من مجموع 15 دولة عضو في مجلس الأمن الدولي، ساهمت في إصدار قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اختار رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، معاقبة 3 دول، هي الدول الأضعف في القائمة: نيوزيلندا وأنغولا والسنغال. أما الدول الأخرى، فقد اتخذ إزاء بعضها إجراءات احتجاجية شكلية، وتعاطى مع بعضها الآخر بخضوع، متجاوزًا غضبه المعلن.
فالمعروف أن قرار مجلس الأمن الدولي اتخذ بموافقة 14 دولة هي: روسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، ونيوزيلندا، وإسبانيا، وفنزويلا، والسنغال، ومصر، وماليزيا، والأوروغواي، وأوكرانيا، وأنغولا واليابان، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. وقد رد نتنياهو على القرار بهجوم إعلامي شرس. ثم استدعت وزارة الخارجية التي يقودها، بصفته أيضا وزير خارجية، سفراء هذه الدول يوم عيد الميلاد المجيد، في محادثات توبيخ. وكانت درجة التوبيخ، وفقًا لمصادر إعلامية، توازي مستوى الدولة التي يمثلها السفير. فمع روسيا والصين ومصر واليابان وبريطانيا وفرنسا، كان التوبيخ شكليًا. وفنزويلا وماليزيا لا تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لذلك لم يتخذ ضدهما أي إجراء. والعلاقات مع أوروغواي تعتبر أصلاً ضعيفة، حيث لا يزيد حجم التبادل التجاري على 60 مليون دولار في السنة، لذلك لم يتقرر أي إجراء.
لقد شن نتنياهو ووزراؤه هجومًا حادًا على باراك أوباما، رئيس الدولة التي تعتبر أكبر حليف وأهم نصير لإسرائيل. لكن تفسير ذلك في إسرائيل، هو أن أوباما يعتبر رئيسا ضعيفا يمضي آخر أيامه في البيت الأبيض، والهجوم عليه يحسب ضمن تحقيق رغبات الرئيس المنتخب دونالد ترامب والنفاق له.
لكن هناك أربع دول أخرى كبرى لم تستخدم حقها في الفيتو، هي بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. باستثناء الإجراء بإلغاء اللقاء مع رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، لم ينبس نتنياهو ببنت شفة ضد هذه الدول. بل بالعكس، فإنه منح روسيا جائزة، عندما استجاب لطلبها الأربعاء الماضي حين غابت إسرائيل عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول قرار إدانة جرائم الحرب في سوريا.
ولم تتعرض مصر أيضا، لهجوم نتنياهو. فمع أنها هي التي طرحت المشروع أول مرة، وهي التي صاغت القرار الذي صدر عن مجلس الأمن، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعامل معها من خلال تجاوبها مع طلبه بسحبها المشروع أول مرة (الخميس الماضي). ولم يتفوه بكلمة ضدها عند تصويتها إلى جانب القرار.
لكن نتنياهو أظهر «قبضته» واستعرض عضلاته، على الدول الضعيفة:
السنغال: إسرائيل تقيم علاقات مع السنغال منذ مطلع الستينات من القرن الماضي. وفي سنة 1966، قام رئيس الوزراء آنذاك، ليفي أشكول بزيارة إلى هذه الدولة الأفريقية وفتح عهدا من التعاون. وفي سنة 1994، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، شهدت العلاقات طفرة إيجابية. وتقيم إسرائيل هناك مشاريع زراعية متطورة عدة في مجال الري الإلكتروني. وكان من المفترض أن يزور إسرائيل، اليوم، الأربعاء، وزير خارجية السنغال للبحث في طلبات لتطوير الدعم الزراعي هناك. وقد ألغى نتنياهو الزيارة، وعمليًا ألغى البحث في المشاريع الجديدة عقابا لها. وحسب مصدر في اتحاد الغرف التجارية في إسرائيل، فإن الاتصالات بين رجال الأعمال في البلدين ستستمر كالمعتاد ولن تتأثر بالضجة التي يفتعلها نتنياهو.
أنغولا: العلاقات بين إسرائيل وأنغولا تعتبر مميزة منذ القدم، حيث إن قادة حركة التحرر الوطني هناك، لجأوا إلى إسرائيل منذ الستينات، وحصلت على السلاح والتدريبات العسكرية في كفاحها ضد الاستعمار البرتغالي. وحتى خلال الحرب الأهلية، كان لإسرائيل دور بارز. ونقلت إليهم السلاح عبر زائير. وعندما التزمت أنغولا بقرار اتحاد الدول الأفريقية وقطعت علاقاتها مع إسرائيل، استمر الاتصال بين البلدين بشكل سري. في سنة 2005، زار الرئيس جوزيه إدواردو دوس سانتوس تل أبيب. وتم التوقيع على اتفاقيات في المجالات العسكرية والاقتصادية. وتدفق رجال الأعمال الإسرائيليون على أنغولا. إلا أن أزمة نشبت في أعقاب اعتقال رجل الأعمال الإسرائيلي أركادي غيدماك في فرنسا، لتورطه سويا مع 42 رجل أعمال آخر في فضيحة فساد ضخمة بقيمة 790 مليون دولار. وفي سنة 2006، اتفقت الدولتان على فتح صفحة جديدة، بموجبها جرى التوقيع على اتفاقية بيع أسلحة إسرائيلية بقيمة مليار دولار، لكن هذه الاتفاقية ألغيت بسبب مشكلات الدفع الأنغولية. ولكن هناك فرعًا اقتصاديًا متطورًا بين البلدين، إذ إن 40 في المائة من مناجم الذهب وغيره من الجواهر في أنغولا يجري تصديرها إلى إسرائيل. هنا أيضا يعتقد المتخصصون، أن العلاقات لن تتأثر بالإجراءات الإسرائيلية السياسية، إذ إن رجال الأعمال في إسرائيل لن يسمحوا بذلك.
أوكرانيا: في إسرائيل يعيش نحو نصف مليون مواطن من أصل أوكراني، نصفهم هاجروا إلى تل أبيب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. العلاقات بين البلدين تعتبر جيدة، على الرغم من أن إسرائيل لم تجرؤ على مناصرة أوكرانيا في حربها مع روسيا، حتى لا تغضب الرئيس فلاديمير بوتين. فقد ألغيت تأشيرة الدخول بين البلدين، منذ سنة 2011. حجم التبادل التجاري يصل إلى 4 مليارات دولار. هناك تعاون أمني بين البلدين. وتوجد مناطق تجارة حرة بينهما. من المشكلات التي تنتظر حلاً بينهما، هي مشكلة الاتجار بالنساء. فهناك تجار متخصصون في بيع أجساد نساء من أوكرانيا إلى بيوت الدعارة في إسرائيل. وحسب مصادر في تل أبيب، تعتبر إسرائيل بالنسبة لأوكرانيا صديقة حميمة تستند إليها في الكثير من الأمور، بما في ذلك تجنيد الدعم في الكونغرس الأميركي لصالح كييف. وقد حققت إسرائيل لأوكرانيا بعض المكاسب في هذا المجال. واليوم يقولون في إسرائيل: نحن نجند أميركا لأوكرانيا وأوكرانيا تبيعنا لصالح الرئيس أوباما ونائبه بايدن.
نيوزيلندا: العلاقات بين إسرائيل ونيوزيلندا شهدت الكثير من الأزمات في الماضي، على خلفية قيام الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجي)، باستخدام جوازات سفر نيوزيلندية مزورة في عمليات الاغتيال التي تنفذها في مختلف دول العالم، مثلاً اغتيال محمود المبحوح في دبي. ومع أن إسرائيل اعتذرت، إلا أن الشرطة النيوزيلندية اكتشفت مصنعا لتزوير الجوازات النيوزيلندية يملكه رجل عصابات إسرائيلي. ثم نشبت أزمة أخرى، عندما قررت إسرائيل إغلاق سفارتها في نيوزيلندا بسبب تقليصات في الميزانية. في سنة 2014 حصلت أزمة أخرى، عندما رفضت إسرائيل قرار نيوزيلندا بأن تكون سفارتها في إسرائيل مشتركة مع سفارتها في السلطة الفلسطينية. ولم تصادق على تعيين السفير. وخلال العام الحالي، وقبل قرار مجلس الأمن الأخير بأشهر عدة، نشر أن نيوزيلندا ستطرح مبادرة سلام بين إسرائيل وفلسطين، وذلك وسط عدم رضا إسرائيلي. عمليًا، العلاقات بين البلدين سيئة طول الوقت، ولن تزيد سوءًا بالإجراءات الإسرائيلية ضدها.
نتنياهو قوي على الضعفاء

نتنياهو قوي على الضعفاء

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة