عززت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، التي تقضي بتخصيص مائة مليار ريال (26.6 مليار دولار) من الاحتياطات لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، من القوة الاستثمارية للصندوق، الأمر الذي سيجعله واحدًا من أكثر الصناديق الحكومية حراكًا وتأثيرًا في العالم أجمع.
وبدأ صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، بعقد خطوات جادة نحو تعزيز قاعدة الاستثمار، والدخول في شراكات جديدة، تستهدف التقنية، والصناعة، وقطاع الأغذية، والنقل، فيما من المنتظر أن يشهد العام الجديد 2017 مزيدًا من الاستثمارات الجديدة، بعد أن كان العام الحالي 2016 واحدًا من أكثر أعوام الصندوق حيوية ونشاطًا.
وتسعى المملكة من خلال صندوق الاستثمارات العامة لتنويع الاقتصاد، وإيجاد مصادر دخل أكثر استدامة، فيما من المرتقب أن يتم استثمار مائة مليار ريال على مراحل زمنية محددة في إطار برامج «رؤية المملكة 2030» ومستهدفاتها، وهي الاستثمارات التي يتوقع أن يكون لها دور إيجابي على العائد الإجمالي.
وبدأ صندوق الاستثمارات العامة باستهداف التكنولوجيا بشكل ملحوظ خلال العام الجاري، حيث سيساهم الصندوق بنحو 45 مليار دولار في صندوق «رؤية سوفت بنك»، وهو الصندوق الذي سيلعب دورًا ملحوظًا على خريطة الاستثمار التقني.
كما بدأت السعودية من خلال صندوق الاستثمارات العامة في توسيع دائرة الاستثمار في التقنية عبر «نون.كوم»، و«أوبر»، فيما أعلن الصندوق خلال هذا الأسبوع أنه سيقوم بشراء حصة، تتمثل في 50 في المائة من مجموعة «أدبتيو» القابضة المحدودة، يأتي ذلك عقب قيام شركة «أدبتيو»، بالاستحواذ على شركة الأغذية الكويتية «أمريكانا» بنحو 67 في المائة.
ويتضح من هذه التحركات الإيجابية التي تقوم بها السعودية حاليًا على مستوى صندوق الاستثمارات العامة، أن المملكة تستثمر في المستقبل، مسجلة بذلك علامة فارقة على خريطة تنويع الاقتصاد، الأمر الذي سيقود إلى تقليل الاعتماد على النفط بشكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة.
ومن المرتقب أن يكون صندوق الاستثمارات العامة أكبر الصناديق السيادية في العام أجمع، حيث سيصبح الصندوق عقب طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو»، أكبر الصناديق السيادية حول العام بنحو تريليوني دولار.
وتأتي هذه التطورات، في وقت صدرت فيه موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بناءً على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتخصيص مبلغ مائة مليار ريال (26.6 مليار دولار) من الاحتياطات لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف تنويع المحفظة الاستثمارية وتحسين عوائد الاستثمارات.
وأوضح صندوق الاستثمارات العامة بأن استراتيجيته الاستثمارية ستركز خلال الفترة المقبلة على عدد من الفرص الواعدة في السوق المحلية والدولية، وبالذات بعض الفرص في السوق المحلية ذات العائد المتوقع المجزي الذي يدعم استثمارات القطاع الخاص والنمو الاقتصادي والمحتوى المحلي.
كما أنه من المرتقب أن يتم استثمار المبلغ الجديد على مراحل زمنية محددة في إطار برامج «رؤية المملكة 2030» ومستهدفاتها، التي يتوقع أن يكون لها دور إيجابي على العائد الإجمالي على الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل.
وفي هذا الإطار، أكد سليمان العساف، وهو مستشار اقتصادي، أن تخصيص مائة مليار ريال لصندوق الاستثمارات العامة، سيعود بالنفع على الاقتصاد المحلي من باب ضخ سيولة في عروق القطاع المالي والاقتصاد بشكل عام، بالإضافة إلى تحريك القطاع الخاص الذي قد يعاني من قلة الدوران والسيولة.
وقال العساف، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «استثمار الصندوق داخليا يدعم كثيرا من الصناعات والخدمات المرتبطة بتلك الاستثمارات، ويحرك عجلة الاقتصاد والحركة المالية والاقتصادية من جديد، بالإضافة إلى تنويع الاستثمار للصندوق داخليا وخارجيا.. فخارجيا يزيد التنوع ويقوي صوت الصندوق لجذب كثير من الاستثمار الخارجي للمملكة، مما يجذب رؤوس الأموال والخبرات ويفتح الباب لصناعة وخدمات مصاحبة، وبالتأكيد سيتم خلق مزيد من الوظائف للشباب، وهو ما يتفق مع (رؤية 2030)».
وتأتي هذه التطورات في وقت تأسس فيه صندوق الاستثمارات العامة عام 1971 بمهمة أساسية هي تمويل المشاريع ذات القيمة الاستراتيجية للاقتصاد الوطني السعودي، وقد تطور دوره ليشمل عددًا من المجالات المختلفة، بما في ذلك حيازة وإدارة مساهمات الحكومة في بعض كبرى وأهم الشركات القيادية في المملكة.
وقام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتأسيس وإدارة عدة شركات في سياق دعم الابتكار والتنويع الاقتصادي وتطوير القطاعات غير النفطية في المملكة، ويشرف الصندوق على تملك وإدارة مساهمات الحكومة في الشركات الثنائية ومتعددة الجنسيات في الخارج، بالإضافة إلى الاستثمار الانتقائي في عدد من الأصول الأخرى على الصعيد العالمي.
وتتميز المحفظة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة بالتنوع، حيث تضم اليوم نحو مائتي استثمار، منها نحو 20 استثمارا مدرجًا في سوق الأسهم المالية السعودية (تداول)، إلى جانب الأصول غير المدرجة، حيث يدير الصندوق عددا من الاستثمارات غير المدرجة في مجالات الأسهم والاستثمارات الأجنبية وشركات العقارات القابضة والقروض والسندات المالية والصكوك، كما تصل قيمة الأصول المدارة الموجودة حاليا لدى الصندوق إلى نحو 600 مليار ريال (160 مليار دولار).
وفي خطوة كبرى، انتقلت مرجعية صندوق الاستثمارات العامة إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة، حيث كان يتبع سابقًا لوزارة المالية، وجاء ذلك في مارس (آذار) 2015. وفي سياق هذا الانتقال، تم تعيين مجلس إدارة جديد للصندوق برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
واتخذ مجلس الإدارة الجديد خطوات نحو إعادة صياغة رؤية الصندوق وأهدافه واستراتيجيته، بهدف اعتماد استراتيجية محدثة تعكس الدور الحيوي والمهم للصندوق في اقتصاد المملكة، مع الأخذ بعين الاعتبار السياق الاقتصادي للمملكة و«رؤية المملكة 2030».
يشار إلى أن السعودية تسعى عبر «رؤية 2030» لبلورة جملة من الإصلاحات التي تعمل عليها، عبر تفعيل عناصر ذات طابع اقتصادي مميز وحيوي، التي تشتمل على تحول شركة «أرامكو» من شركة نفط إلى شركة طاقة صناعية، إضافة إلى الشكل الجديد لصندوق الاستثمارات العامة وتحوله إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، كما أن الرؤية المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط تشتمل على برنامج التحول الوطني 2020.
ويرتكز الاقتصاد السعودي على عناصر قوة كثيرة، جعلته أكثر ثباتًا في مواجهة الأزمات المالية المتلاحقة، التي عصفت بكثير من دول العالم، إذ تمثل الاحتياطات الضخمة، والمخزون الهائل من النفط، والنمو المتواصل للقطاع الخاص، وارتفاع ربحية الشركات في السوق المالية، والتوجه نحو امتلاك أكبر صندوق سيادي عالمي، وتعزيز الابتكارات والبحث العلمي في قطاع الطاقة البديلة، أهم ملامح قوة الاقتصاد السعودي.
وعلى صعيد قوى العمل، فإن السعودية تمتلك طاقات بشرية هائلة من الشباب، نجحت في رفع معدلات تعليمهم، سواء أكان هذا التعليم في الداخل، أو عبر برامج الابتعاث للخارج، إضافة إلى أنها تسعى عبر مؤسسات التدريب المهني والتقني، لتدريبهم بطريقة أكثر تقدمًا، تجعلهم قادرين على مزاحمة الأيدي الوافدة في سوق العمل. ويعتبر الموقع الجغرافي المميز، ضمن أبرز ركائز قوة الاقتصاد السعودي، حيث تعتبر المملكة محورًا مهمًا للربط بين دول شرق آسيا، مع بقية قارات العالم.
وفي هذا الشأن، باتت السعودية تتجه بشكل جاد، إلى تقليل الاعتماد على النفط، كمصدر دخل رئيسي، من خلال تنويع مصادر الدخل، عبر خصخصة بعض القطاعات الحكومية، وإدراج جزء من أسهم الشركات الكبرى للاكتتاب العام، ورفع وتيرة الإنتاج الصناعي، وتحفيز القطاع الخاص على النمو، والاستثمار في الأسواق المالية، مع التركيز في الوقت ذاته على الأدوات الاستثمارية الأخرى المناسبة.
وأصبحت مرحلة ما بعد النفط في السعودية، حدثًا تاريخيًا بارزًا، ستسجل من خلاله البلاد تطورًا ملحوظًا على صعيد النمو الاقتصادي، وتسجيل موارد غير بترولية جديدة، تنتقل من خلالها المملكة إلى عصر اقتصادي جديد، بات أكثر حيوية ومرونة.
السعودية تعزز مرحلة تقليل الاعتماد على النفط عبر صندوق الاستثمارات العامة
خادم الحرمين الشريفين يوافق على دعم صندوق الاستثمارات بـ26.6 مليون دولار لترتفع أصوله إلى 186.6 مليار دولار
السعودية تعزز مرحلة تقليل الاعتماد على النفط عبر صندوق الاستثمارات العامة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة