هجوم عنيف لـ«داعش» على دير الزور أدى لاقترابه من مطارها العسكري

خبير استراتيجي: التنظيم يسعى إلى تحويلها لعاصمة بديلة عن الموصل

جانب من الدمار الذي خلفته غارة لطائرات النظام على احدى قرى إدلب أمس (غيتي)
جانب من الدمار الذي خلفته غارة لطائرات النظام على احدى قرى إدلب أمس (غيتي)
TT

هجوم عنيف لـ«داعش» على دير الزور أدى لاقترابه من مطارها العسكري

جانب من الدمار الذي خلفته غارة لطائرات النظام على احدى قرى إدلب أمس (غيتي)
جانب من الدمار الذي خلفته غارة لطائرات النظام على احدى قرى إدلب أمس (غيتي)

شنّ تنظيم داعش الإرهابي المتطرف هجومًا على مدينة دير الزور، هو الأعنف على المنطقة منذ سنة، محاولاً السيطرة على الأجزاء المتبقية بيد النظام داخل المدينة الأكبر في شرق سوريا، والعاصمة الإدارية لمحافظة دير الزور، وعلى مطارها العسكري. ولقد وضع خبراء هذا الهجوم في سياق «المعركة المصيرية التي يسعى التنظيم لحسمها، لتكون دير الزور عاصمته البديلة بعد الموصل»، في حين بدأت قوات نظام الأسد وحلفاؤها هجومًا واسعًا على أطراف مطار «التي فور» العسكري الصحراوي القريب من مدينة تدمر الأثرية، بريف محافظة حمص، وذلك لاستعادة المناطق التي خسرتها مطلع الشهر الماضي.
تأتي التطورات الميدانية في دير الزور، الواقعة على نهر الفرات، بعد تعزيزات عسكرية وتحضيرات لوجيستية وقتالية أنجزها التنظيم المتطرف خلال الأيام الماضية، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي قال إن «معارك عنيفة تدور بين قوات النظام من جهة، ومقاتلي (داعش) من جهة أخرى، في أحياء الجبيلة والرشدية والصناعة والموظفين والعمال والرصافة والبغيلية، بالإضافة إلى معارك عنيفة في محيط مطار دير الزور العسكري ومحيط اللواء 137، ما أدى إلى مقتل 35 عنصرًا من الطرفين».
وأكد «المرصد» أن الاشتباكات تزامنت مع غارات جوية نفذتها الطائرات الحربية، مستهدفة جميع محاور الاشتباكات في أحياء المدينة وشمال غربها ومحيط المطار واللواء 137. وأضاف أنه سمع دوي 6 انفجارات على الأقل هزَّت المدينة «لا يعلم ما إذا كانت ناجمة عن تفجير عربات مفخخة أم تفجير أنفاق بأسفل مبانٍ يتمركز فيها عناصر من قوات النظام». ومن جانب آخر، أفاد ناشطون أن قوات النظام تحاول الآن صدّ الهجوم العنيف الذي ينفذه «داعش» بغية تحقيق تقدم في المدينة ومحيط المطار، وذلك بعد أيام من تحضيره لهذه المعارك التي تعد الأعنف في دير الزور منذ هجوم التنظيم في منتصف يناير (كانون الثاني) من العام 2016 على المدينة.
وفي بيروت، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني العميد خليل الحلو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن دير الزور «أصبحت منطقة استراتيجية بالنسبة لـ(داعش) لأنها ستكون عاصمته البديلة عن الموصل التي يتراجع فيها». ولفت الحلو إلى أن «المعركة الحقيقية بالنسبة للتنظيم هي مطار دير الزور العسكري الذي لا يزال بيد النظام، لأن سقوط هذا المطار يضعف قدرات قوات النظام، ويقطع إمدادها الجوي ويقلّص قدرتها على الصمود لوقت طويل في المناطق التي تسيطر عليها». تجدر الإشارة إلى أن «داعش» تمكن خلال شهر يناير 2016، من السيطرة على أجزاء واسعة من حي البغيلية، بشمال غرب المدينة، وقتل وأعدم نحو 150 عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وعناصر من ميليشيات «قوات الدفاع الوطني» و«الجيش الوطني» وأعضاء في حزب «البعث» من المدينة، بالإضافة لاختطاف مئات الأشخاص.
كذلك أوضح الخبير العسكري وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، أن «لدى مقاتلي داعش إرادة قتالية عالية جدًا، وهم مقتنعون بما يقومون به»، مشيرًا إلى أن «تصميمهم على القتال في الموصل والباب، هو الذي يؤخر حسم هاتين المعركتين»، ولافتًا إلى أن «تراجع» نشاط الطائرات الحربية الروسية يسهّل من مهمة مقاتلي داعش في مناطق واسعة في سوريا، سواء كان ذلك في دير الزور أو تدمر أو غيرها.
في هذه الأثناء، بدأت قوات النظام هجومًا عنيفًا قرب مطار «التي فور» وفي بادية تدمر المحيطة به بعد أكثر من شهر على سيطرة التنظيم على مناطق واسعة من تدمر وباديتها. وفي المقابل، أوردت وكالة الأنباء الألمانية أن قوات النظام والمسلحين الموالين لها باشروا صباح السبت (أمس) عملية عسكرية واسعة لتحرير مدينة تدمر من التنظيم المتطرف. ونقلت الوكالة الألمانية عن مصدر ميداني في قوات النظام، أن «العملية العسكرية يشارك فيها أكثر من 10 آلاف مقاتل، غالبيتهم من مجموعات (ميليشيات) الدفاع الوطني وصقور الصحراء ومجموعات العقيد سهيل الحسن، وتهدف إلى تحرير آبار الغاز والنفط في جزل والشاعر ومهر في مرحلتها الأولى، وتحرير مدينة تدمر في مرحلتها النهائية».
وأوضح المصدر أن القوات المهاجمة «تمكنت خلال الساعات الأولى للعملية من التقدم لمسافة 3 كم عند المحور الشمالي الشرقي لمطار (التي فور)، في حين تعرضت المجموعات المهاجمة شرقي المحطة الرابعة (التي فور) لضخ النفط القريبة من حقل جحار للغاز، لكمائن من مسلحي داعش وتكبدت خسائر بالأفراد والعتاد. واعترف المصدر بتنفيذ التنظيم المتطرف هجومًا معاكسًا على قوات النظام شمال محطة الضخ استخدم فيه دبابة مفخخة تسببت في سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف هذه القوات التي اضطرت إلى الانسحاب من عدد من النقاط.
إلى ذلك، أعلن مصدر عسكري معارض لـ«الشرق الأوسط»، أن «معركة استعادة تدمر ستستغرق وقتًا طويلاً، لأن (داعش) لن يتخلّى عن هذه المدينة الأثرية الاستراتيجية بسهولة، كما أن بحوزته أسلحة روسية متطورة استولى عليها لدى سيطرته على المدينة في الثامن من الشهر الماضي، تمكنه من المواجهة والصمود لأسابيع كثيرة»، ولفت المصدر إلى أن قوات النظام «لا تزال بعيدة عن المدينة نحو 50 كم». وأردف: «إذا لم يتدخّل الروس في هذه المعركة، ولم تستخدم الطائرات الروسية المتطوّرة، فإن استعادة النظام لتدمر ستكون صعبة ومكلفة جدًا».
بدوره، أوضح مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، أن «العملية العسكرية التي يشنها النظام، تتركز على محيط مطار التي فور وبادية تدمر وحقول النفط والغاز». وأشار إلى أن «النظام والروس يحشدون لمعركة طرد التنظيم من مدينة تدمر، إلا أن أوانها لم يحن بعد، فهي مرتبطة بعوامل متعددة، أهمها السيطرة على حقول الغاز والنفط وتأمين مطار التي فور العسكري، وتجميع أكبر قدر من المعلومات الاستخباراتية قبل إطلاق معركة استعادة المدينة الأثرية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».