نجران أرض «الأخدود».. منجم آثار حضارات عريقة

فيها آثار بحيرات قديمة ونقوش تعود إلى العصر الحجري

قلعة رعوم الأثرية بنجران - جانب من النقوش الأثرية في نجران ({الشرق الأوسط})
قلعة رعوم الأثرية بنجران - جانب من النقوش الأثرية في نجران ({الشرق الأوسط})
TT

نجران أرض «الأخدود».. منجم آثار حضارات عريقة

قلعة رعوم الأثرية بنجران - جانب من النقوش الأثرية في نجران ({الشرق الأوسط})
قلعة رعوم الأثرية بنجران - جانب من النقوش الأثرية في نجران ({الشرق الأوسط})

تعد منطقة نجران، الواقعة في جنوب السعودية، من أكثر المناطق أهمية من الناحية التاريخية، حيث تضم أكثر من 100 موقع أثري. وأظهرت الاكتشافات الأثرية الأخيرة أن المنطقة شهدت قيام عدة حضارات، يعود بعضها إلى العصر الحجري. عثر الباحثون فيها على آثار حضارة إنسانية تعود إلى أكثر من مليون سنة. كما تم الكشف عن آثار لبحيرات قديمة تدل على أن تلك المنطقة، الواقعة في أحضان الربع الخالي، كان لها أهمية تاريخية كبيرة، مما جعلها نقطة ارتكاز في صراع الممالك العربية القديمة الراغبة في السيطرة على تلك الواحات الخضراء. وبالتالي، شكل موقع نجران أهمية اقتصادية بوصفها ممرًا رئيسيًا لأحد أهم طرق التجارة القديمة، ونقطة التقاء لقبائل غرب ووسط الجزيرة العربية.

أصحاب الأخدود
وشهدت نجران طوال تاريخها أحداثا مهمة، تمثلت في الحملات العسكرية الكثيرة التي تعرضت لها من قبل القوى العظمى في فترات مختلفة من التاريخ. أدت بعض هذه الأحداث إلى حصارها واحتلالها، والبعض الآخر إلى تدميرها. وأبرز تلك الأحداث هي حادثة الأخدود، المذكورة في القرآن الكريم، التي ذهب ضحيتها آلاف من أبناء المنطقة في محرقة كبيرة قبل أكثر من 1500 عام. حدث ذلك بعد أن أقدم ذو نواس، آخر ملوك التبابعة على الانتقام من مسيحيي نجران، عندما رفضوا اعتناق الديانة اليهودية.
كما تتمتع المنطقة بوجود آثار ومواقع مهمة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، وكلها تؤكد أن المنطقة كانت ذات موقع تجاري وزراعي مهم وعمق حضاري لافت.
وتعد نجران، بما سجله التاريخ فيها، متحفًا تاريخيًا حيًا، وخصوصًا بعد اكتشاف آثار متعددة. حيث تشتمل على نقوش وكتابات بالخط المسند، وهو الخط الذي استخدمته دولة «حمير» بين (115 قبل الميلاد و14 ميلادية)، ونقوش هيروغليفية ومصرية قديمة. إضافة إلى نقوش كوفية يعود تاريخها للعصور الإسلامية الأولى. وربما الأهم من ذلك، هو العثور على رسوم لبعض الحيوانات من خيول وجمال ونعام وظباء، إلى جانب مصنوعات يدوية مهمة، تثبت تواجد العنصر البشري في المنطقة خلال العصر الحجري.

آثار شعيب دحضة وبئر حما
يُعد ما تم العثور عليه في «شعيب دحضة» من الأدوات الحجرية والدلائل الأثرية الأخرى إثباتا على قدم الاستيطان البشري في منطقة نجران. حيث يُعتقد أن هذه الآثار تعود إلى الحضارة الإلدوانية قبل ما يتراوح بين 1.2 إلى 1.8 مليون سنة، وهي مرحلة مبكرة من العصر الحجري القديم. حيث تم اكتشاف أدوات بدائية مرورًا بالقواطع والمطارق الحجرية الكبيرة إلى المكاشط والشفرات الصغيرة.
أما بالنسبة للعصر الحجري الأوسط، فمنطقة «عرق البير» تُعد من أهم المواقع لدراسة هذه الحقبة. حيث تم العثور على أدوات ارتبطت بصناعات يدوية أكثر دقة مثل المثاقب والمسننات والمكاشط.
ولم تخلُ المنطقة أيضًا من آثار العصر الحجري الحديث، حيث تعد منطقة بئر حما من أبرز الأماكن التي شهدت هذه الفترة (4000 - 5000 قبل الميلاد). والدلائل فيها كثيرة، حيث تم العثور على منشآت لمواقد حجرية بعدة أشكال، إلى جانب رسومات صخرية تحمل كثيرا من المعلومات عن الملابس وأدوات الزينة والأسلحة وطبيعة الحياة التي مر بها أهل المنطقة.
كما تشير الأدلة المستمدة من النقوش السبئية المبكرة إلى أن نجران حظيت بأهمية كبيرة بحلول منتصف الألف الأول قبل الميلاد بعد أن فتحها السبئيون، وأن اسم نجران أو نجرن كان يطلق آنذاك على المنطقة وعاصمتها «رجمت».

«الأخدود» نموذج متميز
ويعد موقع الأخدود الأثري نموذجًا للمدن المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية، وهو الموقع الذي كانت تقام عليه مدينة نجران القديمة، التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية باسم (ن ج ر ن). ويعود تاريخ القلعة أو القصبة التي تشكل العنصر الأبرز في الموقع إلى الفترة الممتدة من 500 قبل الميلاد إلى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع.
والقلعة أو القصبة هي عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235 مترا. ويمثل نظام التحصين للقلعة، الذي كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية، نظاما دفاعيا قويا، يحمي المدينة وسكانها من الهجمات الخارجية.
ونظرًا لأهمية هذا الموقع من الناحية التاريخية والأثرية، نفّذت فيه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كثيرا من الأعمال الأثرية، تمثلت في إجراء حفريات داخل القلعة أسفرت عن عدة نتائج مهمة. منها اكتشاف مسجد شمال شرقي القلعة، يعد الأقدم في المنطقة حتى الآن، حيث يعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع - الثامن الميلادي)، ولا تزال أعمال الحفر والتنقيب الأثري مستمرة في الموقع.
وأجري كثير من الأعمال الأثرية بموقع الأخدود. ومن أهم القطع التي وجدت في الموقع: كسر فخارية كونت بعد ترميمها مجموعة من الجرار كانت تستخدم للتخزين، وعدد من الطاسات الفخارية المتنوعة من حيث الشكل وطريقة الصناعة أو المواد المضافة إليها.

قلعة رعوم الأثرية
أما في الناحية الغربية من مدينة نجران، فتقع قلعة رعوم التي تتوسط جبل أبو همدان وجبل سعدان، وترتفع عن سطح الأرض بـ1800 متر، وتطل على المزارع والقرى المنتشرة على ضفاف وادي نجران، كقرية الحضن والموفجة وزور آل حارث، في منظر جمالي بديع ورائع.
القرى التراثية البالغة 34 قرية، تحتوي كل قرية منها على أكثر من 12 منزلاً تراثيًا من القصور والقلاع النجرانية، أو ما يعرف باسم «الدروب الطينية» بين مزارع النخيل والبساتين على ضفاف وادي نجران، وتعد مكانًا مفضلاً للسائحين والزائرين للاطلاع على فن البناء القديم والهندسة العمرانية الفريدة في إنشاء البيوت الطينة المنتشرة بالقرى.

بعثة سعودية فرنسية للتنقيب
تأتي هذه الاكتشافات المتواصلة بعد توقيع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني اتفاقية تعاون علمي مشترك مع المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، تم خلالها تنفيذ خمسة مواسم للتنقيب الأثري في منطقة نجران.
ومن أبرز نتائج أعمال البعثة: الكشف عن عدد من مواقع عصور ما قبل التاريخ، مثل موقع المندفن الذي يرجع لنهاية عصر البليستوسين (120.000 - 12.000 قبل الميلاد) إلى بداية عصر الهولوسين. وعثر في الموقع على بقايا حيوانية متحجرة لظباء وغزلان وثيران وحشية وحمير وحشية وأبقار وجمال ونعام. كما تمّ الكشف عن أدوات حجرية صوانية ومكاشط ومثاقب ورؤوس سهام وفؤوس، والكشف عن عدد من المدافن الركامية في موقع شعب المسمى التي ترجع إلى العصر البرونزي، والكشف عن عدد كبير من النقوش والرسوم الصخرية المتنوعة الآدمية منها والحيوانية، التي تنوعت موضوعاتها أيضًا لتعكس جوانب من حياة الإنسان في تلك العصور، مثل موضوعات الصيد والقنص والحرب والرقص وغيرها. كما تنوعت طريقة النقش بالحفر والحز وأخرى بالتلوين.
كما عثرت البعثة على كثير من نقوش الخط المسند، وهو الخط الذي اشتهر في جنوب الجزيرة العربية. وما يدل على كثافة نقوش المسند في نجران أنها كانت منطقة ذات أهمية كبيرة على الطريق التجاري الذي كان يربط جنوب الجزيرة العربية بوسطها وشمالها، فأصبحت المنطقة هدفًا لنفوذ ممالك جنوب الجزيرة العربية من السبئيين والحميريين، وخصوصًا خلال القرون الثلاثة قبل الإسلام.
وتمكنت البعثة من الكشف عن عدد من النقوش النبطية في موقع موادي شمسة، والكشف عن عدد من النقوش الكوفية المنتشرة في عدد من المواقع في المنطقة، تؤرخ بالقرنين الأول والثاني الهجريين.
كما تعمل حاليا أكثر من 30 بعثة أثرية، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تضم فريقا علميا متخصصا في البحث والتنقيب الأثري، مكونا من عدد من العلماء السعوديين والأجانب. وكشفت أعمال هذه البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار في السعودية، عن نتائج بالغة الأهمية لتاريخ المملكة والجزيرة العربية والتاريخ الإنساني.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.