قد لا نجد في العالم ما يصف أو يساوي فرحة كفيف برؤية لوحة فنية أو مشهد ما سمع عنه ويعرف تفاصيله المروية إلا أن فقدانه حاسة الرؤية حرمه من التعرف على الشكل «المرئي المحسوس» لتلك اللوحة أو ذاك المشهد. وقد حرم الأكفاء من نشاط ثقافي اعتاده الآخرون بزيارة معارض اللوحات الفنية والرسومات المختلفة، إلا أنه وانطلاقا من مبدأ «الحاجة أم الاختراع» وأنه لا مستحيل أمام إرادة الإنسان ورغباته، فإن «رؤية اللامرئي» تصبح أمرا ممكنا، بل وتصبح تلك العبارة عنوانا لمعرض لوحات فنية أقامه متحف بوشكين للفنون التشكيلية في العاصمة الروسية موسكو، خصيصا للأكفاء ومن يعانون من ضعف شديد بحاسة النظر.
واعتمد المعرض في تجربته هذه على ذات الآلية المعتمدة لتعليم الأكفاء القراءة والكتابة، باستخدام الأحرف المجسمة (البارزة). إذ اختار المنظمون مجموعة من اللوحات العالمية، وقاموا بنسخها بواسطة تقنيات «الطباعة المجسمة»، وحرصوا أثناء ذلك على «تجسيم» أدق التفاصيل في اللوحات المختارة، كي يتمكن زوار المعرض من ملامسة تلك التفاصيل لدرجة تمكنهم من الشعور بأنهم يرونها بأعينهم لا بأطراف أصابعهم. وكي يكون العرض بكامل روعة لوحاته حرص المنظمون على تأمين «مرافقة صوتية» لكل لوحة، تمكن الضيف والزائر من سماع التعليقات التعريفية باللوحة التي يشاهدها، وذلك عبر سماعات أذن خاصة تتفاعل تلقائيا مع كل لوحة عند الاقتراب منها. أما أشهر اللوحات التي سيتاح لهم «رؤيتها» فهناك لوحة «جاكوار يهاجم حصان»، للفنان الفرنسي الشهير هنري جولين فيلكس روسو، من مدرسة ما بعد الانطباعية والمعروف عنه اعتماده «البدائية» أو «البساطة» في رسم لوحاته، وكذلك لوحات لفنان فرنسي آخر هو جان باتيست سيميون شاردان، ولوحة «هل تغارين» للفنان بول غاغان، والكثير غيرها.
ومع أن اللوحات تم تحضيرها لتكون متاحة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديدا للأكفاء ومن يعانون ضعفا شديدا بحاسة النظر، إلا أنه بوسع أي إنسان لا يعاني من تلك الحالات أن يزور المعرض ويخوض تجربة مميزة، حيث سيجد عند المدخل نظارات خاصة بعدسات سوداء تحجب الرؤية، ما سيمكن الزائر من رؤية تلك اللوحات بأسلوب جديد مختلف، ويجعله يعيش في الوقت ذاته الحالة الحسية ومشاعر الأكفاء وهم يتلمسون اللوحات لرؤيتها بوضوح عبر أطراف أصابعهم.
ويستمر المعرض في متحف بوشكين في موسكو لغاية شهر فبراير (شباط)، ومن ثم ستبدأ لوحاته رحلتها عبر المدن الروسية كي يتمكن أكبر عدد من الأكفاء من «مشاهدتها». ولا تقتصر نشاطات متحف بوشكين في مجال تقديم الدعم لذوي الاحتياجات الخاصة على هذا المعرض للأكفاء، إذ يولي اهتمامه كذلك بمختلف الفئات، بما في ذلك الصم، الذين يجري تحضير معرض خاص لهم يترافق مع عرض مصور لسيرة كل لوحة وآراء النقاد فيها وما إلى ذلك من معلومات. وفي العام المنصرم نظم المتحف عروضا مميزة في إطار فعاليات خاصة بمن يعانون من مرض التوحد تحت عنوان «التوحد بيئة للمحبة».
«رؤية اللامرئي».. فرصة للاستمتاع بالفن لمن حرموا منه
متحف بوشكين ينظم معرض لوحات عالمية للأكفاء وضعيفي النظر
«رؤية اللامرئي».. فرصة للاستمتاع بالفن لمن حرموا منه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة