بعد يومين سنودع 2016. والحقيقة أن الأغلبية تنتظر نهايته على أحرّ من الجمر، ولن تتحسر عليه، نظرًا لارتباطه بالكثير من المآسي والأحداث الأليمة على كل المستويات.
وبما أن عالم الموضة لا يعيش بمنأى عما يجري في العالم من أحداث سياسية واقتصادية، فإنه هو الآخر شهد هذا العام كثيرًا من التغييرات التي كانت بالنسبة للبعض بمثابة زلزال هزَّ عدة كراسي. كان واضحًا هذا العام أن المجموعات الكبيرة، من «إل في آم آش» إلى «كيرينغ» أصبحت تتبع سياسات واستراتيجيات تستهدف منها تحقيق الربح أولاً وأخيرا، لا سيما أن تباطؤ نمو أسواق جديدة كانوا يعولون عليها خذلهم وأدى إلى تراجع مبيعاتهم. من الاستراتيجيات التي باتت هذه المجموعات تتبعها توظيف مصممين لا يميلون إلى الأضواء بعد أن ملَّتْ على ما يبدو، من المصممين النجوم الذين يرون أنفسهم ندا لها وتزيد مطالبهم و«دلعهم» بشكل لا تترجمه أرقام المبيعات. المصمم أليساندرو ميشال، الذي لم يكن اسمًا معروفًا قبل أن تُعينه مجموعة «كيرينغ» مصممًا فنيًا لدار «غوتشي» منذ سنتين تقريبًا عزز هذه الظاهرة، بعد أن أثبت نجاحها. ففي أقل من عام واحد من تعيينه حقق لها نجاحات باهرة على المستويين الفني والتجاري رغم أن قلة سمعت باسمه من قبل.
قراءة سريعة في التعيينات الأخيرة تشير إلى أن هذه المجموعات تبحث حاليًا على مُبدعين برتبة «موظفين» يعرفون أن مهمتهم تتلخص في تحقيق الأرباح أولاً وأخيرًا في آخر العام. ورغم أن لا أحد يلوم هذه المجموعات على استراتيجياتها هذه، فإن المأخذ عليها أنها لا تأخذ الجانب الإنساني بعين الاعتبار، ولا أن الحياة أخذ وعطاء. أكبر مثال على هذا إقالة المصمم ألبير إلباز من دار «لانفان» بعد 15 عامًا، من دون أن تشفع له النجاحات التي حققها لها في البداية.
انخفاض الأرباح ليس السبب الوحيد وراء هذه التغييرات، فمجموعة «كيرينغ»، وعلى الرغم مما حققه لها هادي سليمان من نجاح تجاري لم تشهده منذ سنوات، لم تجدد عقدها معه، والتفسير في حالته، حسب الشائعات، نجوميته المتزايدة وما نتج عنها من مطالب.
بيد أننا لا يمكن أن نلقي باللوم هنا على نرجسية المصمم، أيا كان، فالضغوطات الكثيرة التي تفرضها هذه المجموعات أصبحت تُثقل كاهل أي مصمم مهما كانت قوته الإبداعية. من هذه الضغوطات نذكر تزايد عدد عروض الأزياء التي عليهم تقديمها. فبعد أن كان المصمم في القرن الماضي يكتفي بتشكيلتين في العام أو أربعٍ على أكثر تقدير، أصبح الآن مطالبا بست أو ثماني تشكيلات في السنة، ما بين «هوت كوتير» وأزياء جاهزة و«ريزورت» و«بري فول» وأزياء رجالية وغيرها. العملية ليست متعبة جسديًا وذهنيًا فحسب، بل تؤثر أيضًا على الجودة وتوفر الوقت لاختبار الأفكار قبل ابتكارها وتنفيذها.
كريستوفر بايلي مصمم دار «بيربري» البريطانية قدم حلاً في بداية العام، استقبلته أوساط الموضة بفرح مشوب بالحذر. اقتراحه كان دمج العروض الرجالية بالنسائية، وهذا يعني أنه عوض تقديمه أربعة عروض في السنة سيكتفي بعرضين فقط. اقتراحات كريستوفر بايلي لم تتوقف عند هذا الأمر، حيث اقترح أيضًا مفهوم «العرض اليوم والبيع غدًا» الذي غير وجه الموضة إلى الأبد، لا سيما بعد أن وجد هوى في نفوس كثير من المصممين، الذين سارعوا لركوب الموجة من توم فورد إلى «رالف لورين» و«تومي هيلفيغر» وغيرهم. من وجهة نظرهم، فإن الأسلوب القديم في عرض الأزياء لم يعد يتماشى مع ثقافة العصر و«إنستغرام»، إذ إن زبائن اليوم لا يريدون الانتظار ستة أشهر للحصول على قطعة فقدت بريقها والرغبة فيها لأنها استهلكت على صفحات المجلات وصفحات التواصل الاجتماعي.
هذه الاستراتيجية أكدت نجاحها حسب بيوت الأزياء والمصممين الذين انتهجوها، حيث شهدت مبيعاتهم ارتفاعًا ملحوظًا.
ثقافة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كانت بالنسبة للبعض مثل «فرانكشتاين»، الذي صنعه المصممون وشجعوه في البداية ليُصبح قوة لا يُستهان بها. بعد المدونين و«الإنستغراميين»، وُلد هذا العام وصف جديد لهم، وهو «الإنفلوونسرز»، أي المؤثرين. هؤلاء تُقاس قوتهم بعدد المتابعين لهم على «إنستغرام»، وبالتالي فإنه كلما ارتفع العدد ارتفعت مكانتهم إلى حد أن بعضهم حول هذا اللقب إلى مهنة تدر عليهم الملايين.
2016 عام المرأة
سنتذكر 2016 أيضًا بأنه عام المرأة. السبب هنا ليس ستيلا ماكارتني التي أطلقت خطا رجاليا لأول مرة، أو سارة بيرتون مصممة دار «ألكسندر ماكوين» التي لا تزال تنتقل من نجاح إلى آخر، ولا فيبي فيلو مصممة «سيلين»، وغيرهن من الأسماء اللامعة في مجال التصميم. السبب ببساطة هو دخول مصممتين إلى اثنين من أهم بيوت الأزياء الفرنسية. الأولى هي الإيطالية ماريا غراتزيا تشيوري فيما يعتبر خطوة غير مسبوقة بالنسبة لدار «ديور» كونها أول مرة في تاريخها تستعين بامرأة كمصممة، وهو ما كان مفاجأة بكل المقاييس. ففي الفترة التي كانت الدار تبحث فيها عن خليفة لمصممها السابق راف سيمونز طُرحت عدة أسماء لم تكن ماريا غراتزيا تشيوري من بينها، إذ لا أحد كان يتوقع أن تترك دار «فالنتينو» حيث كانت تحظى بمكانة عالية مع شريكها في العمل بييرباولو بيكيولي. لكن بعد أن هدأت النفوس، شعر الكل أنها خيار مثالي، لأن الدار الفرنسية تقوم على الرومانسية وهي تخصصت فيها تقريبا طوال الفترة التي قضتها في «فالنتينو»، فضلاً عن عشقها للحرفية والأعمال اليدوية التي ستُبدع فيها أكثر بحكم توفر «ديور» على أنامل ناعمة خاصة بها وأرشيف غني.
المصممة الثانية هي بشرى جرار التي اختارتها دار «لانفان» خليفة لألبير إلباز. الفرق أن بُشرى تواجه مشكلة عويصة وهي المقارنة بينها وبين إلباز. فهذا الأخير كان اسما لامعا ولديه معجبات كُثر، وهو ما يمكن أن يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للمصممة المغربية الأصل. بيد أن ما يشفع لها أن سيرتها الذاتية ثرية، مما جعل الأغلبية تتحفظ على إطلاق الأحكام السريعة. فقد عملت في بدايتها مع جون بول غوتييه وبالنسياغا ثم كريستيان لاكروا الذي ظلت معه لعشر سنوات قبل أن يُعلن إفلاسه ويُغلق داره في عام 2009. في عام 2010، افتتحت دارًا خاصة بها، وحظيت باحترام كبير نظرًا لأسلوبها العصري ومهارتها في التفصيل تحديدًا.
استقالات وإقالات
شهد العام تغييرات كثيرة، أحيانًا بتعيين رؤساء تنفيذيين جدد على أمل حقن بعض بيوت الأزياء التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية بدم جديد، أو تغيير مصمميها على أمل استقطاب زبائن جدد من أسواق عالمية. من هذه التغييرات نذكر:
- المصمم الكولومبي الأصل هايدر أكرمان، الذي التحق بدار «بيرلوتي» فيما كان مفاجأة للأغلبية بحكم أنه دخل مجال التصميم الرجالي منذ ثلاث سنوات فقط مقارنة بتاريخه في مجال التصميم للمرأة الذي يعود إلى عشر سنوات تقريبًا.
- لم ينجُ المصمم بيتر دانداس من موجة التغييرات العاتية، حيث لم يُطل أكثر من ثلاثة مواسم في دار «روبرتو كافالي» رغم أن العادة تجري بأن يمنح المصمم فرصة أطول ليُترجم أسلوبه، أو على الأقل إلى أن تنتهي مدة عقده، وهي ثلاث سنوات..
بيد أن الرئيس التنفيذي لـ«روبرتو كافالي»، جيان جياكومو فيراريس كان له رأي مخالف. فقد قام بجُملة من التغييرات الجذرية، حتى يضع بصمته من جهة، ويُخرج الدار من أزمتها من جهة ثانية، وبالتالي لم يرَ داعيًا للانتظار.
- خروج هادي سليمان من «سان لوران» كان أكثر ما أثار الجدل هذا العام، لأنه لم يكن وديًا. فبعد شهرين فقط من خروجه من الدار، أقام المصمم دعوى على مجموعة «كيرينغ» المالكة للدار بسبب حذف المجموعة بندًا في عقده ينص على منعه من العمل مع أي دار أزياء أخرى لمدة عام، لما في ذلك من تعارض مصالح. ولأن هادي سليمان لم يكن ينوي العمل مع أي أحد بقدر ما كان يرغب في التركيز على هواية التصوير الفوتوغرافي، فإن بقاء البند كان في صالحه لأنه يعني حصوله على مبلغ ثابت طوال السنة.
- أعلنت كونسويلو كاستليوني مصممة ومؤسسة دار «مارني» استقالتها وتسليمها المشعل لفرانشيسكو ريسو. وصرحت كونسويلو أن السبب شخصي محض، مضيفة: «لقد كانت السنوات الأخيرة صعبة استنزفت كل ما لدي من طاقة لكي أقدم إبداعات أفتخر بها ودارا تحمل بصمتي وهويتي وحان الوقت الآن لكي أعطي حياتي الخاصة حقها». وكانت المصممة قد أطلقت دارها في عام 1994 في ميلانو بمساندة زوجها جياني كاستليوني، وسرعان ما توسعت بافتتاح ما يقرب من 100 محل على المستوى العالمي، وبقيت الدار ملكا عائليا إلى عام 2012 إلى أن اشترت شركة «أونلي ذي برايف» التي يمتلكها رانزو روسي، صاحب «ديزل» على أساس توسيعها حصة كبيرة منها.
خليفتها فرانشيسكو ريسو سبق له العمل مع أنا موليناري، أليسنادرو ديلا أكوا ثم «برادا» في عام 2008، ولأن كونسويلو كانت تتجنب الأضواء ولم تربط اسم «مارني» باسمها مثل «برادا» مثلاً، فإن العملية لن تثير كثيرًا من البلبلة، ويُمكن أن يقوم المصمم الجديد بمهمته من دون أن يلحظ الزبائن التغيير.
- بوبي براون أيضًا أعلنت تنحيها عن عرشها في الشركة التي أسستها منذ 25 عامًا، وغيرت كثيرًا من النظرة إلى الجمال.
بوبي براون التي تبلغ من العمر 59 عامًا، بدأت مشروعها في مطبخ بيتها، وسرعان ما تحول إلى إمبراطورية عالمية بفضل وصفتها الطبيعية. فهي لم ترَ يومًا أن الجمال يجب أن يغير ملامح الوجه بقدر ما يجب أن يُبرز جمالياته ويضفي عليه الإشراق والنضارة، وبالتالي تبنت الألوان الترابية والطبيعية طوال مسيرتها، وهو ما لقي هوى في أوساط المرأة التي لا تريد الاستعراض، وكان مضادًا للألوان الفاتحة والمتوهجة. من المعجبات بمنتجاتها نذكر كايت ميدلتون التي استعملت ماكياج «بوبي براون» في يوم عرسها كذلك أختها بيبا والممثلة سيينا ميللر والنجمة سوزان سارندون وغيرهن.