انقلاب تركيا... يرسم ملامح المستقبل

خلافات مع واشنطن و«الناتو» والاتحاد الأوروبي... وإعادة هيكلة لمؤسسات الدولة

جموع من المواطنين الأتراك في ساحة تقسيم بمدينة إسطنبول يمسكون بعسكري قبل اقتياده إلى مخفر للشرطة يوم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا خلال الصيف الفائت (آ ف ب)
جموع من المواطنين الأتراك في ساحة تقسيم بمدينة إسطنبول يمسكون بعسكري قبل اقتياده إلى مخفر للشرطة يوم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا خلال الصيف الفائت (آ ف ب)
TT

انقلاب تركيا... يرسم ملامح المستقبل

جموع من المواطنين الأتراك في ساحة تقسيم بمدينة إسطنبول يمسكون بعسكري قبل اقتياده إلى مخفر للشرطة يوم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا خلال الصيف الفائت (آ ف ب)
جموع من المواطنين الأتراك في ساحة تقسيم بمدينة إسطنبول يمسكون بعسكري قبل اقتياده إلى مخفر للشرطة يوم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا خلال الصيف الفائت (آ ف ب)

تركت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو (تموز) بصماتها القوية على مختلف مناحي الحياة في تركيا، وأصبح هذا اليوم نقطة فاصلة في التاريخ الحديث لتركيا تمهد لمرحلة جديدة.
لقد توالت تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة، التي اتهمت السلطات التركية الداعية فتح الله غولن المقيم بمنفاه الاختياري في الولايات المتحدة منذ عام 1999 و«حركة الخدمة» التي يتزعمها، بالوقوف وراءها، بشكل سريع جدا. وجاءت هذه التداعيات في شكل حملة تطهير موسعة، لا تزال مستمرة حتى الآن، شملت حبس أكثر من 37 ألفا وفصل أو وقف أكثر من 125 آخرين عن العمل بالجيش والشرطة والقضاء والمخابرات والإعلام والتعليم ومختلف مؤسسات الدولة.
كذلك أغلقت السلطات التركية أكثر من ألف مدرسة و15 جامعة والعشرات من القنوات والصحف والجمعيات الأهلية بحجة انتمائها إلى «حركة الخدمة»، إلى أن توسعت الحملة، التي شملت هذه الحركة التي أعلنتها الحكومة تنظيما إرهابيا باسم «تنظيم فتح الله غولن»، لتشمل أيضًا أطيافا كثيرة من المعارضة الكردية والعلمانية التي يزعم أنها أيدت حركة غولن أو تعاملت معها، فضلا عن مطاردة هذه الحركة وأنصارها ومدارسها ومؤسساتها في الخارج.

سيطرة إردوغان
أبرز تداعيات محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة كانت بلا شك إحكام الحكومة والرئيس رجب طيب إردوغان سيطرتهما على مؤسسات الجيش والقضاء والمخابرات، ومن ثم التهيئة للمعركة الأخيرة، وهي معركة التعديلات الدستورية، أو «الدستور الجديد» الذي قد يرسخ مرحلة جديدة يجري فيها إقرار النظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني بصورة فعلية. وحقًا طرحت هذه التعديلات على البرلمان في 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
من ناحية ثانية، استكملت الحكومة التركية خطوات إعادة هيكلة الجيش؛ إذ أعلنت إلحاق قيادات القوات البرّية والبحريّة والجوّية بوزارة الدفاع بعد أن كانت تتبع رئاسة هيئة الأركان. كذلك أنشئت كلية للدفاع الوطني، وجرى إغلاق المدارس العسكرية، وتخويل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إذا لزم الأمر، الحصول على معلومات تتعلق مباشرة بقيادة القوات المسلحة ومدى ولائهم، والتأكيد على صلاحية الرئيس ورئيس الوزراء في توجيه أوامر مباشرة لقادة القوات، وضرورة تنفيذ القادة الأوامر مباشرة دون الحصول على موافقة من أي سلطة أخرى. كذلك أصدر قرار بتأسيس جامعة جديدة باسم «الدفاع الوطني» تابعة لوزارة الدفاع وتتألف من معاهد تهدف لتقديم خدمات التعليم العالي، وتخريج ضباط أركان، إضافة إلى أكاديميات حربية وبحرية ومدارس إعداد ضباط صف. وأتيح الالتحاق بها لكل خريجي الثانويات في تركيا بما في ذلك الثانويات الدينية («مدارس إمام خطيب»). وفي المقابل، ألغيت فرقة الحرس الجمهوري، وألحقت قوات الدرك بوزارة الداخلية، والمستشفيات العسكرية بوزارة الصحة.
من ناحية أخرى، تم فصل نحو 22 ألف عسكري من القوات المسلحة، بينهم 87 جنرالا في القوات البرية، و32 أميرالا في القوات البحرية، و30 جنرالا في القوات الجوية، بواقع نصف جنرالات الجيش، بذريعة انتمائهم أو صلتهم بغولن، مما أثار اعتراض حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي قال إن أهم الضباط الذين كانوا يتعاملون مع الحلف باتوا خلف القضبان.
في السياق ذاته، أعلن الرئيس إردوغان أنه يريد وضع المخابرات ورئاسة أركان الجيش تحت سلطته المباشرة. وبعد أيام قليلة من المحاولة الانقلابية الفاشلة وافق البرلمان التركي في 21 يوليو الماضي على فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر، مددت فترة أخرى، وقد تمدد لفترة ثالثة أو أكثر بحسب ما أعلن الرئيس التركي.

تداعيات خارجية
وخارجيًا، أفرزت محاولة الانقلاب الفاشلة معارك جانبية خاضتها تركيا مع الولايات المتحدة بسبب ما عدته أنقرة عدم استجابة لمطالبها بتسليم فتح الله غولن، الذي كان في السابق حليفا لإردوغان، إلى السلطات التركية.
يذكر أن واشنطن أعلنت أن تسليم غولن «عملية قانونية بحتة»، وأن على أنقرة أن تقدم الأدلة القاطعة على تورطه في المحاولة الانقلابية. كذلك فجرت حملة التطهير الموسعة التي تواصلها سلطات أنقرة حتى الآن خلافات وتوترًا كبيرًا بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي تسعى لعضويته، بسبب ما عده الاتحاد الأوروبي والغرب عموما تجاوزا للقانون الدولي، وكذلك للقانون التركي نفسه في الحملات الواسعة من الاعتقالات والفصل من العمل، التي تتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها تركيا، في حين اتهم إردوغان الغرب والاتحاد الأوروبي بدعم الانقلابيين.
وأدى هذه التوتر والانتقادات الأوروبية لما يعده الاتحاد الأوروبي تضييقًا على المعارضة، وقمعًا لحرية الصحافة والتعبير، إلى تعمق الخلاف بين أنقرة وبروكسل إلى الحد الذي أقر معه البرلمان الأوروبي قرارًا غير ملزم لقادة الاتحاد بتجميد مفاوضات عضوية تركيا حتى تبدى التزامها بمعايير الاتحاد الأوروبي، وتعود إلى النهج الديمقراطي.
ولكن في المقابل، وعلى الرغم من هذه التداعيات السلبية والظاهرة على الاقتصاد التركي، فإن محاولة الانقلاب الفاشلة بعثت - وفق كثيرين - من جديد روح التضامن الشعبي خلف الأهداف التي يرسمها إردوغان لتركيا الجديدة.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.