الشيف بوبي شين: الأصول أساس الابتكار وتأثرت بجدتيّ الصينية والمصرية

من بورصة نيويورك إلى المطبخ

من أطباق شين الفيتنامية المبتكرة  - من أطباق شين المبتكرة - الشيف العالم بوبي شين
من أطباق شين الفيتنامية المبتكرة - من أطباق شين المبتكرة - الشيف العالم بوبي شين
TT

الشيف بوبي شين: الأصول أساس الابتكار وتأثرت بجدتيّ الصينية والمصرية

من أطباق شين الفيتنامية المبتكرة  - من أطباق شين المبتكرة - الشيف العالم بوبي شين
من أطباق شين الفيتنامية المبتكرة - من أطباق شين المبتكرة - الشيف العالم بوبي شين

«أنا مغرم بمهنتي ولا شيء يضاهيها أهمية في حياتي اليوم»، بهذه الكلمات اختصر الشيف بوبي شين شغفه في عالم الطبخ، الذي جعله يتربع على عرشه إن في مجال التقديم التلفزيوني، أو في ابتكاراته لأطباق خارجة عن المألوف دفعت بالشيف العالمي أنطوني بوردان لتلقيبه بـ«رجل الألغاز العالمي».
روبرت شين (اسمه الأصلي) لا يشبه غيره من زملائه في هذا المجال، ليس من باب تفوقه في عالم الطبخ فحسب، بل من خلال مكونات شخصيته التي بنى خطوطها العريضة من جذوره الصينية والمصرية معا.
«قد يكون لزملائي في هذا المجال تجارب ناجحة ويتفوقون علي بقدراتهم المطبخية، إلا أنهم بالتأكيد لا يتمتعون بالخلفية التي أملكها من خلال جذوري الشرق أوسطية والآسيوية معًا، فهم ينتمون إلى بلد معين أما أنا فكان لدي الدنيا بأكملها بين يدي».
يصف بوبي شين دخوله عالم المطبخ بأنه جاء متأخرًا نوعا ما (كان عمره 30 سنة)، فهو عمل قبل ذلك في بورصة نيويورك، وكان أحد أبطال لعبة الركبي الرياضية، ومع ذلك فإن المطبخ بكل عناصره ناداه فترك كل شيء ليتبعه.
وكان قد تابع دراساته المدرسية ما بين سان فرانسيسكو ولندن والقاهرة، أما دراسته الجامعية فتنقل فيها ما بين جامعات نيفادا ولاس فيغاس وكاليفورنيا، ومن «ريشموند كوليدج» نال إجازته الجامعية في المال والاقتصاد.
نجح بوبي شين في إيصال أفكاره المبتكرة في عالم الطبخ إلى حد جعل اسمه يتردد على ألسنة شخصيات سياسية واجتماعية مهمة كانت تطلبه بالاسم ليحضر لها الطعام. فكما رئيس الجمهورية السابق بيل كلينتون، كذلك المغني العالمي بوب ديلان وغيرهما، تناولوا أطباق شين مبدين إعجابهم الكبير بها. فالشيف الصيني المصري عرف كيف يغرف من جذوره في تحضير أطباقه، إلى حد جعل البعض يقول عنه: «ما لا يعرفه بوبي شين من أطباق في جنوب شرقي آسيا فلأنها بالتأكيد لا تستأهل الاهتمام».
«عملية الطهي هي مزيج من الحب والشغف والهوية، فأي طبق أقوم بتحضيره يكون بمثابة لوحة أرسمها بأناملي وفكري وألوان جذوري. ولعل التقنية التي اكتسبتها من تجاربي هي التي تدفعني إلى ولوج أي مطبخ دون خوف. فالطهي عملية محفوفة بالمخاطر ومن لا يدخلها بقلب قوي وبشجاعة قد يخفق فيها»، يقول الشيف بوبي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
يرى الشيف الصيني الذي سمته فيتنام سفيرها السياحي في عام 2014، أن تفوق طبق ما على غيره يكمن في بساطته أولاً، فاستخدام مكونات كثيرة مبالغ فيها سيفقده بالتأكيد من خصائصه، «الابتكار ضروري نعم»، يقول بوبي «ولكن تشويه أصوله هو أمر غير مقبول».
يعتبر الشيف بوبي شين أن عملية تطوير الطبق هي مهمة دقيقة واختيار المكونات الجيدة إضافة إلى طريقة التحضير يشكلان عاملين أساسيين في ذلك «من الممكن أن أجدد في الطبق الذي أحضره بين وقت وآخر، ولكن ليس بشكل دائم، إذ إن الإبداع يرتكز على تغيير المكونات في الوقت المناسب، طارحين السؤال الدائم على أنفسنا: (ما المشكلة في هذا الطبق؟)».
لم يأتِ الشيف الصيني إلى عالم الطبخ متخرجًا في جامعات تدرس الطهي، بل متأثرا بجدتيه المصرية والصينية: «عندما عملت في مجال البورصة كنت أشعر بأن هذا المكان لا يناسبني؛ فهو تسوده الجدية بشكل كبير، وأنا في طبيعتي أحب المرح. ومن خلال احتكاكي الدائم بجدتي كان المطبخ مجالاً مفتوحًا أمامي لأمارس فيه حريتي على طبيعتي».. يقول بوبي ويتابع: «عندما دخلت هذا المجال شعرت وكأنني ملك أملك قراراتي، وأعمل على هواي، ولا يمكن أن أنسى يومًا فضل جدتي عليّ، فزينات متولي (جدته من ناحية والدته) علمتني إلى جانب العربية إيتيكيت المائدة، وحتى لعبة الشطرنج، أما جدتي الصينية (آسي) فكانت تتمتع بالصبر الكافي لتعلمني أصول الطبخ الصيني».
اليوم يشارك بوبي شين كعضو لجنة التحكيم في برنامج «توب شيف» في نسخته العربية على «إم بي سي»، وقد لفت المشاهد العربي بحيويته وحسه الفكاهي أمام الكاميرا. فصحيح أن لديه خبرته الكبيرة في هذا المجال؛ فهو حائز على جائزة «أفضل مقدم تلفزيوني ترفيهي» لعامي 2007 و2010 في مهرجان آسيا للتلفزيون، لكنه يصف تجربته الحالية بالممتعة، بعد أن وضعته في احتكاك مباشر مع عالم الشرق الأوسط.
«لم أتردد في إغلاق مطعمي (ذا هاوس أوف هو)، في لندن، وقبله مطاعمي في هانوي وسايغون للالتحاق بهذا البرنامج، فهو وضعني من جديد على الخريطة العربية، وفي اتصال مباشر مع جذوري الشرق أوسطية، وهو أمر أحنّ إليه كثيرًا». ويتابع: «(توب شيف) يعد من الإنتاجات التلفزيونية الضخمة التي أفخر بمشاركتي فيها، وكان هدفي في هذا البرنامج أن أعلِّم المشاهد العربي احترام مهنة (الشيف) بشكل عام، فكثيرون يعتبرونه نادلاً أو خادمًا مع أنه في أوروبا وأميركا مليونير».
ويصف الطعام الصيني بأنه صحي جدًا، فيما المصري غني بالحضارة والتاريخ ولديه خصائصه على المائدة العربية عامة. «في الماضي كان الطعام يوازي بأهميته الدواء الذي يشفي من أمراض كثيرة، أما الآن فأخذ منحى آخر، وصار البعض يستخدمه كسلعة تجارية».
«اليوم ألفُّ الدنيا وفي رأسي بركان أفكار، أريد أن أغير أشياء كثيرة في عالم الطبخ، فأنا وبكل صراحة نجحت في صناعة الفرق في تحضيري للأطباق، وأتوق لتعليم جيل جديد من هواة الطبخ، لا سيما في بلدان عربية وفي مقدمها مصر. فأنا أحب أن أصنع الفرق، وقد سبق أن أوصلت شغفي هذا إلى بعض أولاد الشارع في سايغون وعلمتهم فن الطبخ».
ويختم بلكنته العربية المكسرة: «لا أريد أن أغير أي شيء في حياتي، والشهرة لا تعني لي شيئًا، فالأهم أنني راضٍ عن نفسي وسعيد في مهنتي ولدي سياسة تريحني أتبعها مع الجميع ألا وهي (ما زعلش حد)».



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.