بعد 6 سنوات من القتال... جنود «حماة الديار» حفاة عراة

غيرة من الجندي الروسي الذي حل على أرض الساحل السوري كسائح

مقاتلون من المعارضة داخل خندق في اليوم الرابع من الهدنة، على جبهة قرية الريحان قرب معقل المعارضة في البلدة المحاصرة دوما، بضواحي دمشق الشرقية من الغوطة (رويترز)
مقاتلون من المعارضة داخل خندق في اليوم الرابع من الهدنة، على جبهة قرية الريحان قرب معقل المعارضة في البلدة المحاصرة دوما، بضواحي دمشق الشرقية من الغوطة (رويترز)
TT

بعد 6 سنوات من القتال... جنود «حماة الديار» حفاة عراة

مقاتلون من المعارضة داخل خندق في اليوم الرابع من الهدنة، على جبهة قرية الريحان قرب معقل المعارضة في البلدة المحاصرة دوما، بضواحي دمشق الشرقية من الغوطة (رويترز)
مقاتلون من المعارضة داخل خندق في اليوم الرابع من الهدنة، على جبهة قرية الريحان قرب معقل المعارضة في البلدة المحاصرة دوما، بضواحي دمشق الشرقية من الغوطة (رويترز)

يطل أول العام الجديد على السوريين وسط حالة من «الهدنة» لم تعن لهم شيئا وبالأخص سكان العاصمة؛ إذ لم يعد الخوف من الموت هاجسا بقدر ما هو مطلب أحد أشكال الخلاص من بؤس الحرب، فدمشق المنهكة تستقبل العام الجديد عطشى بعد انقطاع الماء عن شريانها. وفي شوارعها الخاوية صباحا تكاد لا تلمح سوى جنود بائسين متجمدين من البرد، فليلة رأس السنة لم تكن كالعام الماضي، ولم يحتفل جنود النظام على طريقتهم بإطلاق وابل من الرصاص، واقتصر الأمر على بعض المناطق في حين غطت دمشق بالظلام تحتفل بخجل بالعام الجديد، وتكور الجنود المتعبون حول تنكات الحطب المشتعل لتدفئة أصابعهم المتجمدة.
ولعل الأمنية التي جالت بخاطر غالبية السوريين أن يعم السلام ليتمكن الشباب من العودة إلى بلدهم وعيش حياة لا خوف فيها من التجنيد الإجباري، فهذه الأمنية العزيزة تبدو أنها لا تزال بعيدة.
في الليلة التي سبقت العيد وقفت بائعة القهوة أمام بسطة أحذية في سوق الصالحية وسط دمشق وقلبت حذاء رياضيا صناعة صينية، وقبل أن تسأل عن السعر سألت البائع الفتى عما إذا كان الحذاء يدفئ القدمين في الشتاء، أجابها البائع الشاب أنه «حذاء رجالي وهو للرياضة وليس لوقاية الأقدام من البرد». أجابته أريد شراءه لابني العسكري فهو يبرد كثيرا، وبعد أن عرفت السعر وهو سبعة آلاف ليرة (14 دولارا) رمته من يدها لأنها لا تملك ربع ثمنه. قال لها البائع مستغربا: «يا خالتي البوط العسكري أفضل ويُمنح مع البذلة العسكرية مجانا». تمضي بائعة القهوة وهي تجيبه: «يا حسرتي. هذا كان زمان، في أول التحاقه منذ عامين أعطوه بوط مستعمل، والعام الماضي أرسلت له بوط جديد فسرقوه. حتى الأكل والمعلبات التي أرسلها إليه يسرقونها منه».
بائعة القهوة المتجولة في الحدائق بالكاد تلتقط ثمن الخبز لعائلتها المكونة من شابة أرملة لديها طفل، وثلاثة أبناء اثنان عسكريان وثالثهما طفل يساعدها في بيع القهوة، وذلك منذ تهجرت من منزلها جنوب دمشق قبل أربع سنوات. تقول إن وضع ابنيها يزداد سوءا، فالأكبر يؤدي خدمته منذ خمس سنوات، والأصغر تطوع في إحدى الميليشيات طمعا بالراتب (أكثر من ستين دولارا) ولكنه سرعان ما هرب بعد أن تعرض لمواجهة مع تنظيم داعش. وبعد أشهر من هروبه أوقف على أحد الحواجز وسيق إلى الخدمة الإلزامية. وبات على الأم تأمين معيشة شابين في الجيش، لأن الرواتب (معدلها الوسطي 20 ألف ليرة-40 دولارا) التي تمنح لهم لا تكفي أجور مواصلات.
قصة هذه المرأة تشبه قصص مئات الآلاف من السوريين من أهالي الجنود الإلزاميين الذين يعانون الفاقة والجوع في صفوف جيش الأسد المسمى «الجيش العربي السوري» الذي يتغنى الإعلام الرسمي ببطولاته وانتصاراته وتضحياته ويلقبه بـ«حماة الديار»، دون أن أي إشارة إلى مستوى الذل والاضطهاد الذي يتعرض له المجندون في هذا الجيش، وغالبيتهم من الفقراء الذين يساقون قسريا، فمعظم السوريين ممن توفرت لهم إمكانية الهروب، فروا خارج البلاد ولم يتبق سوى القلّة من أبناء الطبقة الوسطى المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياط والغالبية الساحقة من الفقراء المعدمين، ليكونوا وقودا لآلة حرب طاحنة. هؤلاء ينظرون إلى المقاتلين في الميليشيات الرديفة والمساندة لجيش النظام بكثير من الحسد؛ إذ يتمتع زملاؤهم برواتب مضاعفة، كما أن أيديهم مطلقة للنهب والسرقة «التعفيش» بقوة السلاح، لا سيما المدعومين منهم من النظام.
ويقول أبو يوسف الذي يسكن في حي الحمدانية في حلب، إن معارك حلب كشفت له ولغيره، الوضع المزري الذي يعيشه المجندون الإلزاميون في قوات الأسد، إذا كان بعضهم يدخل إلى محلات البقالة في الجوار ويحاول الحصول على ما هو مجاني أو بسعر أقل من المعلن بسبب محدودية رواتبهم. وبعضهم تحدث كيف أنه وزملاءه يتركون من دون تأمين طعام ولا مأوى للنوم، يطلب منهم قادتهم تأمين أنفسهم بمعرفتهم، فلا يجد بعضهم غير الدخول إلى بيوت تركها أصحابها بسبب القصف والاستيلاء عليها.
إلا أن الجميع في الميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام وجنود النظام الإلزاميين، يشعرون بالغيرة من الجندي الروسي الذي حل على أرض الساحل السوري كضيف أقرب للسائح منه إلى المقاتل. ويقول شاب في الثلاثين من العمر، وهو متطوع في جيش الدفاع الوطني: «وجه العسكري الروسي وردي طافح بالصحة، ووجه العسكري السوري مكفهر طافح بالبؤس والضغينة. الروسي مرفه جدا وقيادته تعتني بطعامه ولباسه وتبدي حرصا غير عادي لحمايته من الخطر، فنادرا ما ترى جنودا روسا يتنقلون بين المناطق بمفردهم، دائما يتنقلون كقطعات كاملة مجهزة بشكل متكامل». ويلفت الشاب إلى أنهم كانوا يحسدون عناصر ما يسمى «حزب الله» على تنظيمهم والعناية بهم من قبل قياداتهم ورواتبهم العالية، لكن الآن يحسدون جميع القادمين من الخارج، فجميعهم يتمتعون بشروط قتال أفضل من السوريين. «على الأقل هؤلاء يقاتلون بإرادتهم لا رغما عنهم»، مؤكدا على أن وضعه ورفاقه في جيش الدفاع الوطني يبدو أفضل بكثير من الجندي في الجيش النظامي، فذلك يعيش «ظروفا صعبة جدا».
تمايزات بين الحواجز
ومن المعروف أن المحظوظ في جيش النظام، هو من يفرز لأداء خدمته على الحواجز، والأوفر حظا (المقربون أو أصحاب الواسطة)، من كان مكان خدمته على حاجز مجد ماديا على طريق دولي أو آمن وسط المدن الرئيسية.
ومع استمرار حالة الحرب، ظهرت تمايزات بين الحواجز على أساس تفاوت مبالغ الرشاوى، فهناك حاجز المليون وهو الحاجز القريب من سوق الهال (سوق الخضراوات والغذائيات الرئيسية) في مدينة دمشق، حيث أثرى الجنود هناك من الإتاوات التي يفرضونها على تجار الجملة في سوق الخضراوات. وهناك حاجز المالبورو على طريق دمشق - بيروت، حيث يفرض على كل سائق تاكسي تسليم الحاجز علبتي دخان مالبورو أو أكثر، حسب حمولة سيارته من الركاب أو البضائع. وعلبة الدخان التي يتجاوز سعرها الدولارين يتم جمعها وإعادة بيعها لتتحول إلى مبالغ نقدية.
على الطرقات الأخرى تنخفض تسعيرة علب التبغ المطلوبة بدل رشوة على الحواجز. ويقول راشد وهو سائق حافلة نقل سياحي بين دمشق والمنطقة الوسطى، إنه قبل بدء رحلته يشتري سبع علب دخان، اثنتان قيمة كل منهما 300 ليرة، وخمس علب بقيمة مائتي ليرة للواحدة، بمجموع 1600 ليرة (نحو ثلاث دولارات). وهي للتوزيع على الحواجز المنتشرة على الطريق الدولي بين دمشق والساحل، لكل حاجز علبة وبعض الحواجز لا تقبل سوى مال بتسعيرة معلومة (300 - 200) وفي حال عدم الدفع سيعني ذلك تفتيشا دقيقا للحافلة والركاب ومضايقات وتأخير لعدة ساعات. يتابع راشد أنه يحرص على «ملء إبريقين كبيرين من الشاي والقهوة مع حافظة ماء لتقديمها كضيافة لعناصر الحواجز وترطيب الأجواء تجنبا لغلاظاتهم».
جيش أكثر فسادًا
وتقول دراسة أعدها مركز كارينغي مارس (آذار) الماضي: «أصبح جيش النظام السوري أكثر فسادًا بشكلٍ كاسح، وأكثر انعزالاً عن المجتمع الأوسع في السنوات الخمس منذ بداية الصراع السوري. فالشبكات العسكرية من المحسوبية والزبائنية، التي كانت أصلاً مترسّخة بعمقٍ قبل انتفاضة عام 2011 حوّلت الجيش، ولا سيما سلك الضباط، إلى منظمات سرقة وفساد».
ويروي سامر وهو سائق تاكسي أنه نقل إحدى المرات عائلة معها كلب عند الحاجز، فسألهم العسكري ممازحا عن اسم الكلب وهويته وماذا يأكل وكيف يعتنون به قبل أن يقول لصاحبه: «بذمتي الكلاب أحسن منّا!». ومن قبيل المجاملة رد صاحب الكلب مستنكرا هذه المقارنة. فقال العسكري: المقارنة واقعية جدا، وتحدث عن وجود كلاب بوليسية لدى أحد الحواجز الكبرى القريبة، التي يحضرون لها الدجاج واللحم كل يوم، بينما يحضرون للعساكر البطاطا والخبز، وفي أحسن الأحوال البيض، إذا لم يسرق في الطريق إليهم من قبل رؤسائهم.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.