستشهدت بلحظة أحسّت فيها أن قلبها على وشك أن يقفز من حلقومها وكان عليها أن تنهي رحلتها الثانية قبل الإقلاع بدقائق. وأضافت: «عندما درت بالطائرة على الأرض تمهيدًا للإقلاع بالقرب من أول علامة، سمعت تحذيرًا صوتيًا، وارتبكت عند إعلان حالة الطوارئ، غير أن التدريبات التي تلقيتها علمتني اتخاذ القرار في الحال، وأنهيت الرحلة وأوقفت الطائرة بأمان على المدرج. أدركت في ذلك اليوم أنّ اتخاذ القرار في جزء من الثانية ربما يساعدك على السيطرة على الوضع، وأنني لو تأخرت في قرار إنهاء الرحلة وانطلقت بالطائرة، لجاءت العواقب وخيمة».
أما بالنسبة لكانيث، (24 سنة)، فهي من عائلة ذات خلفية مدنية، لكنّها كانت ترغب في الانضمام للجيش لخدمة بلادها في سن صغيرة. لم يتمكن والدها من تحقيق حلمه بالانضمام إلى الجيش بسبب رفض الجد، لكنّه شجعها لتحقيق حلمها. وتابعت: «أحلم بأن أكون ضمن الفرق القتالية وأن أحارب دفاعًا عن بلادي عندما يناديني الواجب».
ولدى سؤالها عن أول رحلة فردية قامت بها، أجابت كانيث: «على ارتفاع 2000 قدم بدأ الشك يساورني، ماذا لو أنّ عطلا ما حدث في الطائرة؟ وطافت الأسئلة في ذهني، ماذا لو أن الطائرة لم تستجب لأوامر الأزرار». فقالت لنفسها: «إن لم أنجح في مهمتي الآن فسأستمر على حالة الخوف إلى الأبد. حاولت الهبوط بالطائرة، وكانت المفاجأة أنّ مقبض الهبوط لم يعمل، أو هكذا ظننت. لكنّ المقاتل الطيار في داخلي نفّذ ما تعلمته في المحاضرات، وتصرف بالشكل الصحيح والسريع وزال العطل وعادت الثقة إلى نفسي مجدّدًا».
كانت والدة بهوانا تخاف عليها كثيرًا من شدة التدريبات ومن عدم قدرتها على التحمل، ناهيك عن هيمنة الرجل على هذا المجال الذي شكل أمامها عائقا آخر. لكن ما أظهرته الابنة من جلد ومثابرة جعل الأم تطمئن، وباتت اليوم سعيدة بابنتها وفخورة بإنجازاتها.
أما موهانا سينغ، فهي تندرج من عائلة من القوات الجوية، ولم يكن التحاقها بسلاح الجو محل استغراب، فوالدها كان ضابط صف بسلاح الطيران وجدّها كان مدفعي طائرات بـ«مركز أبحاث الطيران»، فانضمت للطيران بعد أن أصبحت مهندسة.
أضافت موهانا: «أريد أن أواصل مسيرة العائلة في خدمة البلاد وأكون من المدافعين عنها، وليس هناك أفضل من سلاح الطيران لكي أؤدي هذه المهمة. وتتطلع موهانا إلى قيادة أفضل طائرات في سلاح الطيران، لكي تكون مصدر فخر لعائلتها».
كانت رحلة موهانا الأولى، الأكثر رعبًا بين رحلات زميلاتها. فالطقس كان عاصفًا وكان هناك رعد وبرق، فلم تستطع أن تميز بين النجوم في السماء والوميض الصادر عن الأضواء على الأرض، مشيرة إلى أن أسوأ تجاربها كانت دومًا لدى الطيران في الليل، مضيفة أن «الطيران الليلي كان جديدًا بالنسبة لي، لكنّه لاحقا أصبح طيراني المفضل بعد قيادتي لطائرات كيران. لا زلت أتذكر الألعاب النارية تحت الطائرة بمسافة نحو 1000 قدم، كنت أحدق إليها من الأرض في سعادة عندما كنت طفلة. أثناء الهبوط كنت أخشى الضباب لم أكن قادرة على التمييز بين ما تظهره الأجهزة على الشاشة أمامي وما أراه بعيني من حولي. لكنني استرجعت ما قاله لي معلمي: لا تحركي رأسك كثيرًا من دون داع، وانتبهي للشاشة، وثقي في الأجهزة. ترددت هذه الكلمات في رأسي، وتغاضيت عما أراه بعيني، وواصلت الهبوط اعتمادًا على الأجهزة، وبمجرد أن شاهدت الأرض تقترب، عادت لي الطمأنينة وهبطت بالطائرة بسلام».
من دون شك، فإن هؤلاء الطيارات سيمثلن نماذج تحتذي بها الأجيال القادمة من الفتيات العازمات على تحقيق حلمهن المستحيل.
الهند تدخل التاريخ بتعيينها ثلاث ضابطات بسلاح الطيران
تدربن على المناورات القتالية وإطلاق النار وسط 43 متدرباً من الرجال
الهند تدخل التاريخ بتعيينها ثلاث ضابطات بسلاح الطيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة