إن كان غوسيب غوارديولا يرى أنه من الضروري أن يركض إلى داخل الملعب بعد نهاية المباراة ليلقي محاضرة مرتجلة عن تمركز اللاعب، فذلك ربما لأنه يرى أن اللاعب جدير بالانتباه. كان هذا بالتأكيد ما حدث مع جوشوا كيميتش، فبعد ثوانٍ معدودة من إطلاق الحكم لصافرة نهاية الوقت الأصلي لمباراة بايرن ميونيخ التي انتهت بالتعادل السلبي أمام بوروسيا دورتموند على ملعب الأخير في نهاية الموسم الماضي، أسرع بالركض على أرض الملعب وتعامل بخشونة مع قلب دفاع فريقه البالغ من العمر 21 عامًا حينها.
ما حدث بعد ذلك: «جانب من كلامه كان عاطفيًا وخطط استراتيجية، وجانب آخر كان أقرب ما يكون للشخصية الكوميدية بازل فاولتي التي ظهرت في الحلقات الشهيرة (فاولتي تاورز)». انتهى الحوار القصير بين الاثنين بعناق وبتصريحات صدرت عنهما لاحقًا قللا فيها من حجم الخلاف بينهما. وعلق بقوله: «أحبه كثيرًا. أحب العمل مع هذا النمط من اللاعبين التواقين للتعلم ولتطوير أنفسهم». لم تأتِ تلك الكلمات في سياق تصريح علني، لكنها جاءت ضمن رد فوري في الملعب من معلم يدرك أن تلميذه سيحسن فهم ما قصده مدربه. من جانبه، قال كيميتش إن تلك الحادثة لم تخرج عن المعتاد، وشرح أنه لمن لا يعرف، فإن مدربه من ذلك النوع الذي يبادر بتصحيح أخطاء لاعبيه للاستفادة من أقصى ما لديهم. فبالإضافة إلى قدراته التي لا تحتمل الشك، فإن رغبة كيميتش في التعلم هي من أخرجت كل تلك المشاعر من غوارديولا.
ففي قمة الاحتراف الكروي، هناك هامش مسموح به في التعامل بين المدرب واللاعبين، وقدرة كيميتش واضحة ولا جدال فيها، ومهاراته ومستواه تجعل منه ماده طيعة وقابلة للتشكيل، وهي المتطلب الأساسي لكثير من المدربين في كرة القدم الحديثة مع ابتعادهم عن السعي لإنتاج نمط من اللاعبين الذين لا يتقنون سوى اللعب في مكان واحد محدد بالملعب.
ولد اللاعب ببلدة قريبة من شتوتغارت عام 1995، وانضم لنادي «في إف بي» في سن الثانية عشرة، وتوقع القائمون على فرق الناشئين بالنادي الكثير للاعب الوسط الصغير وحزنوا لرحيله عن ناديهم وانضمامه لنادي آر بي لايبزيغ في دوري القسم الثالث عام 2013، وكان ذلك قبيل ظهوره محترفًا لمرة واحدة فقط مع فريق شتوتغارت بفضل تقليد النادي المعروف عنه إظهار لاعبيه الصغار الموهوبين بالفريق الأول. ورغم أن نادي آر بي لايبزيغ كسب بعض المال من بيعه لنادي بايرن ميونيخ، فإنه اتضح لاحقًا أن قراراهم كان قصير النظر في أحسن الأحوال.
انضم كيميتش لفريق بايرن ميونيخ بداية موسم 2015/ 2016 بعد 53 مباراة في دوري القسم الثالث والثاني مع نادي لايبزيغ، حيث كان لاعب وسط مدافعًا، كلاعب رقم 6 كلاسيكي. غوارديولا الذي كان يعمل حينها إلى جوار ماتيوس سامر، المدير الرياضي لنادي بايرن ميونيخ، كانت لديه أفكار أخرى. أثبت اللاعب أنه بالفعل يستحق مبلغ 7 ملايين يورو التي دفعها بايرن. وكان أكثر ما لفت الانتباه الطريقة التي غير بها مركزه من لاعب وسط مدافع في القسمين الثالث والثاني إلى قلب دفاع بفريق بايرن ميونيخ الفائز بلقب الدوري الألماني والمنافس بدوري أبطال أوروبا، قبل أن يتطور اللاعب لاحقًا ليصبح لاعب خط وسط في الجهة اليمنى في طريقة اللعب 4 - 3 - 3، وهي الطريقة التي جلبت له حسد الجماهير الإنجليزية.
أكثر ما يدهش في كيميتش هو قابليته للعب في أكثر من مركز، لكنك ستكون على خطأ لو جزمت أنه ضمن النجاح. فالمحاضرة التي ألقاها أمامه بملعب دورتموند سلطت الضوء على أداء وجهد وتركيز اللاعب، بمعنى أن الأمر لم يكن إبحارًا عشوائيًا في بحر كبير.
فكيميتش كان لاعبًا تمت صناعته في قالب، بمعنى أنه بات متعدد الوظائف وذكيًا ومريحًا في تعامله مع الكرة ويجيد اللعب بالرأس.
ومع مرور المباريات الموسم الماضي، أصبح اللاعب ضمن التشكيل الأساسي الذي يبدأ به المدرب كل مباراة.
والأهم من كل هذا، أن مستواه في الدوري المحلي سرع من تطوره في المنتخب الألماني وأصبح عنصرًا أساسيًا في الفريق الألماني الذي خاص منافسات يورو 2016، وكان ضمن الفريق المثالي الذي اختاره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بعد انتهاء البطولة.
لكن بعدما رحل غوارديولا عن بايرن ميونيخ لتدريب نادي مانشستر سيتي، اصطحب معه آيديولوجيته التدريبية، تلك الآيديولوجية التي صقلت كيميتش. فوصول مدرب جديد للنادي من شأنه أن يمنح اللاعبين سجلاً جديدًا نظيفًا وأدوارًا جديدة، وهو ما يعد أمرًا جيدًا للاعبين المهمشين بالفريق، لكنه قد يكون سيئًا للمبتدئين. فمتى سيتوافق كيميتش مع خطط كارلو أنشيلوتي؟
فقد أحضر المدرب الإيطالي بعض الأسماء الكبيرة الصيف الحالي، أبرزهم ماتس هوملز وريناتو سانشيز، وهما اختصاصيان في الدور الذي اعتاد أن يؤديه كيميتش ببراعة، ولذلك استهل المدرب موسمه بوضع كيميتش الناشئ القادم من بلدة روتويل على مقعد البدلاء. ومع وجود هوملز بمركز قلب الدفاع إلى جوار جيروم بواتينغ، وفيليب لام في اليمين، لم يعد هناك مكان لكيميتش في الدفاع. وفي الأمام، كان الخيار الأول لأنشيلوتي ثلاثي الوسط؛ ثياغو، وتشابي الونسو، وارتورو فيدال. وهو الخيار الذي لم يترك مكانًا لسانشيز الذي انتقل للنادي مقابل 35 مليون يورو، ناهيك بكيميتش.
لكن بعد شهور معدودة لم يستعد اللاعب مكانه في الفريق فحسب، بل أصبح أفضل عناصره وأكثرهم جاهزية، ولم يكتفِ بكونه أساسيًا في كل مباراة، بل بات يسجل الأهداف أيضًا. سجل اللاعب أول أهدافه للمنتخب الألماني، وأول أهدافه في الدوري الألماني، وأول أهدافه في دوري أبطال أوروبا، جميعها جاءت خلال 10 أيام في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
بات من الصعب تصنيف اللاعبين حسب مراكز محددة، خصوصًا اللاعبين الذين قضوا فترات في ظل قيادة غوارديولا، لكن كيميتش لم يكن من المتوقع له أن يصبح هدافًا. لكن الإحصاءات تتحدث عن نفسها، فقد سجل اللاعب 8 أهداف في المباريات الـ15 الماضية. قد لا تستمر تلك التخمة من الأهداف على المدى البعيد لكن لا يهم، فسجله التهديفي أخيرًا ليس أكثر من منتج جانبي إلى جوار أدائه الراقي الذي برهن على ندرة خامته وإمكاناته التي لا تخطئها العين. فبعد لعبه ظهيرًا أيمن، وقلب دفاع، ولاعب وسط مدافعًا، يبدو كأنه قد وجد ضالته في الأدوار الهجومية، لكننا لن نفاجأ كثيرًا لو أنه أنهى الموسم الحالي في مركز آخر.
فعلى الساحة الدولية، بدا كأن مدرب المنتخب الألماني يواخيم لوف بات يرى كيميتش حلاً لمشكلات ألمانيا في مركز الظهير الأيمن الذي يفتقد فيه الفريق لاعبه (لام) الذي اعتزل عقب فوز فريق بلاده بكأس العالم 2014. قد يشكل لعب أدوار مختلفة لناديه ولفريق بلاده تحديًا، لكن كيميتش سيكافح لضمان المكانين. فعندما انتقل من نادي لايبزيغ إلى ميونيخ عام 2015، بدا كأن تلك الخطوة جاءت قبل أوانها، وعزز من سمعة فريق بايرن بأنه نادي اكتناز المواهب الشابة. فبدلاً من التنقل بين الاحتياطيين ومقاعد البدلاء، استطاع كيميتش بالفعل أن يثبت أن بمقدوره التحليق في آفاق أبعد من ذلك بكثير.
جوشوا كيميتش.. نجم ساطع من صنع غوارديولا
لاعب بايرن ميونيخ يتألق في مراكز الدفاع وخطي الوسط والهجوم مع ناديه والمنتخب الألماني
جوشوا كيميتش.. نجم ساطع من صنع غوارديولا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة